في يوم الأرض للعام 2024، تطلق مؤسسة الحق تقريرها بعنوان: «بيتا – نموذج فلسطيني أصيل في المقاومة الشعبية الصامدة في وجه الاستعمار الإسرائيلي» تكريماً لصمود الشعب الفلسطيني ونضاله ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. وبينما تشن دولة الاحتلال حملة إبادة جماعية مستمرة وشرسة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فإنها تواصل في الوقت ذاته ترسيخ مشروعها الاستيطاني الاستعماري الصهيوني في مناطق أخرى من فلسطين التاريخية. يعرض هذا التقرير صمود وثبات الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية من خلال استعراض النموذج الفريد للمقاومة الشعبية في بلدة بيتا في وجه المشروع الاستيطاني الإسرائيلي وأعمال الضم وغيرها من الإجراءات، وذلك بالرغم من القمع العنيف الممارس من قبل دولة الاحتلال لهذه المقاومة ضد الاستعمار.
يتتبع التقرير التحدي والمقاومة التاريخية والمستمرة لأهالي بلدة بيتا معتمداً على التوثيق الميداني التاريخي لمؤسسة الحق منذ الثمانينيات والبحث الميداني المكثّف الذي أجري بين أيار/مايو 2021 وأيار/مايو 2022 في بلدة بيتا الواقعة جنوب شرق مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة. يلقي التقرير الضوء على محطتين بارزتين من محطات تاريخ البلدة ومسيرتها النضالية. المحطة الأولى تجسدت في الثمانينيات إبان الانتفاضة الأولى، بعد استشهاد اثنين من أهل البلدة على يد مستوطنين إسرائيليين مسلّحين، وما أعقب ذلك من حملة عقاب جماعي إسرائيلية ضد البلدة بأكملها. بينما تركز المحطة الثانية على مقاومة بيتا الشعبية المستمرة ضد إنشاء بؤرة «أفيتار» الاستيطانية على أراضي أهالي البلدة في جبل صبيح في أيار/مايو 2021 خلال هبة الكرامة.
يتطرق التقرير إلى النموذج الفريد للمقاومة الشعبية وصمود بلدة بيتا بقيادة «حرّاس الجبل» منذ شهر أيار/مايو 2021، كنموذج مستقل ينظمه ويقوده أهالي البلدة، بالإضافة إلى ثقافة المقاومة والتحدي العابرة للأجيال والشاملة لكافة أفراد المجتمع البيتاوي، مما يعكس وحدة المجتمع وإيمان أفراده الراسخ بأن المقاومة جدوى مستمرة لنيل الحرية وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني.
تعكس بيتا تجربة العديد من القرى والبلدات الفلسطينية التي تعرضت للاضطهاد بسبب عقود من الاستعمار الاستيطاني الممارس من خلال العنف والاستيلاء على الأراضي والعقاب الجماعي وفرض الإغلاقات والإخضاع الاقتصادي وخلق بيئة قسرية بغرض تهجير الفلسطينيين والفلسطينيات قسراً من أراضيهم وإحلالهم بالمستوطنين الاستعماريين الإسرائيليين. كما يدرس التقرير سياسات وممارسات دولة الاحتلال في دعم الاستيطان في بلدة بيتا، لا سيما في ضوء المحاولات المستمرة لإضفاء الشرعية على بؤرة "أفيتار" الاستيطانية.
بالإضافة إلى ما سبق، يسلط التقرير الضوء على قمع دولة الاحتلال الممنهج لأي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية. إذ في محاولتها لسحق روح المقاومة الشعبية في بيتا، استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية قوة غير ضرورية وغير متناسبة ضد المتظاهرين، ما أسفر عن استشهاد عشرة فلسطينيين وإصابة 6,454 آخرين بجروح، من بينهم مسعفين وصحفيين، واحتجاز 150 من أهالي بيتا بشكل تعسفي خلال الفترة المشمولة بالتقرير ما بين شهري أيار/مايو 2021 وأيار/مايو 2022. كما فرضت دولة الاحتلال إجراءات عقابية جماعية ونفذت اقتحامات وأغلقت مداخل القرية وألغت تصاريح العمل ودمرت الطرق والبنية التحتية لعرقلة المظاهرات وحركة سيارات الإسعاف. وأسماء العشرة شهداء هي: عيسى سليمان برهم (40 عاماً)، طـارق عمـر صنوبـر (27 عاماً)، زكريا ماهر حمايل (25 عاماً)، محمد سعيد حمايل (16 عاماً)، أحمد زاهي بني شمسة (15 عاماً)، شادي عمر سليم (41 عاماً)، عماد علي دويكات (38 عاماً)، محمد علي خبيصة (28 عاماً)، جميل جمال أبو عياش (32 عاماً)، فواز أحمد حمايل (47 عاماً).
