- عن الحق
- أخبار الحق
- المناصرة
- التوثيق
- الاستقصاء المعماري
- مركز الحق
- الاصدارات
- المكتبة
- المدونة
- اتصل بنا
- عن الحق
- أخبار الحق
- المناصرة
- التوثيق
- الاستقصاء المعماري
- مركز الحق
- الاصدارات
- المكتبة
- المدونة
- اتصل بنا
انتهت مؤسسة الحق من جمع وتدوين ودراسة مختلف الوقائع والمعلومات والشهادات التي قام فريق بحث المؤسسة القانوني والميداني بالوصول إليها حول ظروف وملابسات وفاة المواطن فادي حسني حمادنة البالغ من العمر 27 عاماً من سكان بلدة عصيرة الشمالية قضاء نابلس، وذلك في مركز الاعتقال التابع لجهاز المخابرات العامة الكائن في مركز الجنيد للأمن الوطني بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
وبهذا الصدد تشير المؤسسة إلى قيامها بجمع العديد من الإفادات والشهادات من أشخاص سبق واحتجزوا لدى المخابرات العامة في هذا الموقع تحديداً، فضلاً عن إفادات وشهادات العديد من الأشخاص الذين تزامن احتجازهم مع المواطن حمادنة في نفس موقع الاحتجاز، إلى جانب مجموعة من الإفادات التي تم الحصول عليها من الأشخاص الذين لهم علاقة بالمتوفى من ذويه والمحيطين به وغيرهم من شهود العيان على عملية الاعتقال ولحظة اكتشاف الوفاة.
كما قام طاقم مؤسسة الحق القانوني بإجراء العديد من التحقيقات والتحليلات المبنية على الوقائع الميدانية والدراسة التحليلية لكل المعلومات المتحصل عليها بهدف الوصول إلى تصوّر أقرب ما يكون إلى الواقع والحقيقة، وليس هذا فحسب، بل لجأنا في سبيل بناء تحليل استدلالي علمي ومنطقي ومهني مجرّد ومحايد وعلى قدر عالي من النزاهة والشفافية، إلى الاسترشاد بآراء ذوي الخبرة من الخبراء المشهود لهم في الطب الجنائي الشرعي المحليين والأجانب فضلاً عن خبراء علم النفس، لنصل في النهاية الى بناء تصورنا وتقديرنا للحادث المؤسف الذي أودى بحياة حمادنة.
ولكي ننشر هذه النتائج بدقة وموضوعية للرأي العام، سنوضح بمتن هذا التقرير مختلف مراحل التحقيق التي قمنا بها، سواء على صعيد التدخل لدى الجهات الرسمية أو على صعيد الوقائع التي قمنا بجمعها والاستنتاجات التي خلصنا إليها بشأن وضع وظروف المواطن حمادنة منذ لحظة اعتقاله ولغاية مفارقته الحياة.
في حين خصصنا الجزء الأخير من هذا التقرير لحصر وتلخيص مجمل المقترحات والتوصيات التي خلصنا إليها بشأن هذه القضية.
أولاً: التحرك الذي قامت به مؤسسة الحق فور العلم بوفاة المواطن حمادنة
- بتاريخ 10/08/2009، وفور علم الباحث الميداني لمؤسسة الحق بوفاة أحد المواطنين الموقوفين بمقر التحقيق التابع لجهاز المخابرات العامة الكائن بمركز الجنيد التابع لقوات الأمن الوطني بمدينة نابلس، توجه للموقع للاستفسار عن حقيقة الوضع وتحديد هوية المتوفى وعنوان أفراد أسرته للاتصال بهم والحصول على المعلومات الشخصية وغيرها من التفاصيل المتعلقة بظروف وملابسات توقيفه.
- تم الاتصال بأسرة المتوفى للاستفسار عن ظروف وملابسات توقيفه، بعد أن قمنا بإبلاغ وتعريف الأسرة بحقوقها القانونية المكفولة وفق القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات السارية، وتحديداً حقها في انتداب طبيب خاص لمعاينة وتشريح الجثة، خصوصاً وأن الأسرة لم تكن مقتنعة برواية الجهات الرسمية التي أبلغت بها حول أسباب وظروف الوفاة.
