وجاءت المسيرات، التي شاركت بها عائلات بأكملها ولم تقتصر على فئة دون الأخرى، تشديدًا على حق الفلسطينيين بالعودة إلى قراهم التي هجّروا منها في النكبة الفلسطينية، علمًا بأن نسبة اللاجئين في قطاع غزة تصل إلى 65.3% من مجمل 1,899,291 فلسطيني يقيمون في القطاع المحاصر.[1]
استخدمت قوات الاحتلال القوة المميتة بشكلٍ منهجيٍ ومقصود في تفريق الفلسطينيين، فقتلت القوات المتمركزة خلف السياج الحدودي شرق بلدة جباليا، في محافظة شمال غزة، الشاب محمد كمال النجار (25 عامًا) حوالي الساعة 12:30 ظهرًا، بُعيد إصابته بعيارٍ ناريٍ في البطن. وقتلت قوات الاحتلال المتمركزة في المنطقة نفسها، حوالي الساعة 4:30 مساءً، الشاب بادر فايق الصباغ (21 عامًا)، جراء إصابته بعيار ناري في الرأس. فيما استشهد في المنطقة نفسها الشاب عبد الفتاح بهجت عبد النبي (19 عامًا) حوالي الساعة 5:00 مساءً، جراء إصابته بعيار ناري في الرأس، ويظهر مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي لحظة إصابة عبد الفتاح الذي كان بعيدًا عن قوات الاحتلال. وقد قتل جنود الاحتلال الشبان الثلاثة أعلاه أثناء تواجدهم على مسافة نحو 100 متر من السياج الحدودي في منطقة مفتوحة، دون أن يشكلوا خطرًا على الجنود.
وحوالي الساعة 6:15 من مساء اليوم نفسه، أطلقت مدفعية الاحتلال المتمركزة خلف السياج الحدودي، شرق بلدة بيت حانون، قذيفتين مدفعيتين باتجاه نقطة رصد للمقاومة الفلسطينية، تقع شرق حي الأمل شمال شرق بيت حانون، في محافظة شمال غزة، ما أدى إلى استشهاد اثنين من أفراد المقاومة هما: ساري وليد أبو عودة (27 عامًا) وحمدان إسماعيل أبو عمشة (23 عامًا)، جراء إصابتهما بشظايا في مختلف أنحاء جسمهما.
وقتلت قوات الاحتلال المتواجدة خلف السياج الحدودي، شرق حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، أربعة شبان شاركوا في مسيرات العودة، وكانوا يتواجدون على مسافة نحو 100 متر من السياج الحدودي. والشهداء هم: أحمد إبراهيم عودة (19 عامًا) بُعيد إصابته بعيار ناريٍ في الرأس، ومحمود سعدي رحمي (33 عامًا) بعد إصابته بعيارٍ ناريٍ في الصدر، ومحمد نعيم أبو عمرو (26 عامًا) الذي أصيب بعيارٍ ناريٍ في البطن، وجهاد أحمد فرينة (34 عامًا) الذي أُصيب بعيارٍ ناريٍ دخل في الجهة اليسرى من الوجه.
كما قتلت قوات الاحتلال الشاب جهاد زهير أبو جاموس (29 عامًا)، جراء إصابته بعيار ناري في الرأس، أثناء تواجده على مسافة نحو 100 متر من السياج الحدودي. وقتلت قوات الاحتلال الشابين عبد القادر مرضي الحواجري (42 عامًا)، جراء إصابته بعيار ناري في البطن، والشاب ناجي عبد الله أبو حجير (25 عامًا)، جراء إصابته بعيار ناري في البطن. وقتلت قوات الاحتلال المتمركزة خلف السياج الحدودي شرق رفح، الشابين أمين محمود معمر (25 عامًا)، جراء إصابته بعيار ناري في الرأس، وإبراهيم صلاح أبو شعر (20 عامًا)، جراء إصابته بعيار ناري في الرأس.
وكانت قوات الاحتلال قد أطلقت قذيفتين مدفعيتين، حوالي الساعة 4:30 من فجر اليوم الجمعة الموافق 30 آذار 2018، باتجاه فلسطينيين اثنين كانا يعملان بقطف محصول البقدونس منذ حوالي الساعة 2:00 فجر اليوم نفسه، من أرض زراعية تبعد نحو كيلومتر عن السياج الحدودي شرق منطقة السريج شرق القرارة، ما أدى إلى مقتل أحدهما، وهو عمر وحيد سمور (26 عامًا) ووصل مستشفى غزة الأوروبي عبارة عن أشلاء، فيما أصيب الآخر وهو أحمد سالم الشامي (24 عامًا) بجروح متوسطة، حيث بقيا في المكان لنحو نصف ساعة إلى أن تمكنت سيارات الإسعاف من الوصول إليهما ونقلهما إلى المستشفى.
