أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 08/01/2009 بياناً بخصوص الأحداث الجارية في إطار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحتل، من جملة ما جاء فيه أنه "تمكنت أربع سيارات إسعاف تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني واللجنة الدولية للصليب الأحمر في 07/01/2009 من الوصول للمرة الأولى إلى عدد من المنازل الواقعة في حي الزيتون في مدينة غزة. وكانت اللجنة الدولية قد طلبت تأمين ممر آمن لتمكين سيارات الإسعاف من الوصول إلى هذا الحي منذ 03/01/2009، لكنها لم تحصل على إذن من قوات الاحتلال إلا في 07/01/2009.
وجاء في البيان أيضاً "أن الفريق المشترك للجنة الدولية والهلال الأحمر الفلسطيني وجد في أحد المنازل أربعة أطفال جالسين بالقرب من جثث أمهاتهم. وقد بلغوا من الوهن درجة لم يعودوا قادرين على الوقوف. وتم العثور أيضاً على رجل على قيد الحياة. لكنه في حالة ضعف حالت دون تمكنه من الوقوف. وكان هناك في المجموع 12 جثة ممددة على الفرش. وعثر أيضاً فريق الاغاثة المشترك في منزل آخر على 15 شخصاً اخرين نجوا من الهجوم من بينهم عدة جرحى. وفي منزل اخر، وجدوا ثلاث جثث إضافية. وأمر جنود إسرائيليون كانوا موجودين في موقع عسكري على بعد 80 متر من ذلك المنزل فريق الاغاثة بمغادرة المنطقة فرفض الفريق. وكانت تحيط بالمكان عدة مواقع عسكرية تابعة للجيش الاسرائيلي بالاضافة إلى دبابتين".
يذكر أن السيد "بيتر فيتاش" رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة قد وصف ذلك بالقول: "إنه حادث مروع. من المؤكد أن القوات العسكرية الاسرائيلية كانت تعلم بهذا الوضع إلا انها لم تقدم المساعدة إلى الجرحى. ولم تسمح لنا ولا للهلال الأحمر بمساعدة الجرحى."
من الواضح أن الطريقة التي تدير بها قوات الاحتلال الاسرائيلي العمليات العدوانية ضد قطاع غزة المحتل تتوخى إلحاق أكبر قدر من الضحايا بين المدنيين، وأوسع قدر ممكن من الأضرار بالمنشئات وبالممتلكات المدنية. وتدلل على ذلك الأعداد الهائلة من الضحايا التي خلفتها الغارات الحربية الجوية والأرضية والبحرية لقوات الاحتلال بين المدنيين وخوصاً الأطفال والنساء. ففي فجر يوم الثلاثاء 06/01/2009 أقدمت طائرة حربية إسرائيلية على قصف منزل عائلة التايه والواقع في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة والمكون من أربع طوابق مما تسبب بمقتل 30 شخصاً من أفرادها، غالبيتهم من النساء والأطفال، دفنوا جميعهم تحت الأنقاض. وتتكون هذه العائلة من السيد فايز وزوجته ختام البالغة من العمر ستين عاماً وابنائه وزوجاتهم وبناته وأحفاده البالغ عددهم 18 طفلاً. وكان رب العائلة السيد فايز مصباح التايه البالغ من العمر 65 عاماً قد جمع زوجته وأبنائه وأحفاده في المنزل، وذلك خشية تعرضهم للقصف الذي كان جارياً من الجو والبر. عائلة التايه هي ضمن عدد من العائلات والأسر التي أبيدت جراء القصف الاسرائيلي العشوائي والمدمر كعائلة بعلوشة في مخيم جباليا، وعائلة بكر في شرق غزة وعائلة أبو عيشة في مخيم الشاطئ، وعائلة السموني في حي الزيتون الواقع في مدينة غزة، وغيرها العديد من العائلات.
إن أعداد القتلى بين الأطفال تدلل على مستوى الوحشية التي تميز هذا العدوان الاسرائيلي، ومقدار التمادي في القصف العشوائي والمدمر دون تمييز إمعاناً في التسبب بالقتل والتدمير. فالمعطيات التي حصلت عليها مؤسسة الحق من باحثيها الميدانيين المتواجدين في قطاع غزة، وبالتعاون مع مركز الميزان لحقوق الانسان ومقره في غزة، تدلل على صحة ذلك.
لم تقف قوات الاحتلال عند قصف منازل المدنيين، بل تعمدت استهداف المدارس التي تأوي المدنيين الفارين من منازلهم جراء قصف قوات الاحتلال العشوائي والمدمر لها. ومن جملة المدارس التي استهدفت بالقصف، مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أنوروا" والكائنة في مخيم جباليا بأربعة قذائف. ووفقاً للمعلومات التي جمعها الباحث الميداني لمؤسسة "الحق"، فقد وقعت ثلاثة قذائف خارج السور المحيط بالمدرسة من الجهة الجنوبية، في حين أصابت القذيفة الرابعة منزل معين وسمير ذيب المحاذي للمدرسة الأمر الذي أدى لمقتل 12 فرداً من العائلة بينهم 5 أطفال و5 نساء. إضافة لذلك، تسبب هذا القصف العشوائي بمقتل 30 مدنياً ممن كانوا يحتمون داخل المدرسة من ضمنهم 13 طفل و6 نساء فضلاً عن جرح 50 مدنياً بينهم 15 طفلاً و10 نساء. المدرسة كانت تأوي مئات المدنيين الذين نزحوا عن مناطق بيت لاهيا وجباليا شمال شرقي مدينة غزة جراء تواصل القصف الإسرائيلي المدمر والعشوائي. يذكر أن مدرسة الفاخورة كانت ضمن ثلاث مدارس تابعة لوكالة "أونوروا" استهدفها القصف بعد أن لجأ إليها المدنيين الفلسطينيين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم والنزوح أو الذين دمرت منازلهم جراء تعرضها للقصف من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي.
