- عن الحق
- أخبار الحق
- المناصرة
- التوثيق
- الاستقصاء المعماري
- مركز الحق
- الاصدارات
- المكتبة
- المدونة
- اتصل بنا
- عن الحق
- أخبار الحق
- المناصرة
- التوثيق
- الاستقصاء المعماري
- مركز الحق
- الاصدارات
- المكتبة
- المدونة
- اتصل بنا
أصدر رئيس دولة فلسطين بتاريخ 15/12/2012 مرسوماً يقضي بإنشاء هيئة شؤون المنظمات الأهلية، وقد أُنيط بها العمل على تنسيق وتنظيم العمل بين كافة المنظمات الأهلية الفلسطينية والأجنبية والجهات الحكومية المختلفة، كما وكُلفت هذه الهيئة بالعمل على:
- المساهمة في وضع وتحديد الاولويات الوطنية في القطاعات المختلفة بالمشاركة بين المنظمات الأهلية وكافة الجهات الحكومية لصياغة توجهات وطنية مشتركة في مجالات التنمية.
- ضمان حرية واستقلال العمل الأهلي ليتكامل مع الحكومي في خدمة قطاعات العمل المختلفة
- العمل على تشجيع العمل التطوعي وتطوير مفاهيمه وأسسه.
ونصت المادة التاسعة من المرسوم على إلغاء كل ما يخالف أحكام هذا المرسوم، في حين أقرت المادة العاشرة بسريان هذا المرسوم من تاريخ صدوره على أن يُنشر في الجريدة الرسمية.
وفيما يلي موقف مؤسسة الحق من المرسوم الرئاسي
1. أنشأ المرسوم بمقتضى المادة الثانية منه هيئة شؤون المنظمات الأهلية بوصفها هيئة تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وتتبع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي يُخالف أحكام القانون الأساسي الذي يُنيط هذا الاختصاص الدستوري حصراً بمجلس الوزراء؛ فإنشاء الهيئات والمؤسسات والسلطات أو ما في حكمها من وحدات الجهاز الإداري التي يشملها الجهاز التنفيذي التابع للحكومة، وتعيين رؤساء هذه الهيئات والمؤسسات، والإشراف عليها وتحديد اختصاصاتها، هو من صلاحيات مجلس الوزراء، ويجب أن تُنظم بقانون، وذلك استناداً للنص الصريح الوارد في المادة (69) من القانون الأساسي التي أكدت على أن: " يختص مجلس الوزراء بما يلي : 1- وضع السياسة العامة في حدود اختصاصه، وفي ضوء البرنامج الوزاري المصادق عليه من المجلس التشريعي. 2- تنفيذ السياسات العامة المقررة من السلطات الفلسطينية المختصة. 3- وضع الموازنة العامة لعرضها على المجلس التشريعي. 4- إعداد الجهاز الإداري، ووضع هياكله، وتزويده بكافة الوسائل اللازمة، والإشراف عليه ومتابعته. 5- متابعة تنفيذ القوانين وضمان الالتزام بأحكامها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك. 6- الإشراف على أداء الوزارات وسائر وحدات الجهاز الإداري لواجباتها واختصاصاتها، والتنسيق فيما بينها. 7- مسؤولية حفظ النظام العام والأمن الداخلي. 8- مناقشة الاقتراحات مع الجهات المختلفة ذات العلاقة بالفقرتين (6 و7) أعلاه، وسياساتها في مجال تنفيذ اختصاصاتها. 9- أ- إنشاء أو إلغاء الهيئات والمؤسسات والسلطات أو ما في حكمها من وحدات الجهاز الإداري التي يشملها الجهاز التنفيذي التابع للحكومة، على أن ينظم كل منها بقانون. ب- تعيين رؤساء الهيئات والمؤسسات المشار إليها في البند (أ) أعلاه والإشراف عليها وفقاً لأحكام القانون. 10- تحديد اختصاصات الوزارات والهيئات والسلطات والمؤسسات التابعة للجهاز التنفيذي كافة، وما في حكمها. 11- أية اختصاصات أخرى تناط به بموجب أحكام القانون".
ومن هذا المنطلق، فإن إنشاء الرئيس لهيئة شؤون المنظمات الأهلية يعتبر ممارسة لصلاحيات واختصاصات ليست ممنوحة له بموجب القانون الأساسي الفلسطيني، ما يعد خرقاً واضحاً وصريحاً لمبدأ المشروعية وسيادة القانون، بوصفهما من أهم الأسس التي تقوم عليها الدولة القانونية، بل عماد النظام الديمقراطي وأحد أهم مكوناته، لكون مبدأ المشروعية يقضي بضرورة إلتزام الدولة وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية ومختلف هيئاتها العامة بالخضوع التام للقانون والاحتكام له واحترامه وتطبيقه في تصرفاتها وقراراتها وأعمالها. ومن هذا المنطلق، أصبح يُطلق وصف "الدولة القانونية" على الدول التي تلتزم في تصرفاتها وسلوكها بمبدأ المشروعية جراء احتكامها للقانون وتسليمها بسمو أحكامه وعلوها على كافة سلطاتها ومؤسساتها.
