لندن- أعربت مؤسسة "الحق" عن اسفها من الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف في انجلترا وويلز، في 25 شباط الماضي، برد الدعوى التي رفعتها ضد الحكومة البريطانية لعدم تحركها ضد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، بحجة أن هذه القضية تتعلق بشأن خارجي لا يقع ضمن اختصاص المحكمة.
ودافعت "الحق" على صحة المبدأ القانوني الذي اعتمدته في رفع القضية، موضحة انه في ظل استمرار إسرائيل بانتهاك القواعد الآمرة للقانون الدولي، فإنه يجب على بريطانيا بموجب العرف الدولي عدم الاعتراف بتصرفات دولة الاحتلال غير المشروعة، والامتناع عن تقديم العون لها، إضافة إلى تعاونها مع الدول الأخرى على وضع حد لهذه الانتهاكات، في حين أن الذي يجري هو أن لندن زادت من بيع أسلحتها لتل ابيب عام 2008، إضافة إلى عضويتها في اتفاق الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ما يعني في المحصلة انتهاكها الصارخ لالتزاماتها الدولية.
وكانت الحق بالتعاون مع المحامي فيل شاينر (Phil Shiner) من منظمة "محامون من أجل الصالح العام" (Public Interest Lawyers PIL) قد رفعت في حزيران الماضي هذه الدعوة، متهمة الحكومة البريطانية بالتقصير في الوفاء بالتزاماتها التي يُمليها عليها القانون الدولي في مواجهة الممارسات التي تنفذها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت "الحق" انه ليس من المعقول في العصر الحالي، الذي يحدد فيه القانون العرفي الدولي (وبالتالي القانون المحلي) التزامات على الدول إزاء ما تقوم به دول أخرى من انتهاكات لحقوق الإنسان، أن تكون المحاكم المحلية غير قادرة على التدقيق في مدى تقيد حكومات بلدانها بهذه الالتزامات.
وأوضحت أن تقرير 'غولدستون' وغيره من التقارير حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تدل على ارتكاب إسرائيل انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف تصل حد جرائم الحرب، وهو ما يضاف إليه فتوى محكمة العدل الدولية بشأن جدار الضم والتوسع عام 2004، التي ترى بما تقوم به إسرائيل من ضم فعلي للأراضي في الضفة الغربية إنكارا لحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ونوهت إلى أن هذه الانتهاكات موجودة قبل عدوان إسرائيل على قطاع غزة (في الفترة بين 27 كانون الأول 2008 و 18 كانون الثاني 2009)، الذي خلف ألاف القتلى والجرحى المدنيين إضافة إلى الدمار الواسع، لكن اقتران هذا العدوان مع فشل المجتمع الدولي الواضح في اتخاذ أي تدابير فورية لدعم القانون الدولي ، دفع "الحق" إلى الشروع بملاحقة الدول ذات العلاقة بإسرائيل، بدءا من بريطانيا، من اجل التوصل إلى وضع حد لاستمرارها بالتعامل معها بشكل اعتيادي رغم ما تقترفه من جرائم.
وأوضحت "الحق":"دخلنا المعركة ونحن متأكدون إننا سنصطدم بهذه العقبة، نظرا لوجود عرف في المحاكم البريطانية بعدم تدخلها في السياسة الخارجية للحكومة، لكننا انطلقنا وفي أيدينا عدة أمثلة مغايرة، ومن ذلك وجود التزامات على بريطانيا إزاء اللاجئين وحمايتهم التعذيب، وبالتالي فإن رفضت الحكومة طلب اللجوء لأي شخص، فباستطاعته رفع قضية عليها أمام قضائها الوطني بحجة خوفه من التعرض للتعذيب إذا عاد إلى بلاده، وعلى المحكمة أن تفحص جديا وضع حقوق الإنسان في البلد الذي جاء منه اللاجئ قبل ن تصدر حكمها حول الموضوع".
وعن سبب اختيار بريطانيا لرفع القضية، قالت:" تهيأت ظروف لذلك، خاصة مع توفر طاقم من المحامين البريطانيين الذي استعدوا لرفع هذه القضية، على أن تكون المرحلة التالية رفع قضايا مماثلة على دول ذات دساتير أكثر تقدمية تبيح هذا النوع من التحرك القانوني".
واعتبرت قرار محكمة انجلترا وويلز سياسيا أكثر من كونه قانونيا، إذ أن القضاء البريطاني لا يستطيع أن يتعاطى مع قضية بهذا الشكل، لأنها ستفتح الباب واسعا أمام رفع ألاف القضايا ضد المسئولين عن السياسة الخارجية البريطانية المعروفة بدعمها لحكومات تمارس انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان".
وبخصوص إمكانية رفع قضية مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، توقعت "الحق" أن يكون الوضع أكثر تعقيدا حينها، نظرا لوجود عرف قانوني مشابه لذلك الموجود في بريطانيا، وأضافت:" عندما رفعت عائلة راشيل كوري - التي قتلتها جرافة عسكرية إسرائيلية في رفح- دعوى ضد شركة "كتبلير" الأمريكية المصنعة لهذه لجرافة، كان رد المحكمة الأمريكية أن لا صلاحية لديها للبت في هذا الموضوع، كونه يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية".