في الثلاثين من آذار/مارس 1976، ارتقى ستة فلسطينيين من الداخل بعد إصابتهم برصاص الشرطة الإسرائيلية أثناء احتجاجهم على مصادرة الحكومة الإسرائيلة لآلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الجليل. على الرغم من محاولة السلطات الإسرائيلية تهجير الفلسطينيين في الداخل وتجريدهم من ممتلكاتهم والسيطرة عليهم في الدولة الاستعمارية الاستيطانية المنشأة حديثًا في ظل حكم عسكري وحشي استمر 18 عامًا والمحاولات التي لحقتها لتهويد الجليل ومواجهة "العرب المتطرفين"،[1] شكلت مظاهرات عام 1976 عملًا جماعيًا شعبيًّا بين الفلسطينيين في الداخل، مجسدّين بذلك صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته اللذان لا يكّلان ضد النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، ومؤّكدين على عدم انفصال الشعب الفلسطيني برمته على الرغم من المحاولات الإسرائيلية الممنهجة لشرمذته كجزء من نظامها للفصل العنصري (الأبارتهايد).
منذ ذلك الحين، يُعرف تاريخ 30 آذار/مارس 1976 بذكرى يوم الأرض، وهو تاريخ مركزي في الذاكرة الجماعية الفلسطينية. إن ذكرى مصادرة الأراضي عام 1976 في الداخل ووحشية الرد الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية تعكس الواقع الفلسطيني قبل ذلك التاريخ وبعده. منذ إطلاق المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني قبل قرن من الزمان، يصمد الشعب الفلسطيني ويقاوم ضد مشروع شرس يهدف إلى السيطرة على كامل أرض فلسطين الانتدابية بأقل عدد ممكن من السكان الأصليين الفلسطينيين.
الاستيلاء الإسرائيلي التاريخي والمستمر على الأراضي الفلسطينية
قبل عام 1976، اتخذت السيطرة على الأراضي الفلسطينية مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين شكل التهجير القسري الجماعي لما يقارب 85 في المائة من السكان الفلسطينيين الأصليين وتجريدهم من ممتلكاتهم في بداية نكبة عام 1948.[2] وبعد ذلك العام، وضعت السلطات الاسرائيلية حوالي 160.000 فلسطيني متبقين في الداخل تحت هيكل من الاستثناء لمدة 18 عامًا في نظام حكمها اليومي، ووضعتهم خارج القانون من خلال تمييز وجودهم على أساس عنصري كتهديد على الدولة الوليدة.[3] كان الحكم العسكري أداة للسيطرة على الفلسطينيين واحتوائهم وفوق ذلك لتهجيرهم وتجريدهم من أراضيهم. على سبيل المثال، يخوّل قانون أملاك الغائبين لعام 1950، اسرائيل مصادرة وانتزاع أراضي وممتلكات اللاجئين الفلسطينيين الذين حرمتهم إسرائيل من حق العودة، بالإضافة لأولئك الذين بقوا في الداخل كأشخاص نازحين.
بعد ارتكاب اسرائيل موجة أخرى من التهجير وتجريد الفلسطينيين من أراضيهم وممتلكانهم في عام 1967، والسيطرة على الشعب الفلسطيني ككل وعلى كامل أرض فلسطين التاريخية، نقلت إسرائيل حكمها العسكري وسياسات مصادرة الأراضي إلى الأرض المحتلة وخلقت بيئة قسرية تمييزية من شأنها أن تؤدي إلى تهجير الفلسطينين بشكل مستمر، وضخّ المزيد من المستوطنين في الأرض الفلسطينية، مع تركيز الوجود الفلسطيني في سجن مفتوح في قطاع غزة وفي معازل في الضفة الغربية.
إحياءً لذكرى يوم الأرض وسط فيروس كورونا هذا العام، يواصل الشعب الفلسطيني مواجهة النكبة المستمرة، المتمثلة في حرمانهم من العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم والتهجير المستمر على جانبي الخط الأخضر. إن تشريد الفلسطينيين خلال الوباء لا يقف في وجه جشع إسرائيل في توسيع مشروعها الاستعماري الاستيطاني. بينما تستمر إسرائيل في عدم الوفاء بالتزامها بموجب القانون الدولي بتوفير اللقاحات للفلسطينيين في الأرض المحتلة، باستثناء القدس، كجزء من نظامها المؤسس القائم على الاضطهاد العنصري الممنهج والقمع، فإنها تواصل تعريضهم لخطر التهجير المستمر.
