القائمة الرئيسية
EN
مدينة القدس: احتلال وكورونا
28، أبريل 2020

في الوقت الذي يواجه به العالم جائحة غير مسبوقة، فإن الشعب الفلسطيني يواجه تحديات مضاعفة من حيث الصعوبة بسبب انتشار وباء كورونا من ناحية، والاحتلال الإسرائيلي وسياساته من ناحية أخرى، إذ تواصل دولة الاحتلال انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتعيق قدرة الفلسطينيين على إدارة الأزمة ومجابهة الوباء، وتستغل هذه الجائحة العالمية لتعزيز الضم والاستيطان وسلب الأراضي وتعزيز نظام السيطرة. ولعل مدينة القدس المحتلة أبرز مثال على الكيفية التي تقوض بها سلطات الاحتلال قدرة الفلسطينيين على مواجهة الوباء، وذلك بدلًا من تحمّل مسؤولياتها كسلطة احتلال عن سلامة السكان المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال.

لطالما كان وبقي الإطار الناظم لسياسات سلطة الاحتلال إزاء مدينة القدس المحتلة في خضم أزمة وباء كورونا يتسم بالتهميش والإهمال فيما يخص احتياجات الفلسطينيين من ناحية، ومنع السلطة الفلسطينية من سد هذا الفراغ من ناحية أخرى، ما جعل احتمالات تفشي الوباء بين الفلسطينيين في المدينة المقدسة من أكثر التوقعات قدرةً على التحقيق.

 نبرز في هذا التقرير أهم ملامح التمييز العنصري الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين الذين يرزخون تحت الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة منذ وصول الوباء إلى الأرض الفلسطينية المحتلة.

فعلى الرغم من تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا في دولة الاحتلال في تاريخ 15/2/2020، ورغم تسارع وتيرة الإصابات بشكل كبير منذ منتصف شهر آذار، فإن دولة الاحتلال لم تفتتح أي مراكز لإجراء فحوص الإصابة بالكورونا في القدس الشرقية  إلا في 2/4/2020، وذلك بعد ممارسة ضغوط على دولة الاحتلال للقيام بذلك وإطلاق الكثير من التحذيرات، بعد أكثر من شهر ونصف على إصابة أول إسرائيلي بفيروس كورونا، وعلى الرغم من أن فلسطينيًا مقدسيًا كان من أوائل المصابين بالفايروس المذكور، في الوقت الذي كانت دولة الاحتلال تجري آلاف الفحوصات يوميًا لإسرائيليين مشتبه بإصابتهم أو مخالطين.

علاوةً على ذلك، على الرغم من توفير وزارة الصحة الإسرائيلية لمسارات تواجد المصابين الإسرائيليين خلال الأيام القليلة السابقة لإكتشاف إصابتهم بغية تحديد نقاط الاختلاط، حتى يسهل على المختلطين معرفة أنهم قد اختلطوا بشخص مصاب، فإنها لا تقوم بهذا الواجب تجاه الفلسطينيين المقدسيين، في وقت تقوم فيه سلطات الاحتلال بتوقير هذه المعلومات  للمستوطنين الإسرائيليين في المدينة المحتلة، وذلك من خلال قوائم الإصابات التي تنشر على الموقع الإلكترونية لوزارة الصحة الإسرائيلية، ما يهدد الجهود الفلسطينية الشعبية للوقاية من الوباء ووقف انتشاره.