علاوة على ذلك، يوضح التقرير من خلال المقابلات التي أجريت مع الناجين من حملة العقاب الجماعي الإسرائيلية عام 1988 وأولئك الذين يتعرضون للقمع المستمر منذ أيار/مايو 2021، التأثير العميق والمستمر للعنف الإسرائيلي على الصحة البدنية والنفسية والوضع الاجتماعي والاقتصادي لأهالي بلدة بيتا. ومن بين المتضررين والمتضررات بشكل خاص أفراد المجتمع الذين فقدوا أحباءهم و/أو منازلهم، وأولئك الذين أصيبوا بإعاقات نتيجة لإصاباتهم، وكذلك أولئك الذين أُبعدوا عن البلدة وحُرموا من حقوقهم الأساسية في المنفى.
في حين استمر عنف الاستعمار الإسرائيلي ضد أهالي بيتا ما بعد أيار/مايو 2022، إذ تعرض الأهالي لاستخدام قوة غير ضرورية وغير متناسبة خلال عام 2023. وتحديداً منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية خمسة من سكان بيتا بالرصاص الحي، من ضمنهم أربعة من الأطفال، وهم عماد جارح ماجد عديلي (16 عاماً)، كرم أيمن محمد دويكات (17 عاماً)، محمد إبراهيم فهد بهلول (10 أعوام)، معاذ أشرف فالح بني شمسه (16 عاماً)، عميد سعيد غالب بني شمسه (34 عاماً). بالإضافة إلى ذلك، شمل العنف الممارس بحق أهالي بلدة بيتا هجمات المستوطنين وفرض الإغلاقات والقيود على الحركة وحملات الاقتحام والاعتقال والهجمات على أفراد الطواقم الطبية وطواقم الإسعاف وعرقلة عملهم وقدرتهم على الوصول إلى المصابين والمستشفيات ومرافق الرعاية الصحية. كما تواصل دولة الاحتلال استهداف ممتلكات السكان في بيتا، بما في ذلك تجريف وتدمير الطريق العام المؤدي إلى مكب نفايات البلدة وهدم مباني خاصة لأهالي البلدة وذلك بهدف التوسع الاستيطاني.
تعد تجربة بلدة بيتا دليلاً على استمرار النكبة ومواصلة كفاح الشعب الفلسطيني ضد نظام الفصل العنصري الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي، الذي لا ينفك يولد عنفاً ممنهجاً ضد الشعب الفلسطيني ويحرمه من حقه في تقرير المصير. يضع التقرير تجربة بلدة بيتا في تحدي نظام الفصل العنصري الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي في إطار حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير، وحقه في مقاومة الاستعمار سعياً لنيل الحرية والعدالة والكرامة. لا يعكس نموذج أهالي بلدة بيتا في الصمود والمقاومة الشعبية تضحياتهم العميقة فحسب، بل يعكس أيضاً سعي الشعب الفلسطيني الدؤوب إلى التحرر والعدالة.
بينما نحيي الذكرى الثامنة والأربعين ليوم الأرض، وهو اليوم الذي قتلت فيه الشرطة الإسرائيلية ستة فلسطينيين من حاملي الجنسية الإسرائيلية أثناء احتجاجهم على مصادرة دولة الاحتلال لآلاف الدونمات من أراضيهم في الجليل، نُذكّر بالنضال المستمر للشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه من خطر المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني، بما في ذلك في وجه التوسع المتزايد للمستوطنات الاستعمارية وضم الأرض الفلسطينية والقمع العنيف لحقه في الوجود والعيش كشعب في أرضه.
لقراءة التقرير كاملاً باللغة العربية، اضغط/ي هنا.
مراجع إضافية:
ورقة حقائق بعنوان "حرّاس الجبل – المقاومة الشعبية الفلسطينية المستمرة في بيتا" من إعداد Visualizing Palestine، يمكن الاطلاع عليها هنا.