في عام واحد منذ انتشار فيروس كورونا في 5 آذار / مارس 2020 في فلسطين، وثقت مؤسسة الحق هدم 362 منشأة فلسطينية على يد قوات الاحتلال الاسرائيلي ، بما في ذلك 267 منزلًا، ما أدى إلى تهجير 1112 فلسطينيًا، بينهم 541 طفلًا و 132 لاجئًا. منذ تشرين الثاني / نوفمبر 2020 ، تعرضت حمصة الفوقا، وهو تجمع فلسطيني في غور الأردن، لمداهمة وهدم ست مرات من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تاركة 11 عائلة فلسطينية مهجّرة قسرا وسط الجائحة العالمية.
في القدس ، تواجه 15 عائلة مقدسية يبلغ مجموعها حوالي 195 فلسطينيًا وفلسطينية في الشيخ جراح وحي بطن الهوى في سلوان، خطر الإخلاء القسري الوشيك، في أعقاب حكم المحاكم الإسرائيلية لصالح دعاوى قضائية رفعتها منظمات المستوطنين. يواجه جميع سكان تلك المناطق المقدسية البالغ عددهم حوالي 900 فلسطيني، معظمهم لاجئين، المصير الوشيك للتهجير الثاني بسبب القوانين الإسرائيلية التمييزية التي تسمح لليهود الإسرائيليين بشكل حصري في المطالبة بملكية الأراضي التي يزعمون أنهم يمتلكونها في القدس قبل قيام دولة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية.[4]
منى الكرد، من سكان حي الشيخ جراح وأحد القائمين على حملة "أنقذوا حي الشيخ جراح"
قمع تاريخي ومستمر للمقاومة الفلسطينية
بقدر ما تصرّ إسرائيل على تحقيق محاولتها إفراغ فلسطين من سكانها الأصليين والسيطرة على أراضيهم، فإن الشعب الفلسطيني أكثر تصميماً على مقاومة هذا المسعى الاستيطاني الاستعماري. تؤكد مظاهرات عام 1976 على الصمود الفلسطيني المستمر والقمع الإسرائيلي المتواصل لأي جهد فلسطيني لمواجهة حكمها الاستعماري.
من خلال تغطية سياساتها وممارساتها تحت غطاء تهديد مزعوم لأمنها، تحاول إسرائيل قمع إرادة الشعب الفلسطيني في مقاومة حكمها الاستعماري، من أجل الحفاظ على مشروعها الاستعماري الاستيطاني وتوسيعه، باستخدام الاعتقال التعسفي والإداري، والمحاكم العسكرية، والتعذيب، والاستخدام المفرط للقوة، وفرض القيود على حرية الحركة، وتقليص مساحة حرية التعبير للمدافعين عن حقوق الإنسان، والعقاب الجماعي بما يشمل هدم المنازل، وتجريد المقدسيين من هوياتهم، وسياسة احتجاز جثامين الفلسطينيين، وحظر التجول والإغلاق والحصار.
مسيرة العودة الكبرى
في قطاع غزة، تعاقب إسرائيل بشكل جماعي جميع السكان تحت ذرية الأمن، وتحجز 2 مليون فلسطيني في مساحة تبلغ 365 كيلومترًا مربعًا منذ عام 2007. وتواصل اسرائيل حصر سكان غزة في سجن مفتوح، وتصوّرهم على أنهم الإرهابيون وتقمعهم اقتصاديًا وتقتل السكان المدنيين دون مبرر وتدمر مساكنهم في هجمات عسكرية متتالية، ما جعل غزة غير صالحة للحياة البشرية، كما حذرت الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا.
في عام 2018، اختار الفلسطينيون في قطاع غزة المحتل يوم الأرض لإطلاق مسيرة العودة الكبرى. بما أن 75 في المائة من السكان الفلسطينيين في قطاع غزة هم لاجئين،[5] فقد تظاهر مئات الآلاف من الفلسطينيين بشكل أسبوعي على مدار عام ونصبوا خياماً تحمل أسماء الأماكن التي هُجّروا منها على طول السياج الذي يفصل قطاع غزة عن دولة الاحتلال، مطالبين بإعمال حقهم في العودة إلى بيوتهم وأراضيهم وإنهاء الحصار الإسرائيلي غير القانوني لقطاع غزة.