أما فيما يتعلق بالأحياء المقدسية خلف جدار الضم والتوسع العنصري مثل مخيم شعفاط وكفر عقب اللذان يقطنهما أكثر من مائة ألف فلسطيني مقدسي،[1] فقد أهملت تمامًا، ولم تحاول فرض سياسات العزل والتباعد  الاجتماعي، أو حتى فتح مراكز للفحص هناك، في الوقت الذي ترفض به سلطة الاحتلال تواجد السلطة الفلسطينية لفرض إجراءات تحد من انتشار الوباء في هذه الأحياء، وحدث أن تواجدت قوى أمنية فلسطينية أكثر من مرة في هذه الأحياء وطلبت سلطات  الاحتلال منها المغادرة.[2] ولم يفتح مراكز لفحص فيروس كورونا في هذه الأحياء حتى رفع مركز عدالة[3] قضيةً في المحكمة العليا لتجبر دولة الاحتلال على القيام بذلك، وقد أعلنت نيتها فتح ثلاثة مراكز جديدة للفحص  في الأحياء الفلسطينية من المدينة، وذلك  في تاريخ 13/4/2020 ردًا على الالتماس الذي قدمه مركز عدالة، اثنان من هذه المراكز سيكونان في الأحياء المقدسية خلف الجدار تحديدًا في مخيم شعفاط وكفر عقب.[4]

وفي هذا السياق، من المعلوم تمامًا أن المستشفيات الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة تعاني كثيرًا بسبب ممارسات الاحتلال التقييدية وعدم تخصيص موارد مادية واحتياجات مستشفيات القدس الشرقية، بالإضافة إلى قطع الولايات المتحدة قبل عامين مساعدة سنوية بقيمة 25 مليون دولار كانت تقدمها لهذه المستشفيات، أي أن المستشفيات الفلسطينية في المدينة المقدسة مستهدفة مسبقًا وتعاني من ضائقة مالية كبيرة، ويتوفر لدى المستشفيات المقدسية فقط 22 جهاز تنفس وفقًا لشبكة مستشفيات القدس الشرقية، وأعد فقط 50 سريرًا لمرضى كورونا في مستشفيين من أصل 6 مستشفيات فلسطينية تعمل في مدينة القدس المحتلة.

علاوةً على ما سبق، وفي الوقت الذي يواجه به الفلسطينيون في مدينة القدس المحتلة سياسات الاحتلال والوباء، عملت سلطات الاحتلال بشكل متواصل على التضييق على أي مبادرات أو تدخلات من السلطة الفلسطينية لحماية الفلسطينيين في القدس من انتشار الوباء. 

فقد أغلقت مركز فحص لفيرورس كورونا في بلدة سلوان مدعوم من السلطة الفلسطينية حينًا،[5] وطردت الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الأحياء المقدسية خلف الجدار أحيانًا أخرى، وخربت  كل اللافتات التي تحمل شعار السلطة الفلسطينية، واعتقلت وزير القدس فادي الهدمي عدة مرات على خلفية نشاطات وقاية ضد فيروس كورونا، واعتقلت  شبان وصادرت  مواد تموينية كانوا ينوون توزيعها على السكان المحتاجين في بداية شهر نيسان في صور باهر، واعتقلت   شبان آخرين وخالفتهم بذريعة عدم التزامهم بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا وعدم التزامهم بقيود الحركة. كما استدعت مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني لأنه انتقد تقاعس الاحتلال عن القيام بواجباته بصفته قوة محتلة لحماية الفلسطينيين من الوباء، وكذلك استدعت  مراسلة تلفزيون فلسطين في مدينة القدس لمنع عملها في المدينة بذريعة أن تلفزيون فلسطين ممنوع من العمل في المدينة، فضلًا عن استدعت  واعتقلت  شاب فلسطيني من سلوان    لقيامه بتنسيق  إنشاء مركز لفحص الكورونا في البلدة، وغيرها من الانتهاكات الكثيرة،[6] فضلًا عن حملات المداهمة والاعتقالات للأحياء المقدسية مثل العيسوية وفرض القيود  الحركة، والتعدي على الفلسطينيين/ استمرارًا  لنهج متواصل  من الممارسة الاستعمارية، لم  ترده أزمة الوباء. 

