على الرغم من النداءات والبيانات والمطالبات المتكررة التي رفعت لرئاسة الوزراء ووزارة العدل والداخلية والنيابة العامة الفلسطينية، لوقف غصب واعتداء هيئة القضاء العسكري والنيابة العسكرية الفلسطينية، على اختصاص وصلاحيات القضاء النظامي والنيابة المدنية، وأحكام القانون الأساسي الفلسطيني، وعلى الحقوق والحريات الأساسية المقررة والمكفولة للإنسان بمقتضى الدستور والقانون حال الاحتجاز والاعتقال، لم تزل هيئة القضاء العسكري الفلسطيني والنيابة العسكرية ماضية في انتهاكها واعتدائها. بل وتعدت ذلك لتصل إلى أعلى درجات الاستخفاف والاستهانة بأعلى مرجعية قضائية نظامية فلسطينية وبأحكام القانون الأساسي، جراء إصرار القضاء والنيابة العسكرية على محاكمة المواطن المدني الفلسطيني مؤيد يوسف عطية عساف، المحتجز لدى جهاز الاستخبارات العسكرية، وتقديمه للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية في محافظة سلفيت يوم السبت الموافق 30/8/2008، وذلك رغم صدور قرار قضائي من المحكمة العليا الفلسطينية بتاريخ 28/8/2008، يقضي بعدم اختصاص وصلاحية النيابة العسكرية والقضاء العسكري في مد ولايتهم القضائية لتشمل المدنيين.
إن ما بات يقلق بل ويدق ناقوس الخطر على صعيد وضع الحقوق والحريات في مناطق السلطة الفلسطينية، اتساع ظاهرة إصدار هيئة القضاء العسكري لمذكرات الاعتقال والتوقيف بحق المدنيين الفلسطينيين، بحيث أضحى أغلب الفلسطينيين المحتجزين لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية موقوفين بمذكرات صادرة عن هذه الهيئة، وذلك لتجاوز هذه الأجهزة لرقابة القضاء الفلسطيني على أعمالها. كما وجدت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في هيئة القضاء العسكري كل تجاوب ومساندة لطلباتها، سواء بالاعتقال أو بتمديد الاعتقال وذلك دون الحاجة لعناء إثبات هذه الأجهزة لأسباب ومبررات الاعتقال أو لدواعي ومقتضيات تمديد مهل الاعتقال أو تحديد صفة المحتجز.
إن إخضاع المدنيين الفلسطينيين لولاية القضاء والنيابة العسكرية الفلسطينية، يمثل انتهاكاً صارخاً وصريحاً لأحكام القانون الأساسي التي أكدت بمقتضى المادة (101) فقرة 2 على (تنشأ المحاكم العسكرية بقوانين خاصة، وليس لهذه المحاكم أي اختصاص أو ولاية خارج نطاق الشأن العسكري). وهذا ما يقتضي بلا شك تجنب مد القضاء والنيابة العسكرية الفلسطينية لولايتهما على المدنيين، احتراماً لمبدأ المشروعية واستقلال القضاء وسيادة القانون. ولهذا فإن مد ولاية القضاء والنيابة العسكرية الفلسطينية لتشمل المدنيين الفلسطينيين رغم حظر القانون الأساسي الصريح لذلك، يمثل انتهاكاً واضحاً وصريحاً لأحكام ومضمون القانون الأساسي ولمبدأ المشروعية وسيادة القانون الذي كفلته ونصت على إلزامية احترامه وتطبيقه المادة (6) من القانون الأساسي بقولها (مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص).
كما يشكل مد ولاية القضاء العسكري على المدنيين اعتداء وانتهاكاً صارخاً لحقوق الفلسطينيين الأساسية وتحديداً حق التجاء الشخص إلى قاضيه الطبيعي، أي القضاء المدني، وهو ما كفلته وأكدت عليه أيضاً أحكام القانون الأساسي الفلسطيني في مضمون المادة (30) (1- التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل فلسطيني حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وينظم القانون إجراءات التقاضي بما يضمن سرعة الفصل في القضايا...).
بل ويمثل مد رئيس هيئة القضاء العسكري لولاية القضاء العسكري والنيابة المدنية لتشمل المدنيين، انتهاكاً سافراً لمبدأ استقلال القضاء الذي كفلته وأكدت عليه أيضاً المادة (97) من القانون الأساسي بقولها (السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويحدد القانون طريقة تشكيلها واختصاصاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون...). ولهذا إن توقيف النيابة العسكرية للمدنيين ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري رغم كون هذه الأفعال من اختصاص وصلاحيات القضاء المدني والنيابة المدنية بمقتضى القانون الأساسي والتشريعات السارية، يمثل انتقاصاً واضحاً من قبل القضاء العسكري لمكانة القضاء الطبيعي الفلسطيني واستقلاله.