وهذا ما أخذ به القضاء الدستوري وتبناه، حيث جاء في منطوق حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية لدولة القانون في القضية رقم (139 لسنة21 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية") "... إن الدولة القانونية وفقاً لنص الدستور هي التي تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها ...".
وفي القضية رقم ( 108 لسنة 18 قضائية من قضاء المحكمة الدستورية العليا) جاء أيضاً"... وحيث أن الدولة القانونية - على ضوء أحكام المواد 1 و3 و4 و65 من الدستور - هي التي تتقيد في كل تصرفاتها وأعمالها بقواعد قانونية تعلو عليها، فلا يستقيم نشاطها بمجاوزتها ...".
وقد أخذ القانون الأساسي الفلسطيني بهذا النهج وأكد عليه من خلال تأكيده القاطع والصريح بمقتضى المادة السادسة منه على أن: " مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص".
وليس هذا فحسب، بل أخضع القانون الأساسي الفلسطيني تعزيزاً لمبدأ المشروعية جميع أعمال الدولة ومؤسساتها وهيئاتها لرقابة القضاء، بحيث لا يوجد أي عمل أو تصرف مهما كانت طبيعته محصن من هذه الرقابة، وهو ما يتضح من عبارات المادة (30) من القانون الأساسي التي جاء بنصها "... 2- يحظر النص في القوانين على تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء...".
كما أكد القانون الأساسي بصريح النص على وجوب احترام والتزام السلطة التنفيذية الفلسطينية بأحكام القانون، وعلوه على قراراتها وأعمالها وتصرفاتها، وهذا ما يتضح من إلزام نص المادة (38) رئيس السلطة التنفيذية بواجب وضرورة أن يتقيد ويلتزم في ممارسته لسلطاته ومهامه التنفيذية بما أقره القانون الأساسي وعلى الوجه المبين في القانون الأساسي.
وإلى جانب ما يمثله إنشاء الرئيس لهيئة شؤون المنظمات الأهلية من اعتداء على صلاحيات واختصاص مجلس الوزراء الحصري في القانون الأساسي، تعتبر ممارسة الرئيس لهذا العمل خروجاً من الرئيس على القسَم الذي نص عليه القانون الأساسي بمقتضى المادة (35) التي جاء بنصها " أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن ومقدساته، وللشعب وتراثه القومي، وأن أحترم النظام الدستوري والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب الفلسطيني رعاية كاملة، والله على ما أقول شهيد". إذ يُلزم القسَم الرئيس بواجب وضرورة التقيّد بأحكام القانون الأساسي وتطبيقها واحترامها وهو ما لم يتحقق جراء ممارسته لعمل وصلاحية ممنوحة لغيره من السلطات.
2. إن المرسوم الصادر عن الرئيس هو قرار عادي وليس مرسوماً إشتراعياً، الأمر الذي يتطلب، استناداً لمبدأ سيادة القانون، احترام منظومة التشريعات السارية وعدم اللجوء إلى مخالفتها بأي شكل من الأشكال وعلى أي نحو كان. وبالتالي، فإن هذا المرسوم الرئاسي قد خالف أحكام قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 من خلال خلق "جسم جديد" للعمل مع الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لم ينص عليه القانون، وألزم الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني بالتعامل مع هذا الجسم، علماً بأن لهذه المؤسسات مرجعيتان وفق قانون الجمعيات؛ فمن جانب هناك مرجعية التسجيل وهي وزارة الداخلية، كما يوجد مرجعية للمتابعة واستلام تقارير المؤسسات وهي وزارة الاختصاص لكل جمعية.
وبالنظر لكون قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية هو القانون الأساس الذي يحكم عملها وينظم علاقاتها ومختلف شؤونها، فمن حق الجمعيات والهيئات أن تمتنع عن التعامل مع هذا الجسم بوصفه جسماً غير دستوري وغير مختص وغير منصوص عليه بقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، بل يمكن لها أن تطعن بأي قرار إداري أو تنظيمي يصدر عنه أمام محكمة العدل العليا استناداً لكون هذا القرار صادر عن جهة غير مختصة بإصداره ومن جسم ليس له استناداً لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية أي صفة.
3. نص المرسوم على تنظيم قطاع المنظمات غير الحكومية والتنسيق والتشبيك بينها، واستناداً لهذه التسمية لا صلاحية لهذه الهيئة سوى على "المنظمات الأهلية" وليس لها أي سلطة أو صلاحية على صعيد الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، بل لا يوجد على صعيد التشريعات الناظمة للعمل الأهلي في فلسطين تسمية من هذا القبيل سوى لتلك المنظمات التي أُنشأت من قبل منظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم يقتصر دور الهيئة على التعاون والتشبيك معها.
4. يفرض المرسوم العمل التشاركي والتخطيط والقرار المشترك، وتنسيق عمل المنظمات المحلية والأجنبية، وبالتالي ستصبح هذه الهيئة بمثابة الوصي والوسيط والمنسق بل قد تتدخل في تحديد شركاء المنظمات المحليين والأجانب، وهو ما يتناقض مع حرية العمل الأهلي الذي يعتبر عملاً مستقلاً وخاضعاً لتقرير ورأي وإرادة مؤسسيه، كما أقر بذلك القضاء الدستوري الذي اعتبر تشكيل الجمعيات أحد صور ومظاهر حرية الاجتماع .