وفي وقت حلول شهر رمضان الذي يفاقم من إمكانيات انتشار العدوى بين الفلسطينيين بسبب التجمعات والزيارات العائلية، لم تقم سلطات الاحتلال "بحملة توعية مكثفة ولم توفر الحجم المطلوب من الإرشادات التوعوية باللغة العربية"، ولم يلاحظ أن وزارة الصحة الإسرائيلية بدأت بزيادة جهودها لنشر الوعي باللغة العربية  – إلا بعد أن توجه مركز عدالة إلى وزارة الصحة بخصوص هذه المسألة-، ولكن هذه الجهود ينقصها الكثير بالمقارنة مع الجهود التي تبذل لصالح الإسرائيليين. بل إن أبسط المعلومات المتعلقة بمراكز الفحص المتوفرة في المدينة لا يعرفها الفلسطينيون، علمًا بأن مجموعها الإجمالي 8 مراكز حتى الآن، هذا ناهيك عن عدم الاكتراث بإلزام الحجر الصحي للمخالطين وإنفاذ سياسات التباعد  الاجتماعي.[7]

على أية حال، دفعت خشية سلطات الاحتلال من تفشي الوباء في مدينة القدس الشرقية، الذي قد يعني بالضرورة انتقاله إلى المستوطنات الإسرائيلية التي حولت المدينة المقدسة إلى معازل، بالإضافة إلى ضغوط خبراء ومؤسسات حقوق إنسان والمستشفيات الفلسطينية في المدينة، إلى تقديم بعض المساعدات مثل مسوحات الفحص ومعدات الحماية وكمامات، ولكن عنصرية دولة الاحتلال تمنعها من تحمّل مسؤولياتها عن المدينة. ويثبت مسار تعامل سلطات الاحتلال مع الوباء عندما يمس حياة الفلسطينيين مدى استهتارها بحقوق الإنسان والالتزامات القانونية والأخلاقية لحماية الفلسطينيين من خطر يهدد الإنسانية أجمع.

الالتزامات التي نصت عليها كثير من المواثيق الدولية، ولعل أبرزها فما يتعلق بالالتزامات الصحية على دولة الاحتلال ما تنص عليه المادة (56) من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تلزم سلطات الاحتلال: "أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحلية، على صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، وذلك بوجه خاص عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة. ويسمح لجميع أفراد الخدمات الطبية بكل فئاتهم بأداء مهامهم. إذا أنشئت مستشفيات جديدة في الأراضي المحتلة حيث لم تعد الأجهزة المختصة للدولة المحتلة تؤدي وظيفتها، وجب على سلطات الاحتلال أن تعترف بهذه المستشفيات عند الاقتضاء على النحو الوارد في المادة 18. وفي الظروف المشابهة، تعترف سلطات الاحتلال كذلك بموظفي المستشفيات ومركبات النقل بموجب أحكام المادتين 20 و21. لدى اعتماد وتطبيق تدابير الصحة والشروط الصحية، تراعي دولة الاحتلال الاعتبارات المعنوية والأدبية لسكان الأراضي المحتلة."

 

[1] لا يوجد عدد دقيق لأعداد الفلسطينيين في الأحياء المقدسية خلف جدار الفصل والضم العنصري، لا سيّما أنها أحياء يقيم بها من يحملون الإقامة المقدسية والهوية الفلسطينية، وتقدر أوتشا عدد الفلسطينيين الإجمالي في هذه الأحياء عام 2016 بحوالي 160 ألفًا، وتشير التقديرات أن بينهم حوالي 120 ألف مقدسي.

[3] عدالة بالتنسيق مع الائتلاف الأهلي يلتمسان للمحكمة العليا لإتاحة فحوصات كورونا والخدمات الطبية لسكان كفر عقب ومخيم شعفاط. https://www.adalah.org/ar/content/view/9974

[6] توثيق مؤسسة الحق.

[7] East Jerusalem scrambles to prevent COVID-19 outbreak before Ramadan. Link: https://www.972mag.com/east-jerusalem-coronavirus-ramadan/