- استفسرت الأسرة عن دور ومساعدة مؤسسة الحق في هذا الجانب، وهنا تم إبلاغها بأن مؤسسة الحق على استعداد تام للتحرك والتدخل وتقديم العون المهني بما في ذلك إحضار مختص في الطب الشرعي من الجهات التي تتعاون معها المؤسسة في هذا المجال.
- فور توكيل العائلة لمؤسسة الحق توجهنا بكتاب خطي لوزير العدل الفلسطيني وكتاب خطي للنائب العام، طلبنا من خلالهما موافقة هذه الجهات الرسمية على إشراك ممثل طبي عن العائلة في عملية فحص وتشريح الجثة، وتم إبلاغهما عبر الاتصال الهاتفي أننا بصدد إحضار طبيب أجنبي.
- تلقت المؤسسة موافقة فورية من وزارة العدل والنائب العام، وأعربا عن استعدادهما التام للتعاون معنا ومع أي جهة طبية ننتدبها، فضلاً عن الاستعداد للتدخل وتقديم كل العون المهني والإجرائي والإداري لتمكين هذه الجهات من القيام بعملها كما يقتضيه الواجب المهني.
- طالبت الحق النائب العام ووزير العدل بتأجيل التشريح لغاية وصول الطبيب المنتدب من العائلة والذي يستغرق وصوله من يومين إلى ثلاثة أيام، ولكن تم القيام بالتشريح بأمر من النيابة العامة في ذات اليوم (10/8/2009).
- اتصلت مؤسسة الحق مساء يوم 10/08/2009 بعدة جهات طبية دولية مشهود لها في مجال الطب الشرعي الجنائي، وتلقت رداً فورياً من الطبيب الدنمركي الجنسية الدكتور بيتر مايجند ليث، الذي يعمل نائباً لرئيس معهد الطب العدلي الدنمركي، وعضو المجلس الاستشاري للطب العدلي الدنمركي، حيث تحرك من مكان عمله في ذات اليوم متوجها إلى الأرض الفلسطينية.
- فور وصول الطبيب الدنمركي إلى مدينة رام الله، بعد عصر يوم 11/08/2009، عقدت جلسة نقاش مع الطبيب لتوضيح بعض القضايا التي سعى إلى الاستفسار عنها قبل انتقاله إلى مكان الحدث ومعاينته.
- تم توجيه رسالة إلى وزير العدل والنائب العام تعلمهم بوصول الطبيب وجاهزيته للشروع في المهمة التي جاء لأجلها، وكرر الوزير والنائب العام تأكيدهما على الاستعداد للتعاون وتسخير كل الإمكانيات المتاحة ووضعها تحت تصرف الطبيب.
- في حوالي الساعة التاسعة من صباح يوم الأربعاء الموافق 12/08/2009، وصل الطبيب الدنمركي إلى مدينة نابلس برفقة أحد موظفي مؤسسة الحق ومترجم، حيث قام بزيارة مكان التوقيف ووفاة المواطن حمادنة وقام بإجراء معاينة دقيقة للموقع بما في ذلك الحصول على توضيحات حول مكان العثور على الجثة، والشكل الذي وجدت عليه، فضلاً عن الاطلاع على مختلف التفاصيل المتعلقة بحجرة الاعتقال التي توفي فيها المواطن حمادنة، كما تم الإطلاع على محضر الكشف والمعاينة الذي تم تحريره من قبل الجهات الرسمية، وبهذا الصدد تم إجراء قياسات تفصيلية للحجرة والمرفق (دورة المياه) الملحق بها.
- توجه الطبيب بعد ذلك لمكان التشريح حيث قام بإجراء تشريح ثاني لجثة المتوفى بحضور طاقم التشريح الأول، والمكون من مدير عام معهد الطب الشرعي في وزارة العدل الدكتور زياد الأشهب إضافة إلى أطباء آخرين.
