أصدر معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة بيرزيت - عضو مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية - تقييم ظرف بمناسبة إعلان الانتخابات العامة الفلسطينية بعنوان "فرص الاستفادة من ظرف الانتخابات لإعادة الزخم إلى المشروع الوطني" يعالج السبل التي يمكن من خلالها أن تشكل قضية الانتخابات وسيلة لإحراز بعض التقدم على جبهة مواجهة المعضلات الوطنية التي تعيق التقدم باتجاه تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني وتجديده، وتسخير قضية الانتخابات لإعادة الزخم إلى المشروع الوطني الجمعي، والمساهمة في رأب الصدع وإصلاح ما تهتك وتعزيز النسيج المجتمعي الفلسطيني. ويتسم التقييم بكونه محايداً حزبياً، وملتزماً وطنياً، يهدف إلى المساهمة في النقاش المجتمعي حول قضية الانتخابات من منطلقات عقلانية، وأخلاقية.
يشير التقييم إلى وجود فرصة لتعظيم المشاركة السياسية، وزيادة شأن التعددية السياسية ضمن الإطار الوطني العام في المجتمع الفلسطيني، وإلغاء إمكانية احتكار السياسة، وتشجيع الحراكات المختلفة (الشبابية والنقابية، والنسوية، وغيرها) على خوض غمار المشاركة السياسية في الحيز العام الأوسع، وإرساء أسس عمل جبهة وطنية عريضة، والاتجاه نحو إصلاح عميق للمجتمع الفلسطيني ونظامه السياسي، بدون مزيد من النزيف، وإلى البحث عن سبل للإصلاح لا تتسم بكونها تغييرا ثوريا، بل إلى تسوية يمكن وصفها بالتاريخية، وذلك وفقا لتقييم حذر للواقع الراهن.
ينطلق التقييم من كون الانتخابات تشكل وسيلة وليست هدفاً بحد ذاتها، وأنها يجب أن تخدم الأهداف الفلسطينية العامة، وأن لا يتم تسخيرها لخدمة أهداف ضيقة، أو فئوية، وأنها مناسبة للتخلي عن المحاصصة، وللابتعاد عن العشائرية والجهوية وما يشبهها من مظاهر لا ترتكز إلى إعلاء الصالح الفلسطيني العام، الكامن في دحر الاحتلال وتحقيق الحرية، وفق برنامج سياسي حقيقي يسير بالشعب الفلسطيني نحو تحقيق هذه الأهداف.
ويقدم التقييم مقترحات تخدم دمقرطة الحياة السياسية من خلال تفعيل الحوار السياسي العام في المجتمع الفلسطيني من أجل إبداع برامج سياسية مناسبة للمرحلة، وإيجاد آلية لضمان تمثيل توجهات وتطلعات شرائح المجتمع المختلفة، وعدم اختزال التعددية السياسية في ثنائية متصارعة، وتعزيز فرص الجبهة الوطنية، وإنصاف وانعكاس التعددية الموجودة في المجتمع الفلسطيني وتمثيل الجميع دون استثناء. ويرى التقييم في تأييد أغلب الفصائل الفلسطينية للانتخابات، وإعلانها عن التزامها بنتائجها، خطوة إيجابية يمكن البناء عليها، ويدعو إلى العمل على ترسيخ أربعة أسس/ضوابط تشكل أساسا لتحقيق المواصفات المشار إليها أعلاه:
أولا: إلغاء إمكانية احتكار السلطة والقرار السياسي من قبل أي جهة، والتخلي عن المحاصصة؛
ثانيا: إلغاء إمكانية البقاء في السلطة بدون تجديد الشرعية بشكل مستمر ودوري؛
ثالثا: إلغاء إمكانية نشوء "حق نقض" لأي طرف أو جهة؛
رابعا: توسيع نطاق التمثيل السياسي.
ويقترح التقييم بعض الأسس/الضوابط والشروط التي من شأنها أن تساهم في تشكيل البيئة الضرورية لإنجاز تسوية تاريخية، تقوم على الاستفادة من التنافس الانتخابي دون أن تصل إلى الصراع بين الأطراف المتنافسة. ويقدم اقتراحاً للتوجه نحو إنجاح العملية الانتخابية بمواصفات محددة يكون من ضمنها تشكيل قوائم انتخابية تتسم بصفات وضوابط من شأنها تحقيق أهداف محددة جزء أساسي من هذه المواصفات، يمكن إجمال كما يلي:
أولاً: لا تحوي أي قائمة على أكثر من خمسين مقعداً. أي تضع كل قوة سياسية لنفسها سقفاً لا يمكنها من الوصول إلى السلطة بدون تحالفات؛
ثانياً: تصوغ كل قائمة برنامجها السياسي بهدف الحصول على أصوات الشرائح الاجتماعية السياسية التي تدعمها فعلاً بدون محاولة لتوسيع برنامجها ليدعي تمثيل الشعب الفلسطيني برمته، فمنظمة التحرير الفلسطينية هي من يمثل الشعب الفلسطيني، وليس أي حزب أو فصيل بعينه؛
ثالثاً: يتم تشجيع الأحزاب الصغيرة على الترشح، ويؤدي الكبح الذاتي للقوى الكبيرة لإتاحة المجال إلى زيادة فرص دخول الأحزاب الأصغر إلى المجلس التشريعي بوزن أكبر من ذلك الذي نشأ نتيجة لطبيعة النظام السياسي الذي أدى إلى تضييق نطاق ما يعرف بالاتجاه السائد في السياسة أو الوسطية؛
رابعاً: يتم تشجيع التجمعات والمبادرات الشبابية والنسوية والعمالية والفلاحية وغيرها من فئات وشرائح وقطاعات اجتماعية على تشكيل قوائم انتخابية؛
خامساً: تخفيض نسبة الحسم بحيث تتمكن أي قائمة تحصل على 1/132 من الأصوات أن تدخل المجلس التشريعي، وبهذه الطريقة لا تنشأ حاجة إلى إنشاء تحالفات تكتيكية غير مبدئية في عملية تشكيل القوائم؛
سادساً: يتم بذل كل الجهود لأوسع مشاركة شعبية تكون بمثابة استفتاء على التوجهات السياسية للجمهور بدون الاعتبارات التنظيمية. أي أن الناخبة لا تخشى من أن يكون تصويتها لقائمة جديدة على الساحة السياسية، أو تابعة لحزب صغير حجباً للأصوات عن الأحزاب التي يمكن أن تشكل الحكومة. ويمكن استخدام هذا الاستفتاء مؤشراً، إلى جانب مؤشرات أخرى، لأغراض التوافق على عضوية المجلس الوطني الفلسطيني للفلسطينيين في الأماكن التي يتعذر فيها عقد الانتخابات، كما يشكل قياساً للتأييد المجتمعي للقوائم المترشحة.
إن مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، إذ يعتبر هذا التقييم أساساً لنقاش سياسي يحتاجه المجتمع الفلسطيني، يطلب من الجميع، وخاصة الفصائل، والأحزاب، والحركات، والحراكات، والقوائم الانتخابية التي يجري العمل على تشكيلها، أن تتفاعل مع هذا التقييم، وتأخذه بعين الاعتبار وتسعى إلى تحقيق مآربه.