يهديكم مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية أطيب التحيات، نتوجه إلى سيادتكم بوصفكم القائد الأعلى لقوى الأمن الفلسطينية بموجب قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية، للعام 2005 وتعديلاته، في هذه المرحلة الدقيقة والتي تتسم ببالغة الخطورة والتي يمر بها شعبنا وقضيتنا الوطنية، وفي ظل استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي من إبادة جماعية وسياسات تطهير عرقي مستمرة منذ النكبة بحق شعبنا، وفي ظل مخططات التطهير العرقي ومحاولة محو الكيانية الفلسطينية، والتي تقتضي منا جميعاً الوقوف بمسؤولية وطنية جادة أمام التحديات التي تواجهنا، وإذ نترحم على شهداء شعبنا والمواطنين وعناصر قوى الأمن الذين ارتقوا على أرض هذا الوطن، وإذ ندين كل سلوك خارج عن إطار القانون، سواء في المحافظات الشمالية أو المحافظات الجنوبية؛ ندعوكم بصفتكم تلك إلى مراجعة شاملة لما آلت إليه حالة الحقوق والحريات العامة في فلسطين على الصعيد الداخلي.
سيادة الرئيس "القائد الأعلى لقوى الأمن"،
رصدت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، في الآونة الأخيرة، انتهاكات عديدة لقوى الأمن الفلسطينية طالت الحقوق والحريات العامة المحمية بموجب القانون الأساسي الفلسطيني، من أفعال تندرج ضمن التعذيب وسوء المعاملة، وانتهاكات لحرية الرأي والتعبير، وإجراء القبض والتوقيف كسياسة عقابية، وفرض عقوبات جماعية بما فيها حجز حرية المواطنين كرهينة؛ وإغلاق الصحف والمحطات والمواقع الالكترونية خلافا للقانون الأساسي (الدستور)، والتمييز على أساس الرأي السياسي، وإصدار القرارات الإدارية بترهيب المواطنين؛ وعدم احترام قرارات وأحكام القضاء وتنفيذها. كما رصدت تقاعس الجهات الرسمية المكلفة بالمساءلة والمحاسبة عن القيام بدورها بموجب القانون، ممثلة بالنيابة العامة المدنية، والنيابة العسكرية، وجهات الرقابة الداخلية في قوى الأمن، الأمر الذي يجعل من التصريحات الرسمية بشأن تطبيق مبدأ سيادة القانون شعاراً ليس له رصيد على أرض الواقع.
إن الحق في السلامة الجسدية هو مبدأ دستوري واجب الاحترام والحماية، وهو ضمن الحقوق والحريات العامة التي كفلها القانون الأساسي والذي نص على عدم جواز إخضاع أحد لأي إكراه أو تعذيب، وضرورة معاملة المتهمين وسائر المحرومين من حرياتهم معاملة لائقة، بينما جرى رصد وتوثيق العديد من الحالات التي قامت فيها قوى الأمن بارتكاب جرائم تعذيب وأفعال تنكيل غير إنسانية بحق مواطنين خلال القبض والتوقيف. وقد جرى تقديم العديد من الشكاوى للجهات المكلفة بالمساءلة والمحاسبة بهذا الخصوص، ولم يتم اتخاذ إجراءات جادة وحقيقية بشأن الحد ووقف ارتكاب جرائم التعذيب من قبل قوى الأمن الفلسطينية؛ مما قد يجعل من جرائم التعذيب في دولة فلسطين ممارسات ممنهجة تشكل جرائم تعذيب موصوفة في القانون الأساسي والتشريعات الأخرى ذات الصلة، وقد ترقى إلى اعتبارها جريمة ضد الإنسانية، تستوجب المساءلة والملاحقة الجنائية الوطنية والدولية.
إن الحق في حرية الرأي والتعبير مكفول في القانون الأساسي الفلسطيني، وهو حق دستوري أصيل يجب حمايته وتعزيزه، فقد رصدت ووثقت مؤسسات المجلس انتهاكات قوى الأمن الفلسطينية لهذا الحق من خلال استدعاء المواطنين واحتجازهم على خلفية منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما رصدت ووثقت اعتقال واحتجاز صحفيين على خلفية عملهم الصحفي، كذلك رصدت ووثقت إغلاق مؤسسات إعلامية ومواقع إلكترونية إعلامية. لذلك تخلص المؤسسات الحقوقية أن انتهاك الحق في حرية الرأي والتعبير أصبحت سياسة ممنهجة تقوم بها قوى الأمن الفلسطينية، مع غياب قيام الجهات ذات الاختصاص في المساءلة عن تلك الانتهاكات.
إن فرض العقوبات الجماعية التي عانى منها شعبنا والمحظورة بموجب القانون الفلسطيني والقانون الدولي لا يجب أن تكون جزء من ثقافة قوى الأمن الفلسطينية، فقد وثقت المؤسسات الحقوقية ما جرى من فرض حصار على مخيم جنين خلال الحملة الأمنية الأخيرة، والتي طالت المخيم وسكانه، كذلك دخول المراكز الطبية والمستشفيات من قبل قوى الأمن، سواء لتنفيذ اعتقالات من داخلها أو اتخاذها مكاناً للاستخدام الأمني، وهذا فرضت قيود على حرية حركة المواطنين والخدمات، ولم تسهل وصول الخدمات الأساسية للسكان بما يشكل شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المحظور.
سيادة الرئيس "القائد الأعلى لقوى الأمن"،
إن مبدأ سيادة القانون الذي أقره القانون الأساسي كأساس للحكم في فلسطين وفق ما نص عليه "مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص". هو مبدأ دستوري واجب الاحترام من الجميع؛ مواطنين ومسؤولين، فتطبيق القانون على الخارجين عن القانون يكون بالقانون لا بالخروج عن القانون، بما يجعل من المكلف بتطبيق القانون والخارج عن القانون في ذات الكفة من الميزان.
إن عدم المساءلة والإفلات من العقاب؛ وعدم قيام الجهات المكلفة بالرقابة وإجراء التحقيقات الملزمة بموجب القوانين والتشريعات ذات العلاقة، تؤسس لنهج غياب مبدأ سيادة القانون، بما يؤثر سلباً على انضباط عناصر قوى الأمن، وتعزيز الشعور لديهم بأنهم فوق المساءلة والمحاسبة، الأمر الذي يشكل خطراً حقيقياً على بنية النظام السياسي الفلسطيني ورؤيته لمعالجة قضايا الوضع الداخلي، ويزيد من الفجوة ما بين المواطن والمؤسسة الأمنية، ويضر بمسار نضالنا الوطني نحو الاستقلال وبناء الدولة، فضلا عن إمكانية ملاحقة عناصر قوى الأمن ورؤساء الأجهزة الأمنية من قبل القضاء الدولي.
يتطلع مجلس منظمات حقوق الإنسان إلى اتخاذ إجراءات فورية، وإصدار تعليمات صارمة لقوى الأمن بضرورة الالتزام بالقانون وتطبيقه بما يحفظ سلامة عناصر الأمن خلال إنفاذ القانون واحترام الضمانات الدستورية المقرّة لتمتع المواطنين بالحقوق والحريات التي أقرها القانون الأساسي الفلسطيني، وإصدار التوجيهات اللازمة للجهات الرقابية بضرورة القيام بواجباتها بما يشمل زيارات تفقدية لمراكز الاحتجاز، وفتح التحقيقات الجزائية في جميع الانتهاكات وإحالة كل من يثبت تورطه إلى القضاء المختص.
انتهى