- بعد معاينة الطبيب الدنمركي للجثة وإجراء التشريح الطبي أوضح النقاط التالية في اجتماع مع طاقم مؤسسة الحق ولاحقاً في تقرير التشريح:
-
-
- لا توجد آثار للتعذيب على الجثة، مع الإشارة إلى أن ذلك لا يؤكد من حيث المبدأ انتفاء التعذيب، لكون الكثير من وسائل التعذيب أصبحت تتم دون ترك أي آثار خارجية.
- كان الجهاز الهضمي للمواطن فادي خالي تماماً من أي بقايا طعام، ما يعني عدم تناول فادي للطعام مطلقاً منذ أربع إلى خمس أيام وفق تقديرات الطبيب المبنية على أسس علمية في هذا الشأن.
- يتضح من معاينة الجثة وجود غور على محيط العينيين، وجفاف واضح على صعيد الجسم، نتيجة لعدم تناول المواطن للسوائل بكمية كافية قبل وفاته، ما أصاب الجسد بهذه الحالة من الجفاف.
- تم إبلاغ الطبيب من قبل لجنة التشريح الأولى باكتشاف قطعتين من الزجاج بحجم 1 سم تقريباً في المعدة وهي ظاهرة في صورة الأشعة التي تم التقاطها قبل إجراء التشريح الأول، ولم يتم تحديد مصدر ونوع هذا الزجاج أو تقديم تفسير لسبب وجودهما في معدة المتوفي.
- سبب الوفاة وفق تقرير الطبيب ناتج عن الضغط على الشريان السباتي والعصب المرافق له في الجهتين اليمنى واليسرى من الرقبة، ما يعني بأن المواطن قد فارق الحياة نتيجة لرباط ضاغط وضع حول العنق (الشنق).
- أكد الطبيب بأن الشنق قد تم لشخص على قيد الحياة، ما ينفي شبهة الوفاة قبل الشنق.
- تم إبلاغ الطبيب من قبل فريق التشريح الفلسطيني بأن هناك فحوصات مخبرية لعينة من السوائل والأنسجة والأظافر، وبناء عليها سيتم تقديم تفسير نهائي وقاطع لسبب الوفاة.
- حسب تحليل الطبيب للشكل الذي وجدت عليه الجثة ومكان وجودها وطبيعة السحجات التي وجدت عليها، وربط ذلك بالمكان الذي عاينه (الغرفة التي قيل له انه توفي فيها) يرجح الطبيب وقوع الشنق داخل الحجرة التي كان يحتجز بداخلها، ودون تدخل خارجي، أو بعبارة أخرى يميل لنفي وقوع الشنق بفعل فاعل خارجي.
- وقعت الوفاة حسب تقديرات الطبيب ما بين الساعة الرابعة والخامسة من فجر يوم 10/8/2009، وذلك بناءً على ما أفيد به من قبل لجنة الكشف الطبي الفلسطيني حول وضع الجثة ولونها عند وصول طاقم الطب الشرعي إليها في مكان وفاتها.
- بعد انتهاء الطبيب الدنمركي من مهمته ووصوله لاستنتاجاته وكتابته لتقريره النهائي، تم الاتصال بممثلي أسرة حمادنة للاجتماع بالطبيب والاستفسار منه عن كافة القضايا التي يودون الاستفسار عنها وإبلاغهم بنتيجة التشريح، وهذا ما تم فعلا يوم 13/08/2009 حيث عقد اللقاء في مؤسسة الحق برام الله على مدار عدة ساعات عرض فيها الطبيب استنتاجاته ورد على استفسارات ممثلي العائلة، وتم تزويدهم بنسخة عن التقرير باللغة الانجليزية.
- أفاد الطبيب الدنمركي بأن مركز الطب الشرعي في جامعة النجاح مجهز بشكل ممتاز وأن التشريح الأول للجثة ينسجم والمعايير الدولية للتشريح، وأنه لاقى كل تعاون من قبل الفريق الفلسطيني، ولم يواجه أية إعاقات في تنفيذ مهمته.