الإعداد للجريمةلم يكن اعتداء قوات الاحتلال للمتظاهرين الفلسطينيين السلميين حدثًا عابرًا، بل جريمة أعد لها مسبقًا بشكلٍ متكامل. فقد حذّر رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي غادي أيزنكوت الفلسطينيين، مصرحًا "بأننا نشرنا أكثر من مائة قناص تم استدعاؤهم من كافة وحدات الجيش، لا سيّما القوات الخاصة،" مضيفًا أنهم حصلوا على تصريح بإطلاق النار في حال تعرضهم للخطر.[2] وهدد كذلك وزير دفاع دولة الاحتلال أفيغدور ليبرمان في تغريدة باللغة العربية على موقع تويتر الفلسطينيين قائلًا: " كل من يقترب من الجدار يعرض حياته للخطر."[3] وحذر ليبرمان في مقابلة أجراها مع صحيفة يديعوت أحرونوت بإيذاء كل من يحاول المساس بالسيادة الإسرائيلية، وأن مئات القناصين المنتشرين "يعرفون كيف يحددون مثيري الشغب ومن يقودهم، وسوف نؤذيهم." وذلك بعد أن أسهب في تحميل حماس سوء الظروف المعيشية للفلسطينيين في قطاع غزة.[4] وكان ما يسمى منسق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة قد صرّح بأنه أرسل تهديدات إلى كل الجهات التي يمكن أن تساعد الفلسطينيين في التظاهر على الحدود، بما فيها شركات الحافلات التي من المحتمل أن تنقلهم إلى الحدود.[5]
تثبت حملة التهديد والوعيد التي أثارتها دولة الاحتلال حول مسيرة العودة، التي أعلن منظموها عن سلميتها منذ البداية، وعدد الشهداء والمصابين بين المعتصمين السلميين بالقرب من الحدود، أن ما حدث يصل إلى مثابة القتل العمد، ولم يكن حدثًا عابرًا. وهو ما أكّده حساب الحساب الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي على تويتر، في تغريدة خطيرة حذفت لاحقًا، من أنه "لم ينفذ شيء دون انضباط، كل شيء كان دقيقًا ومحسوبًا، ونعرف أين حطت كل رصاصة."
وأورد وزير دفاع دولة الاحتلال ليبرمان كلامًا مشابهًا في تغريدة باللغة العبرية على تويتر قائلًا: "قام جنود الجيش الإسرائيلي بصد نشطاء الجناح المسلح لحركة حماس بعزم وحرفية، تمامًا كما توقعنا منهم المزيد على دنيا الوطن."[6] ويعد ذلك كفيلًا للبرهنة على أن القتل سياسية إسرائيلية رسمية يدعمها أرفع المسؤولين السياسيين في دولة الاحتلال.
وتهدف دولة الاحتلال بهذه الجريمة إرهاب الفلسطينيين من مجرد التفكير في حق العودة الذي يعتبر جزءًا من حق تقرير المصير الذي يكفله القانون الدولي والقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة، وتوجه رسالة إلى المجتمع الدولي العاجز عن إلزام إسرائيل بالقرارات الدولية مفادها أن حق الشعب الفلسطيني بالعودة مرفوض لدى دولة الاحتلال. وتقف دولة الاحتلال الإسرائيلي خلف سوء الأحوال المعيشية في قطاع غزة المحاصر، الذي حذرت كثير من المؤسسات الدولية بأنه سيصبح غير قابل للحياة في غضون سنوات.
التحليل القانونيتستمر دولة الاحتلال في تجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، لا سيّما الحق في الحياة، من خلال الاستخدام المفرط للقوة والعقوبات الجماعية التي تنتهجها دولة الاحتلال سياسةً لها. وبدا ذلك واضحًا في يوم الأرض، فلم تأخذ دولة الاحتلال مبادئ التناسبية والضرورة بعين الاعتبار عندما وجهت نيران أسلحتها تجاه العائلات الفلسطينية المعتصمة سلميًا على الحدود، ويظهر ذلك بوضوح في حالة الشهيد عبد الفتاح عبد النبي أعلاه، وكذلك في كل حالات الإصابات بين صفوف الفلسطينيين، وخير مثال على ذلك تسجيل فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي يوضح إصابة شاب أثناء أدائه الصلاة على في منطقة الاعتصام.
