الترجمة العربية من الإصدار الأصلي باللغة الإنجليزية والذي أصدَر بتاريخ 12 آب/أغسطس
يعتري القلق العميق مؤسسة الحق، بصفتها منظمةً فلسطينيةً غير حكومية تُعنى بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تجاه الإضراب الذي يخوضه المواطن فراس المراغي عن الطعام منذ يوم 26 تموز/يوليو 2010 مقابل السفارة الإسرائيلية في العاصمة الألمانية، برلين. ويحتجّ فراس، وهو مواطن فلسطيني من سكان القدس الشرقية المحتلة ومتزوج من مواطنة ألمانية، على القرار الذي اتخذته السفارة الإسرائيلية بحرمانه من تسجيل طفلته التي رُزق بها مؤخرًا كمواطنة تقيم في القدس. وينتهك هذا القرار حق المواطن فراس في العيش في مدينة القدس والإقامة فيها مع أسرته.
وُلد فراس ونشأ في حي سلوان في القدس الشرقية في أحضان أسرته التي تعود أصولها إلى المدينة المقدسة. وقد انتقل في عام 2007 إلى برلين للإقامة مع زوجته التي تكمل دراستها للحصول على درجة الدكتوراه هناك. ومنذ ذلك الحين، كان فراس يزور القدس بصورة دورية. ولعلمه بأنه سيعود مع أسرته إلى القدس بعد أن تحصل زوجته على درجة الدكتوراه، يرفض فراس تقديم طلب للحصول على أي جواز أو وثيقة سفر أخرى، لأن ذلك يحرمه من جواز المرور (laissez-passer) الذي يحمله، وهو عبارة عن وثيقة سفر تصدرها السلطات الإسرائيلية للمواطنين الفلسطينيين القاطنين في القدس الشرقية.
لا يزال فراس يخوض إضرابًا عن الطعام منذ 18 يومًا، وهو لا يتناول سوى الماء ويرفض إنهاء إضرابه إلى أن تلغي السفارة الإسرائيلية قرارها بمنع تسجيل ابنته كمواطنة مقيمة في القدس.
لا يشكل رفض إسرائيل طلبات لمّ الشمل للمواطنين الفلسطينيين حالةً معزولةً بحدّ ذاتها. فقد دأبت سلطات الاحتلال الإسرائيلية منذ عام 1967 على تطبيق سياسة ممنهجة تستهدف تقليص عدد السكان الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية، وذلك في نفس الوقت الذي تسهّل فيه زيادة أعداد السكان اليهود فيها. وتوظّف سلطات الاحتلال الإسرائيلية في سبيل هذه الغاية مختلف الوسائل القانونية والإدارية التي تهدف إلى منع لمّ شمل المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية مع أزواجهم وأطفالهم ممن لا يقطنون فيها.
وكان المواطنون الفلسطينيون يستطيعون فيما مضى تقديم طلبات لمّ الشمل لأزواجهم وأولادهم لوزارة الداخلية الإسرائيلية، لكي يتمكنوا من الإقامة في القدس الشرقية وإسرائيل مع أُسرهم بصورة قانونية (ومن الجدير بالتنويه في هذا المقام أن هذا الاشتراط لا يسري على السكان والمهاجرين اليهود في المدينة).
وفي عام 2000، علقّت إسرائيل النظر في جميع طلبات لمّ الشمل، مما خلّف آثارًا سلبيةً على عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين المتزوجين من أجانب. وفضلاً عن ذلك، لم يفتأ البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) منذ عام 2003 يمدّد العمل بالقانون العنصري بشأن المواطنة والدخول إلى إسرائيل لسنة 2003. فمن الناحية الرسمية، يحرم هذا القانون المواطنين الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية من لمّ شملهم مع أزواجهم وأطفالهم الذين ينحدرون من مناطق أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو من دول أخرى. وبذلك، تحرم سلطات الاحتلال الإسرائيلية أفراد هذه الأسر من العيش مع بعضهم البعض في إسرائيل والقدس الشرقية المحتلة، مما يؤدي إلى تفسّخ عرى التواصل بين هذه الأسر وإجبارها على تغيير مكان إقامتها.
وقد طالبت لجنة حقوق الإنسان، في ملاحظاتها الختامية التي أصدرتها مؤخرًا، بإلغاء القانون بشأن المواطنة والدخول إلى إسرائيل لسنة 2003، والذي تدّعي السلطات الإسرائيلية بأنه قانون مؤقت في طابعه. وينبع القلق الذي ينتاب لجنة حقوق الإنسان حيال هذه القضية من أن الحظر الذي تفرضه إسرائيل على لمّ الشمل يشكّل انتهاكًا صارخًا وجسيمًا للقانون الدولي، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي تنص المادة (23/1) منه على أن "الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة." كما يتعين على إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، احترام المادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على أنه "للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية ...".
توظّف إسرائيل الأسباب والذرائع الأمنية التي يعتريها الخلل والقصور من أجل تبرير السياسات غير القانونية التي تنتهجها بحق المواطنين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبينما يعترف القانون الدولي بحق إسرائيل في حماية رعاياها، تبقى السلطات الإسرائيلية ملزَمةً بالعمل وفق ما يقتضيه مبدأ التكافؤ. ولا يعتبر الحظر التام الذي تفرضه إسرائيل على لمّ شمل المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية تمييزيًا في أصله فحسب، بل إنه غير متكافئٍ كذلك. كما إن الأسباب الأمنية التي تسوقها إسرائيل لتبرير هذا الحظر تقوِّضها البيانات الواضحة التي تصدرها حكومتها بشأن ضمان التفوق الديموغرافي للسكان اليهود في القدس الشرقية، والتي تضمّها إلى إقليمها على وجه يخالف القانون. وفي هذا السياق، تتسبّب السياسة الإسرائيلية في حرمان المواطنين الفلسطينيين من حق لمّ الشمل في تقويض إمكانية حل الدولتين، والذي ستكون القدس الشرقية بموجبه عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة.
- انتهى -