-
ثانياً: وقائع وظروف اعتقال وتوقيف المواطن فادي حمادنة من قبل جهاز المخابرات العامة الفلسطينية
- ما بين الساعة العاشرة والنصف والحادية عشر من ليل يوم 15/06/2009 وصلت إلى منزل السيد حسني حمادنه (والد فادي) عدة سيارات يستخدمها الأمن الفلسطيني وحافلة صغير أبيض اللون يحمل لوحة تسجيل حكومية (حمراء)، وبحسب ما أفاد به والد وأشقاء المتوفى، ترجل منها حوالي عشرين شخص يرتدون الزى العسكري ويحملون أسلحة رشاشة فردية، ثم توجه أحدهم نحو والد فادي وسأله عن أسمه وحينها سأل الأب أفراد القوة من انتم وماذا تريدون، فأجابه أحدهم بأنهم من جهاز المخابرات العامة، وعند وصول فادي لجانب والده، تقدم من فادي أحد عناصر الأمن وطلب منه بطاقة هويته الشخصية، وفور تعريف فادي بنفسه تقدمت منه مجموعة من العناصر وأمسكوه من كتفه وملابسه العلوية واقتادوه مباشرة نحو الحافلة، وغادرت القوة الموقع دون إبراز أي مذكرة قانونية أو وثيقة تعريفية بطبيعة هذه الجهة وسبب اعتقال فادي.
- لم يسمح لذوي حمادنة بزيارته سوى بعد انقضاء حوالي عشرين يوماً على توقيفه، كما لم يسمح لهم بعد ذلك بزيارته سوى لثلاث مرات متباعدة فقط.
- وفقا للمعطيات التي حصلنا عليها انتهى التحقيق مع حمادنة بتاريخ 20/07/2009 تقريبا،ولهذا تم نقله إلى الحجرة رقم (4) التي كان يتواجد فيها مجموعة من الموقوفين الذين انتهى التحقيق معهم، علما بأن الرواية الرسمية للناطق الإعلامي باسم الأجهزة الأمنية تفيد بانتهاء التحقيق مع فادي يوم 25/06/2009.
- خلال تواجد حمادنة في هذه الحجرة كلف بمهمة توزيع الطعام على المحتجزين لدى المخابرات العامة.
- بتاريخ 04/08/2009 أعيد حمادنة من جديد للتحقيق ومن ثم تم نقله من الغرفة رقم (4) إلى الغرفة رقم (3) حيث مكث فيها منفردا.
- اخضع حمادنة منذ هذا التاريخ (04/08/2009) ولغاية وفاته لحالة من الضغط الجسدي والنفسي، حيث كان يتعرض للشبح بشكل شبه دائم ومتواصل لساعات طويلة، وبحسب شهود العيان شوهد أكثر من مرة مشبوحاً.
- استخدمت طريقتان في شبح الموقوفين لدى المخابرات في سجن الجنيد، تمثلت الطريقة الأولى بإرغام الموقوف على الوقوف لساعات طويلة معصوب العينين ومكبل اليدين خلف ظهره بقطعة قماش، في حين تمثلت الطريقة الثانية بإجبار الموقوف على الركوع (أي حني الظهر والرأس الى الأمام) مع تكبيل اليدين خلف الظهر برباط من القماش عوضاً عن قيود الحديد أو البلاستيك، ثم ربط اليدين بأنبوب معدني مثبت بجدار الغرفة أو الممر، مع شدّ الوثاق بطريقة تؤدي إلى رفع الجسم وإجباره على الانحناء الحاد إلى الأمام وبطريقة لا تسمح مطلقا للجسم بالاسترخاء بحيث يبقي الجسم في حالة انحناء لساعات طويلة.
