في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، أصدر ما يسمى بوزير الحرب الإسرائيلي قراراً بتصنيف ست منظمات مجتمع مدني فلسطيني رائدة، بما فيها مؤسسة الحق، على أنها "منظمات إرهابية". إنّ هذا الهجوم الصارخ والباطل بحق المدافعين/ات عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني الفلسطيني لا يعرّض العاملين/ات في هذه المنظمات للخطر الوشيك فحسب؛ بل يعتبر خطوة أساسية في حملة تقليص المساحة المتاحة أمام المدافعين/ات عن حقوق الإنسان الفلسطينيين/ات أو حتى القضاء عليها كاملةً.
وعليه، فقد كثّفت مؤسسة الحق، إلى جانب المنظمات الخمس الأخرى المستهدفة، من جهود المناصرة الدولية، إذ شاركت في عدد من الاجتماعات واللقاءات مع كبار المسؤولين/ات، شدّدت فيها على محاولات الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة لإسكات الأصوات المعارضة. كما شملت هذه اللقاءات عدداً من الإحاطات التي قدّمتها المؤسسة لكل من اللجنة البرلمانية البريطانية، والمركز العربي-فرع واشنطن، وعدد من أعضاء البرلمان الإيرلندي، والبرلمان الإيطالي، وتقديم مجموعة من المداخلات للبرلمانات الأوروبية.
في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، قدّمت كل من الدكتورة سوزان باور، مديرة دائرة البحث القانوني والمناصرة الدولية في مؤسسة الحق؛ والسيد خالد قزمار، المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فرع فلسطين؛ والسيدة سحر فرانسيس، المديرة العامة لمؤسسة الضمير لرعاية حقوق الأسير، مداخلاتٍ في اجتماع عقده فريق المشاركة المدنية في مجلس الشيوخ الإيرلندي. قدّمت الحق عرضاً وضّحت فيه العمل الأساسي الذي تقوم به المؤسسة بالإضافة إلى تاريخها العريق، بما فيه حقيقة أنها تعمل منذ أكثر من 40 عاماً على رصد انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها في فلسطين بصرف النظر عن مرتكبيها. كما أنّ لمؤسسة الحق تاريخاً طويلاً في التفاعل الدولي مع مختلف الأطراف والهيئات، كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، كما حصدت المؤسسة عدداً من جوائز حقوق الإنسان، منها جائزة حقوق الإنسان التي قدّمتها الجمهورية الفرنسية لعام 2018.
وضّح السيد خالد قزمار من الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أنّ هذا القرار جعله يشعر بالخوف على موظفي/ات المنظمة، الذين يمكن أن يتعرضوا للاعتقال لمجرد عملهم/ن فيها. كما أنه لن يُسمح للبنوك بالتعامل مع المنظمة، وعليه فإنه لا يعلم كيف سيتم دفع رواتب الموظفين/ات. لذلك؛ فإننا نحتاج لخطوات فعلية تظهر دعم إيرلندا لفلسطين. كما صرّحت الدكتورة باور: "نحتاج لبيان رسمي من إيرلندا تعبّر فيه عن رفضها الاعتراف بهذا التصنيف الإرهابي". كما أوصت السيدة فرانسيس قائلةً: "نتوقع من إيرلندا أن تقود الاتحاد الأوروبي في العمل من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، نحتاج لأفعال وليس إلى بيانات فقط".
في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، قدّمت الحق عرضاً للمجموعة البرلمانية البريطانية-الفلسطينية، وذلك إلى جانب كل من سحر فرانسيس وخالد قزمار. حيث تتبّع المتحدثون/ات تاريخ حملات تشويه السمعة ونزع الشرعية التي نفذتها دولة الاحتلال بحق المدافعين/ات عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني؛ كمؤسسة الحق، حيث تصاعدت حدة هذه الحملات فيها لتصل إلى تهديدات بالقتل بحق بعض موظفيها/تها. إذ هدفت حملات تشويه السمعة هذه لتجفيف مصادر التمويل التي تتلقاها هذه المنظمات وقطع علاقاتها بمنظمات حقوق الإنسان المحلية الشريكة، وهو ما تجسّد في مختلف المحاولات المجحفة والصارخة التي قامت بها وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية. كما وينصبّ تصنيف هذه المنظمات بأنها "منظمات إرهابية" لخدمة هذه الأهداف، لا سيما أنه تم الإعلان عن هذا التصنيف في أعقاب رفض عدد من دول الاتحاد الأوروبي وقف تمويلها للمنظمات الست المستهدفة بعد أن قدمت دولة الاحتلال لها "أدلّة" عشوائية وغير موثوقة.