افقد جاء في منطوق إحدى الأحكام الصادر عن المحكمة الدستورية المصرية في القضية رقم 153 لسنة 21 قضائية، بتاريخ 3 يونيه سنة 2000م ما يلي: " ... وحيث أن المواثيق الدولية قد اهتمت بالنص على حق الفرد فى تكوين الجمعيات ومن ذلك المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى تمت الموافقة عليه وإعلانه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 10/12/1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذى حظر - بنص الفقرة الثانية من المادة (22)- أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التى ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية فى مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومى أو السلام العام أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرماتهم.
وحيث أن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلاً بصون الحقوق والحريات العامة - وفي الصدارة منها حرية الاجتماع- كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التى يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة، وكان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلباً أساسياً توكيداً لقيمتها الاجتماعية، وتقديراً لدورها فى مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، وقد واكب هذا السعي وعززه بروز دور المجتمع المدنى ومنظماته-من أحزاب وجمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية- في مجال العمل الجمعي.
وحيث أن منظمات المجتمع المدني - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هي واسطة العقد بين الفرد والدولة، إذ هي الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد بحسبانه القاعدة الأساسية في بناء المجتمع، عن طريق بث الوعى ونشر المعرفة والثقافة العامة، ومن ثم تربية المواطنين على ثقافة الديموقراطية والتوافق فى إطار من حوار حر بناء، وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية معاً، والعمل بكل الوسائل المشروعة على ضمان الشفافية، وترسيخ قيمة حرمة المال العام، والتأثير فى السياسات العامة، وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعي، ومساعدة الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة، والمشروعات الطوعية على أداء أفضل للخدمات العامة، والحث على حسن توزيع الموارد وتوجيهها، وعلى ترشيد الإنفاق العام، وإبراز دور القدوة. وبكل أولئك، تذيع المصداقية، وتتحدد المسئولية بكل صورها فلا تشيع، ويتحقق العدل والإنصاف وتتناغم قوى المجتمع الفاعلة، فتتلاحم على رفعة شأنه والنهوض به إلى ذرى التقدم.
وحيث أن من المقرر أن حق المواطنين فى تكوين الجمعيات الأهلية هو فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمخض تصرفاً إرادياً حراً لا تتداخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ومن ثم تنحل هذه الحرية إلى قاعدة أولية تمنحها بعض الدول قيمة دستورية فى ذاتها، لتكفل لكل ذي شأن حق الإنضمام إلى الجمعية التى يرى أنها أقدر على التعبير عن مصالحه وأهدافه، وفى انتقاء واحدة أو أكثر من هذه الجمعيات - حال تعددها - ليكون عضواً فيها، وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ من حريته الشخصية، التى أعلى الدستور قدرها، فاعتبرها – بنص المادة (41) - من الحقوق الطبيعية، وكفل - أسوة بالدساتير المتقدمة - صونها وعدم المساس بها، ولم يجز الإخلال بها من خلال تنظيمها.
وحيث أن الحق فى إنشاء الجمعيات- سواء أكان الغرض منها اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً أو غير ذلك– لا يعدو أن يكون عملاً اختيارياً، يرمي بالوسائل السلمية إلى تكوين إطار يعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم. التي لا يمكن تنميتها إلا فى شكل من أشكال الاجتماع. كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوّض الأسس التى لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستنداً إلى الإرادة الشعبية، ومن ثم فقد صار لازماً - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون، وفى الحدود التى تتسامح فيها النظم الديمقراطية ...
وحيث أنه تبين من جميع ما تقدم أن حق المواطنين فى تأليف الجمعيات الأهلية، وما يستصحبه - لزوماً- مما سلف بيانه من حقوقهم وحرياتهم العامة الأخرى، هي جميعاً أصول دستورية ثابتة، يباشرها الفرد متآلفة فيما بينها، ومتداخلة مع بعضها البعض، تتساند معاً، ويعضد كل منها الآخر في نسيج متكامل يحتل من الوثائق الدستورية مكاناً سامقاً ".
ومن هذا المنطلق، فإن فرض العمل والتخطيط ووجود جسم غير قانوني يُمارس الوصاية على هذه الجمعيات يتناقض مع الحق الدستوري الأصيل في تكوين الجمعيات وفي حرية أعضائها في العمل والتشبيك مع مَن يرونه مناسباً طالما انسجم هذا العمل مع قواعد وأحكام القانون.
وبالخلاصة، واستناداً لما تقدم، ترى مؤسسة "الحق" أهمية وضرورة سحب هذا المرسوم الرئاسي واعتباره كأن لم يكن لمخالفته من حيث الشكل والجوهر قواعد وأحكام القانون الأساسي الفلسطيني وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية. وتجدد "الحق" التأكيد على أهمية وضرورة التنسيق مع مؤسسات العمل الأهلي في رسم السياسة العامة للعمل الأهلي في دولة فلسطين.