- يتضح من إفادات الشهود استياء المواطن حمادنة من إعادته للتحقيق، بل وضعته العودة مجددا للتحقيق في حالة من الإحباط وهذا ما يتضح من سماع الشهود لصوت فادي وهو يعبر عن استيائه من إعادته مجدداً للتحقيق حيث كان صوته مرتفعا في إحدى المرات التي كان يتم فيها التحقيق معه قائلاً "...أنا أنهيت التحقيق ولماذا تريدون إرجاعي...."
- تعرض حمادنةللضرب بالفلقة أكثر من مرة، وبحسب ما أفاد به الشهود الذين تعرضوا لذات النوع من التعذيب كان يتم استخدام هذا الأسلوب من خلال إجبار الموقوف على خلع حذائه والاستلقاء على ظهره فوق السرير الموجود في غرفة التحقيق، ثم وضع رجليه فوق حافة السرير العلوية، ومن ثم يبدأ أحد عناصر الأمن بضرب وجلد باطن قدميّ الموقوف بـ "بربيش" (انبوب بلاستيكي) بداخله عصا لمرات متتالية، وبعد ذلك يجبر الموقوف على الجري ما بين خمس الى عشر دقائق داخل الممر لضمان عودة تدفق الدماء الى قدميه ومن ثم زوال أي أثر لعملية الضرب.
- أفاد أحد الموقوفين لدى المخابرات العامة بأنه في إحدى المرات قال له أحد المحققين حرفيا: "سوف أجعلك تسمع صوت فادي وهو يصرخ أثناء ضربه بالفلقة." وبالفعل بعد الانتهاء من ضرب هذا الموقوف تم إخراجه إلى الممر وسمع بعدها عملية ضرب فادي بالفلقة كما سمعه يصرخ متألماً، وبعدها سمع صوت هرولة في الممر.
- بحسب ما أفاد به بعض الشهود كان يتم الشبح عادة لعدة ساعات متواصلة ثم يتم إعادة الموقوف الى غرفته لمدة ساعة تقريباً، أو يتم فكه وإخضاعه للتحقيق لمدة 10 دقائق ثم يعاد مرة أخرى للشبح.
- يتضح من الإفادات التي قمنا بجمعها بأن الشبح كان يتم بمعدل يتراوح بين الثماني والعشرة ساعات في الغالب.
- وفق شهود العيان أخضع حمادنة منذ إعادته للتحقيق مرة أخرى بتاريخ 04/08/2009 ولفجر وفاته لعملية شبح مكثفة وشبه متواصلة حيث شوهد أغلب ساعات النهار خلال تلك الأيام مشبوحاً ومربوط اليدين إلى الخلف بقطعة قماش ومغمض العينين.
-
أفاد شهود العيان بأن اليوم السابق لوفاة فادي (9/8/2009) كان قاسياً من حيث تعرضه للشبح لساعات طويلة وشبه متواصلة، وتم إخضاعه للشبح منذ الساعة العاشرة تقريبا من صباح يوم 9/8/2009 ولغاية الساعة الواحدة من فجر يوم 10/8/2009.
-
تم اكتشاف الوفاة حوالي الساعة الثامنة وعشرة دقائق صباحاًً من قبل أحد أفراد المخابرات العامة الذي كان يقوم بتفقد الموقوفين، وتم تأكيد الوفاة من قبل طبيب المعتقل الذي حضر فور ذلك لمعاينة حمادنة.
ثالثاً: خلاصات واستنتاجات
- يتضح من خلال الإفادات التي جمعت حول ظروف وأوضاع المحتجزين في مقر المخابرات العامة بمركز الجنيد في مدينة نابلس، إخضاع المحتجزين للتعذيب ويتضح من نمط الممارسة بأن "الشبح" و"الفلقة" أساليب تعذيب تعبر عن سياسة ونهج يتبع في هذا المركز عند التحقيق مع المحتجزين لانتزاع أقوالهم.
- يتضح من مجموع الإفادات التي وثقت تعمّد التحقيق مع الموقوفين في ساعات متأخرة من الليل، ما يعني حرمان النزيل من النوم وهو ما يؤثر على استقراره النفسي. علما بأن التحقيق الليلي يعتبر انتهاك وخروج على المعايير والمبادئ الدولية الخاصة بمعاملة المحتجزين.