إن هذه الأفعال تثبت بما لا يدع مجالاً للشك استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي للمدنيين وقتلهم، فضلاً عن استهدافها للأعيان المدنية، بما فيها المدراس وتدميرها. فبحسب ما أعلنه الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ومسؤولين في "أونوروا" فإنه بالرغم من إعلام وكالة "أونوروا" المسبق لقوات الاحتلال بأماكن المدارس والمقار التابعة لها، وإعطائها الاحداثيات، ورفع أعلام الأمم المتحدة عليها، إلا أنه تم على الأقل استهداف ثلاثة من المدارس التابعة للوكالة، وبضمنها مدرسة الفاخورة. وفي إطار رد فعل المنظمة الدولية، وصف الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون استهداف ثلاثة مدراس تابعة للوكالة بأنه "غير مقبول على الإطلاق" خاصة وأنه تم إبلاغ السلطات الإسرائيلية مسبقاً بمواقع هذه المدراس التي تستخدم ملاجئ للفلسطينيين الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب الهجوم الاسرائيلي وأن هذه المواقع "معروفة لدى الجيش الإسرائيلي. وفي إطار التعليق على هذه الحاثة، قال السيد كريستوفر غانيس المتحدث باسم "أونوروا" في بيان صحفي "أن أونوروا تحتج بشدة لدى السلطات الاسرائيلية على عمليات القتل وتدعو إلى فتح تحقيق فوري وحيادي وبخاصة انه تم إبلاغ السلطات الاسرائيلية مسبقاً بمواقع هذه المدارس التي ترفع علم الأمم المتحدة التي تستخدم ملاجئ للفلسطينيين الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب العدوان الاسرائيلي وهي معروفة للجيش الاسرائيلي إلا أن ذلك لم يمنع حدوث المأساة".
مؤسسة الحق وإذ تدين بشدة إمعان قوات الاحتلال في استهداف المدنيين والمنشأت المدنية في قطاع غزة بالقصف العشوائي والتسبب بابادة عشرات الأسر والعائلات ومقتل مئات الأطفال، وإذ تستنكر وتدين استمرار الصمت الدولي إزاء جرائم حرب والجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ومواصلة المجتمع الدولي التقاعس عن الوفاء بمسؤولياته المتمثلة في تأمين الحماية للسكان المدنيين في سائر الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال وقف العدوان على قطاع غزة بما يساهم في إعادة السلم والأمن الدوليين في المنطقة إلى نصابهما، وإذ تهيب بالدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بتعهداتها المنصوص عليها بموجب المادة الأولى من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن احترام الاتفاقية في جميع الأحوال فأنها تطالب:
- الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بتعهداتها الناشئة عن المادة 146 من الاتفاقية والمتمثلة باتخاذ الاجراءات التشريعية اللازمة لفرض عقوبات جزائية فعالة على القادة والمسؤولين الاسرائيليين-المدنيين والعسكريين- عبر ملاحقة المتهمين منهم باقتراف أي من المخالفات الجسيمة المنصوص عليها في المادة 147 من الاتفاقية أو الامرين باقترافها والمتمثلة بأعمال القتل العمد، وتعمد إحداث الام شديدة او الإضرار الخطير بالسلامة البدنية او الصحة، والنفي أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع، وأخذ الرهائن، تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورة حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية.
- الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، وفي ضوء مواصلة تواطؤ وانحياز بعض الدول الممثلة في مجلس الأمن وموصلة المجلس التقاعس عن القيام بمسؤولياته، العمل بالقرار 377 "الاتحاد من أجل السلام" لسنة 1950 والدعوة الفورية لانعقاد دورة طارئة وعلى وجه السرعة في سبيل وقف أعمال القتل والتدمير في قطاع غزة وتوفير الحماية للفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإعادة الأمن والسلم إلى نصابهما.
- مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان في سائر أنحاء العالم ممارسة الضغط الفاعل على حكوماتها لإجبارها على الوفاء بالتزاماتها وفقاً للقانون الدولي وممارسة الضغط الفاعل على إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لوقف عدوانها ضد قطاع غزة وتأمين الحماية للمدنيين ولسائر الفئات المحمية وفقاً للقانون الدولي الانساني، وملاحقة ومساءلة المسؤولين الإسرائيليين -المدنيين والعسكريين- المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
- انتهى -