يُعد استهداف قوات الاحتلال المدبّر للمتظاهرين السلميين حرمانًا تعسفيًا من الحياة في انتهاك للمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص على: "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا."[7] ويخالف استهداف قوات الاحتلال المحتجين الفلسطينيين المادة 21 من العهد الدولي نفسه، والذي يقر الحق بممارسة التجمع السلمي دون قيود.[8] وإن لم يتمكن جنود الاحتلال من تفادي استخدام الأسلحة النارية، وهذا أمر مخالف للواقع إذ لم يقترب المتظاهرون السلميون من السياج الحدودي ولم يشكلوا خطرًا على جنود الاحتلال وفقًا لتوثيق مؤسسة الحق، فإن "مبادئ الأمم المتحدة الخاصة باستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون" تقيد هذا الاستخدام ضمن معايير محددة تتمثل في ضبط النفس واستخدام الأعيرة النارية في كل حالة بحجم الخطر بما يضمن تقليل حجم الضرر إلى أدنى حد وصيانة واحترام كرامة الإنسان، وبخلاف ذلك، تجرم مبادئ الأمم المتحدة القتل التعسفي.[9] كما يُعد هذا القتل العمد وغير المبرر للمدنيين الفلسطينيين المحميين بموجب القانون الدولي انتهاكًا خطيرًا للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، وجريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
تدين مؤسسة الحق الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة المتواصلة في الأرض الفلسطينية المحتلة بحق الفلسطينيين، لا سيّما في قطاع غزة، وتدعو الجمعية العامة لتشكيل لجنة تحقيق بخصوص جرائم القتل العمد التي ارتكبتها قوات الاحتلال بشكل مدبر، باعتبارها جزءًا من الاستهداف الإسرائيلي المتواصل للفلسطينيين. وتدعو مؤسسة الحق الأطراف السامية على اتفاقية جنيف الرابعة للاجتماع العاجل لتحمل مسؤولياتها القانونية ولوقف الانتهاكات الخطيرة تجاه الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين في انتهاكٍ لأحكام الاتفاقية. وتدعو مؤسسة الحق المجتمع الدولي الوقوف عند التزاماته بإيقاف حمام الدم الذي ترتكبه دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين الذين يطالبون بحقوقهم المكفولة بالقوانين والمواثيق الدولية، ورفع الحصار عن قطاع غزة فورًا، وضمان حرية الفلسطينيين في الحركة. وتدعو مؤسسة الحق المجتمع الدولي صون وتسهيل تنفيذ حق اللاجئين بالعودة، بما في ذلك حماية وضمان استمرار عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)
[1] النتائــج الأوليــة للتعـــداد العـــام للسكــان والمســاكن والمنشــآت 2017. رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2018. http://www.pcbs.gov.ps/portals/_pcbs/PressRelease/Press_Ar_Preliminary_Results_Report-ar-with-tables.pdf؛ الاحـصـــــاء الفلـسـطينـــي يـسـتعــــرض واقع اللاجئين الفلسطينيين بمناسبة اليوم العالمي للاجئين 20/06/2017. رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2017. http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=1956.
[2] Alex Fishman, Yossi Yehoshua. Eisenkot says Israel deployed 100 sharpshooters on Gaza border for Palestinian protests. Tel Aviv: Ynet, 28/3/2018. https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-5204745,00.html.
[3] ليبرمان، أفيغدور. 30/3/2018 (12:13م). https://twitter.com/AvigdorLiberman/status/979617499640729601.
[4] Yoav Zitun, Attila Somfalvi. Lieberman on Gazans' infiltration: 'Don't turn an operational hitch into a tragedy'. Tel Aviv: Ynet, 29/3/2018. https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-5208611,00.html. In Hebrew: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5207106,00.html#autoplay.
[5] אליאור לוי. "ישראל מזהירה את חברות האוטובוסים בעזה: "תסיעו מפגינים? תישאו באחריות". ידיעות אחרונות: תל אביב، 28/3/2018.
[6] ליברמן، אביגדור. 31/3/2018 (6:39م). https://twitter.com/AvigdorLiberman/status/980107291914620928.
[7] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، 16/12/1966، (دخل حيّز التنفيذ 23/3/1976)، المادة 6 (1).
[8] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، 16/12/1966، (دخل حيّز التنفيذ 23/3/1976)، المادة 21.
[9] Basic Principles on the Use of Force and Firearms by Law Enforcement Officials, adopted by the Eighth UN Congress on the Prevention of Crime and the Treatment of Offenders, Havana, Cuba, 27 August to 07 September 1990, Article 5.