- لم يلتزم جهاز المخابرات العامة حال الاعتقال والتوقيف، سواء في حالة حمادنة أو غيرها، بالمبادئ التي ألزم قانون الإجراءات الجزائية الفلسطينية رقم (3) لسنة 2001 ضرورة مراعاتها ومنها:
- لا يجوز القبض على أحد أو حبسه إلا بأمر من الجهة المختصة، أي بموجب مذكرة اعتقال. وهو ما يشكل خرقا للمادة 29 من قانون الإجراءات.
- عَرض الموقوف على النيابة المدنية وهو ما لم يتم، إذ لم يعرض أيّ من المواطنين الموقوفين لدى المخابرات مطلقاً على النيابة المدنية والقضاء المدني بعد انقضاء 24 ساعة على توقيفهم، مما يشكل خرقاً فاضحاً وصريحاً لأحكام قانون الإجراءات الجزائية وتحديداً نص المادة (34) والمادة (117) التي ألزمت مأموري الضبط القضائي بما فيهم أفراد المخابرات العامة بواجب الاستماع فوراً لأقوال المقبوض عليه والعمل على إطلاق سراحه إذا لم يكن هناك ما يبرر احتجازه أو إرساله خلال أربع وعشرين ساعة إلى وكيل النيابة المختص، أي النيابة المدنية.
- يتضح بأن المخابرات تقوم بإخضاع المدنيين الفلسطينيين لولاية القضاء والنيابة العسكرية الفلسطينية، من خلال حصولها على مذكرات اعتقال بشأن هؤلاء الأفراد من هيئة القضاء العسكري وليس من النيابة المدنية بوصفها الجهة المختصة، وهذا بطبيعة الحال يمثل انتهاكا صارخاً وصريحاً لأحكام القانون الأساسي التي أكد المادة (101) فقرة 2 منه على: (تنشأ المحاكم العسكرية بقوانين خاصة، وليس لهذه المحاكم أي اختصاص أو ولاية خارج نطاق الشأن العسكري)، ولهذا إن مد ولاية القضاء والنيابة العسكرية الفلسطينية لتشمل المدنيين الفلسطينيين رغم حظر القانون الأساسي الصريح لذلك يعتبر فعلا مجرّم وغير مشروع.
- يشكل مد ولاية القضاء العسكري على المدنيين اعتداءً وانتهاكاً صارخاً لحقوق الفلسطينيين الأساسية وتحديداً حق التجاء الشخص إلى قاضيه الطبيعي أي القضاء المدني، وهو ما كفلته وأكدت عليه أيضا أحكام القانون الأساسي الفلسطيني في مضمون المادة (30) (1- التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل فلسطيني حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وينظم القانون إجراءات التقاضي بما يضمن سرعة الفصل في القضايا...).
- إن احتجاز المواطن المذكور بالنظر لمخالفته للقواعد الإجرائية وغصب واعتداء هيئة القضاء العسكري على اختصاص النيابة والقضاء المدني، يعتبر جريمة لا تسقط بالتقادم استنادا لمضمون المادة 32 من القانون الأساسي (كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم...)، ما يثير حق المتضرر في مساءلة وملاحقة الجهة غير المختصة التي أمرت باعتقال المواطن، والجهة التي نفذت هذا الاعتقال المخالف للأصول الإجرائية، وحق المتضرر في هذا الشأن حق لا يسقط بالتقادم بمعنى يمكن تنفيذه في أي وقت كان أمام المحاكم المحلية.
- رغم انتهاء التحقيق مع فادي لدى المخابرات العامة في الجنيد بتاريخ 20/7/2009، استمر الجهاز باعتقاله ولم يقم بالإفراج عنه حيث تواصل احتجازه ليدخل مجددا لجولة جديدة من التحقيق يوم 4/8/2009، وبالطبع إن مثل هذا الإجراء يؤكد غياب أدنى المعايير والقواعد في إجراءات الاعتقال والتوقيف كما يؤكد على غياب الرقابة من الجهات المختصة على مدى احترام الأجهزة الأمنية لقواعد الاحتجاز والتوقيف.