في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، قدّمت الدكتورة سوزان باور مداخلةً أمام المركز العربي في واشنطن، بعنوان "تداعيات الحملة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على منظمات المجتمع المدني الفلسطيني"، وذلك إلى جانب كل من إيناس عبد الرازق، مديرة المناصرة في الهيئة الفلسطينية للديموقراطية العامة؛ وميلينا أنصاري، مسؤولة المناصرة الدولية في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان؛ ويوسف منيّر ، زميل غير مقيم في المركز العربي في واشنطن. وفيه تمّ عرض ما كشفت عنه مؤسسة "فرونت لاين ديفندرز" بخصوص وجود برنامج تجسس "بيغاسوس" على أجهزة ست موظفين/ات من المنظمات الستّ المستهدفة، إذ يشغّل هذا البرنامج التجسسي مجموعة "إن أس أو" الإسرائيلية. ومن الجدير بالذكر أنه تم الكشف عن التجسس على هذه الأجهزة في شهر يوليو/تموز من عام 2020، أي قبل أكثر من عام من إعلان التصنيف المفبرك للمنظمات الفلسطينية على أنها "إرهابية"، وهو ما يعدّ خطوة من الخطوات الرامية للتجسس على عمل المنظمات الفلسطينية والممثلين/ات السياسيين/ات العاملين/ات في محكمة الجنايات الدولية.
كما يتم التأكيد موخراً على أنه يجب النظر لهذا القرار التصنيفي باعتباره قراراً سياسياً لا قانونياً، وعليه فإن الحل أيضاً يجب أن يكون سياسياً. وفي هذا الصدد، يتحتّم على الدول الأطراف الثالثة أن تسخّر نفوذها من أجل الضغط على وزير الحرب الإسرائيلي لإلغاء هذا القرار وهذه التصنيفات المجحفة على وجه الاستعجال، إضافة إلى اعتبار هذا التصنيف أسلوباً صارخاً لإسكات صوت المدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وهو ما يرقى لجريمة حرب بحقهم/نّ.
بناء على كل ما تقدّم، توصي مؤسسة الحق الدول الثالثة بما يلي:
استخدام نفوذها من أجل الضغط على وزير الحرب الإسرائيلي، لإلغاء هذا القرار على وجه الاستعجال؛
العمل مع الاتحاد الأوروبي والدول الثالثة على إصدار بيان رسمي تدين فيه هذا التصنيف الإرهابي وتقرّ على عدم اعترافها به، باعتباره فعلاً غير إنساني من جريمة الفصل العنصري بموجب المادة (2/ح) من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها؛
إرسال بيان رسمي للبنوك والمؤسسات المالية لإشعارهم بعدم التعاطي مع تصنيف إسرائيل للمنظمات الفلسطينية على أنها "إرهابية" بأي شكل من الأشكال؛
سنّ تشريعات وقوانين محليّة لحظر بيع السلع والخدمات التابعة للمستوطنات الإسرائيلية؛
إلغاء أي بند متعلق "بالإرهاب" باعتباره شرطاً داخلياً يُفرض على المانحين عند تمويل منظمات المجتمع المدني العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة؛
فرض عقوبات تجارية شاملة على دولة الاحتلال سواء بصورة فردية أو جماعية، لضمان امتثالها للقانون الدولي ووضع حد لجهوها الرامية لمسح الوجود الفلسطيني في الأرض المحتلة. وينبغي التأكيد بوجه الخصوص، على ضرورة وقف بيع المنتجات العسكرية لدولة الاحتلال أو تزويدها بها، بالإضافة إلى إنهاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال؛
اتخاذ تدابير وإجراءات فعلية وفورية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده ونظامه االقائم على الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، وضمان سبل الانتصاف العادلة للفلسطينيين/ات جميعاً، بما فيها حقهم/نّ في تقرير مصيرهم/نّ والحق في عودتهم/نّ إلى أراضيهم/نّ وديارهم/نّ في وطنهم فلسطين.