مسيرة العودة الكبرى)وكالة الأنباء الفرنسية، محمود حمص)
اعتدت قوات الاحتلال على المسيرة بشكل وحشي، مستخدمةً القوة المميتة بشكل منظم ومتعمد وقتلت 204 متظاهراً فلسطينياً، بينهم 43 طفلًا، وتسعة أشخاص من ذوي الإعاقة، وثلاثة مسعفين، وصحفيين، بالإضافة إلى جرح أكثر من 9000 فلسطيني.[6]
استشهاد عاطف يوسف حنايشة أثناء احتجاجه على توسع استيطاني في قريته بيت دجن في 19 آذار / مارس 2021
في 19 آذار / مارس 2021، قبل عشرة أيام فقط من إحياء ذكرى يوم الأرض، ارتقى عاطف يوسف حنايشة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء احتجاجه على توسع استيطاني في قريته، بيت دجن، في محافظة نابلس. عاطف (47 عاما) مؤذّن، وأب لثلاثة أطفال، أصيب برصاصة حية في رأسه من مسافة 10-15 مترا خلال المظاهرة، كما وثقّت مؤسسة الحق.
يأتي استشهاد عاطف في سياق المظاهرات التي تنطلق يوم الجمعة من كل أسبوع في بيت دجن منذ كانون الأول/ديسمبر 2020، احتجاجًا على المزيد من التوسع الاستيطاني في القرية، بعد إقامة مجموعة من المستوطنين بؤرة استيطانية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 على أراضي القرية. ويواجه المتظاهرون كل أسبوع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تقوم بقمع احتجاجاتهم بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط والأعيرة النارية الحية. بعد مصادرة 200 دونم في السبعينات من قرية بيت دجن من قبل إسرائيل لإقامة مستوطنتي حمرا وميخورا غير الشرعيتين،[7] فإن المحاولات الأخيرة من قبل المستوطنين لمصادرة المزيد من الأراضي من القرية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2020، تهدد سكان القرية بالمزيد من الاستعمار لأراضيهم.
عاطف يوسف حنايشة قبل لحظات من استشهاده برصاصة برأسه، بينما كان يتظاهر ضد التوسع الاستيطاني في بيت دجن، 19 مارس 2021
في حين أن الثلاثين من آذار / مارس هو يوم لإحياء ذكرى استشهاد الفلسطينيين في عام 1976 على يد الوحشية الإسرائيلية لأنهم احتجوا على مصادرة أراضيهم، فهو أيضًا يوم لتسليط الضوء على الاستيلاء الإسرائيلي التاريخي والمستمر على الأراضي الفلسطينية كأداة لتنفيذ المشروع الاستعماري الاستيطاني. كما يذكّر يوم الأرض العالم بأن إنكار وقمع إسرائيل للمقاومة الفلسطينية وحقهم في تقرير المصير هو سياسة تهدف إلى سحق إرادة الشعب الفلسطيني والسيطرة عليه لتوسيع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.
في الواقع الفلسطيني، كل يوم هو يوم الأرض. في 30 آذار / مارس نكرر ما عبر عنه الشاعر الفلسطيني توفيق زياد، وأحد الأصوات البارزة في مظاهرات 1976:
في اللد , والرملة , والجليل
هنا .. على صدوركم، باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج، كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا .. على صدوركم، باقون كالجدار
[1] Yara Hawari, ‘Remembering Palestinian Land Day under lockdown’ (The New Arab, 30 March 2020)
[2] Salman Abu-Sitta, ‘The Right of Return: Sacred, Legal and Possible’ in Naseer Aruri (ed) Palestinian Refugees: The Right of Return (Pluto Press 2001) 195.
[3] Noura Erakat, Justice for Some (Stanford University Press 2019) 54.
[4] Al-Haq, ‘14 Palestinian and Regional Organisations Send Joint Urgent Appeal to UN Special Procedures on Forced Evictions in East Jerusalem’ (16 March 2021)
[5] UNRWA, ‘Where we Work’ (31 December 2019)
[6] Al-Haq, ‘Q&A: The Great Return March: One Year On’ (25 May 2019)
[7] معهد األبحاث التطبيقية - القدس، " دليل قرية بيت دجن" (2014) 15.