- لم يثبت لدينا ومن خلال الإفادات التي جمعناها أن جهاز المخابرات في معتقل الجنيد يستعمل وسيلة الحرمان من الطعام كأحد وسائل الضغط أو التحقيق، بل يتم تقديم ثلاث وجبات يومياً للمحتجزين بغض النظر عن كميتها ونوعيتها.
وأخيرا يمكننا في مؤسسة الحق التأكيد على أن وفاة المواطن فادي لدى جهاز المخابرات العامة وإن تمت بطريقة شنق النفس، لا تعني مطلقاً إعفاء هذا الجهاز من المسؤولية القانونية، لكون الشبح المتواصل والتحقيق لفترات طويلة وفي ساعات متأخرة من الليل يعني وضع الموقوف كما يفيد الخبراء النفسيين في ظرف نفسي غير مستقر قد يؤدي الى الهلوسة والإصابة بصدمة نفسية تدفع المحتجز الى التفكير بالانتحار للهروب من معاناته ووضع حد لها، وليس هذا فحسب بل إن المحتجز في مثل هذه الظروف قد يلجأ أمام حجم معاناته وشدة ألمه الى التفكير بالانتحار لإشعار الآخر (المحقق) بالذنب والألم.
توصيات:
بناءً على ما سبق، توصي مؤسسة الحق بما يلي:
- تشكيل لجنة تحقيق خاصة بوفاة المواطن فادي حمادنة للتحقيق في جريمة الشبح والتعذيب التي تعرض لها وتقديم الآمرين بارتكاب هذه الجريمة ومرتكبيها للقضاء.
- صدور مرسوم رئاسي واضح وصريح بإنهاء غصب هيئة القضاء العسكري لصلاحيات ودور القضاء والنيابة المدنية، والتأكيد على حصر الاختصاص باعتقال وتوقيف المدنيين بالنيابة المدنية.
- تشكيل لجنة تحقيق من الكتل البرلمانية ومؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية للبحث في ظروف الاحتجاز والتوقيف لدى الأجهزة الأمنية، ومدى مراعاة هذه الأجهزة لحقوق المحتجزين وضمانات الاحتجاز والتوقيف وحظر التعذيب، وفقاً للمعايير التي تبنتها وأكدت عليها التشريعات الفلسطينية ومواثيق القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتقديم من يثبت ارتكابهم لأي عمل مخالف لضمانات الاحتجاز والتوقيف المنصوص عليها في القانون الأساسي والتشريعات المحلية للقضاء، خصوصاً وأن غياب الإجراءات الجادة في الرقابة والمساءلة للانتهاكات والممارسات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة قد منح مرتكبيها الحصانة بوجه المساءلة والملاحقة، ما شجع على الاستمرار بهذه الجرائم.
- صدور قرار واضح من رئاسة الوزراء بإلزام المكلفين بإنفاذ القانون باحترام وتطبيق الشروط التي حددها قانون الإجراءات الفلسطيني للاعتقال والاحتجاز، والامتناع عن تنفيذ أي أمر قبض سوى في الحالات التي يصدر بها أمر من قبل النيابة العامة المدنية.
- إن غياب قانون فلسطيني خاص بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية والحاطّة بالكرامة، قد شجع البعض على اقتراف هذه الجريمة، خصوصا وأن التشريعات السارية لم تغطي مختلف جوانب ومجالات هذه الجريمة، ما بات يقتضي ضرورة وأهمية الضغط المجتمعي لوضع وإصدار مثل هذا القانون، وعليه ندعو كافة الكتل النيابية بأن تلتقي على فكرة إقرار مثل هذا القانون، وفي حال تعذر الأمر لأسباب حالة الانقسام السياسي ندعو الرئيس الفلسطيني لإصدار قرار بقانون خاص بمناهضة التعذيب وسوء المعاملة.
- انتهى -