إن مؤسسة الحق وإذ تبدي قلقها بل وخشيتها من حجم المخالفات والاعتداءات الجسيمة التي باتت تقترفها هيئة القضاء العسكري والنيابة العسكرية تجاه الحقوق والحريات وسيادة القانون واستقلال القضاء، تستغرب وتستنكر استمرار صمت وتغاضي السلطة التنفيذية الفلسطينية والسلطة القضائية الفلسطينية عن التدخل الجاد والحازم في مواجه هذه الجريمة ومساءلة وملاحقة من أمر بارتكابها ومرتكبيها، ما بات يهدد فعلا بانتقال المجتمع الفلسطيني ومؤسساته المدنية نحو السلطة البوليسية التي سيكون ثمنها غياب الحقوق والحريات العامة وضرب سيادة القانون واستقلال القضاء الفلسطيني.
إن خطورة التحدي والاستخفاف الذي يبديه القضاء والنيابة العسكرية بالقضاء المدني وبأعلى مرجعية قضائية فلسطينية، بل ورفض تعاطي الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع القضاء المدني وإصرارها على الاحتكام للقضاء العسكري والنيابة العسكرية في القضايا المتعلقة بالمدنيين، يقتضي من السلطات الفلسطينية والجهات والهيئات الدولية المعنية بالحقوق والحريات وسيادة القانون واستقلال القضاء، التدخل الفعلي في مواجهة هذه التجاوزات وذلك بالعمل على:
- قيام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بصفته القائد الأعلى للقوات الفلسطينية بمساءلة رئيس هيئة القضاء العسكري والنائب العام العسكري على استخفافهما بسيادة القانون ومساسهما بأحكام القانون الأساسي وهيبة واستقلال وسيادة القضاء الفلسطيني والاحتجاز التعسفي وغير المشروع للمدنيين الفلسطينيين.
كما تطالب الحق الرئيس الفلسطيني بإلغاء مرسومه الخاص بالقضاء العسكري صراحة، لما أثاره هذا المرسوم من خلط في الاختصاص والصلاحيات بين القضاء النظامي والقضاء والنيابة العسكرية، خصوصاً وأن صدوره قد جاء في حال الطوارئ ولم يصدر أي قرار رسمي وصريح بالغائه، ما أدى إلى استمرار تطبيق وتنفيذ الأجهزة الأمنية لمضمونه على الرغم من انتهاء حالة الطوارئ.
- حرّك رئيس السلطة القضائية الفلسطينية والنائب العام الفلسطيني الجاد والفاعل في مواجهة غصب القضاء العسكري والنيابة العسكرية لاختصاص وصلاحيات القضاء النظامي.
- رفع المتضررين لقضايا تعويض على السلطة الوطنية الفلسطينية لكون جميع القرارات الصادرة عن النيابة العسكرية ورئيس هيئة القضاء العسكري باحتجاز وتوقيف الأشخاص المدنيين أمام الأجهزة الأمنية تعتبر، استناداً لحكم المحكمة العليا الفلسطينية، قرارات باطلة وغير مشروعة ما يجيز لكل من تضرّر منها مقاضاة السلطة الوطنية للحصول على تعويض عادل ومنصف عن الأضرار التي لحقت به جراء ذلك.
- رفع المتضررين لشكاوى جنائية ضد كل أعضاء هيئة القضاء العسكري والنيابة العسكرية الذين أصدروا مذكرات باحتجاز المدنيين أو محاكمتهم أمام القضاء العسكري، لانتهاك مثل هذا العمل لحقوق الأفراد وحرياتهم، باعتباره احتجازاً تعسفيا وغير مشروع، لكون هذه الجهات لا تمتلك بمقتضى القانون حق وصلاحية إصدار مذكرات اعتقال المدنيين أو تمديد مهل وفترات اعتقالهم.
علما بأن جريمة الاحتجاز التعسفي تعتبر من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم استناداً لأحكام المادة (32) من القانون الأساسي. كما يحق للمتضرر ملاحقة الآمرين بارتكاب هذه الجرائم ومرتكبيها أمام قضاء الدول الأجنبية التي فتحت ولايتها الجنائية في الجرائم الماسة بحقوق الإنسان وحرياته.
- تحرك نقابة المحامين الفلسطينيين للدفاع عن سيادة القانون واستقلال القضاء، واتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات قضائية لوقف جريمة المس باستقلال القضاء وسيادة القانون.
-
تحرّك الجهات الدولية المعنية باستقلال القضاء للضغط والتأثير على السلطة التنفيذية الفلسطينية لحملها على احترام استقلال القضاء.
-
فتح لجنة العمل الخاصة بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة، لملف الاحتجاز التعسفي في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية والتحرك الجاد لمواجهة هذه الظاهرة الخطرة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
- انتهى -