وقد استهدف مضمون القرار بقانون إلغاء نص المادة (340) من قانون العقوبات لعام 1960 الخاصة بالأعذار القانونية المُحِلة والمخففة في القتل في أحوال التلبس بالزنى والفراش غير المشروع، كما واستهدف أيضاً تعديل نص المادة (18) من قانون العقوبات لعام 1936 الخاصة بقبول المعذِرة في ارتكاب أفعال يعتبر القيام بها جريمة لولا وجود تلك المعذِرة في حالات تندرج في إطار"الدفاع الشرعي" وذلك بإضافة عبارة (ولا يشمل ذلك جرائم قتل النساء على خلفية "شرف العائلة") في آخر النص العقابي المذكور.
وفي تعليق للمستشار القانوني لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الأستاذ حسن العوري على صدور القرار بقانون المذكور أوضح بأنه " في أعقاب مقتل الطالبة آية برادعية، سُلطت الأضواء مرة أخرى على قضايا ما يُسمى الشرف، ولأن هناك فهماً معيناً عند الرأي العام يتعلق بتلك المواد، أصدر الرئيس تعليماته لإيجاد الآلية المناسبة لتعديلها، بما لا يخل بالمبادىء العامة للقانون".[1]
وأضاف الأستاذ العوري بأنه قد " تشكلت لجنة ضمت وزير العدل د.علي خشان، ونائب رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سامي صرصور، والنائب العام أحمد المغني، وروحي فتوح بصفته رئيس المجلس التشريعي السابق، والأستاذ العوري بصفته مستشار الرئيس القانوني، وبعد أن قدَّم كل واحد من الأعضاء مذكرة قانونية لرؤيته للتعديل توافق الجميع على صيغة نهائية مشتركة رفعت لسيادة الرئيس محمود عباس للمصادقة عليها وتوقيعها على شكل قرار بقانون". وتابَع بالقول " الأمر المميز في هذا التعديل هو أنه إشارة من المستوى السياسي الفلسطيني بحظر قتل النساء، وتجريم الفاعل كأيّ مجرم آخر".[2]
وقد لاقى هذا التعديل على القوانين العقابية الموروثة صدى إيجابياً في الشارع الفلسطيني وبخاصة أنه قد جاء تحت تأثير الصدمة التي أحدثتها الجريمة المروعة التي راحت ضحيتها الطالبة الجامعية آية برادعية وظروف وملابسات تلك القضية، وتأثيرها على الرأي العام، كما ولاقى هذا التعديل ترحيباً من غالبية منظمات المجتمع المدني وبخاصة المؤسسات النسوية ونشطاء حقوق الإنسان، إذ وجدوا فيه خطوة إيجابية تُساهم في رفع جانب من الظلم والتمييز الذي تُعاني منه المرأة الفلسطينية في التشريعات العقابية.
ومع ذلك، فإننا سنرى خلال العرض والتعليق على القرار بقانون بأن التعديلات التي استهدفها تواجه إشكاليات جدية وتساؤلات مُحقة؛ بعضها يتصل بالمستوى الدستوري الخاص بالقرار بقانون في ذاته ومدى توافر الشرط الدستوري الذي تتطلبه المادة (43) من القانون الأساسي (حالة ضرورة لا تحتمل التأخير) كشرط لازم لصحته دستورياً، على الأقل في ظل نفاذ هذا القرار بقانون بعد ما يُقارب خمسة شهور من تاريخ إصداره وتحديداً في 10/10/2011 تاريخ نشره في الجريدة الرسمية "الوقائع الفلسطينية"، بما يُضيف عقبة قانونية جديدة تتعلق بمدى الإلتزام بقانون الجريدة الرسمية لعام 1949 على هذا الصعيد. علاوة على ما يتعلق "بتنسيب" مجلس الوزراء لرئيس السلطة لإصدار هذا القرار بقانون ومدى دستورية هذا التنسيب.
وأَمّا البعض الآخر من الإشكاليات التي تواجه القرار بقانون فإنها تتصل بالناحية العملية، أي بمدى قدرة وفعالية تلك التعديلات في إنصاف المرأة ورفع الظلم والتمييز عنها في الاختبار العملي على أرض الواقع، وبخاصة في ظل عدم وجود أيّ حكم قضائي تمَّ الاستناد فيه لأحكام المادة (340/1) من قانون العقوبات لعام 1960 لمنح عذر مُحِل في حال فوجىء الزوج بزوجته أو إحدى محارمه مع آخر في حالة تلبس بالزنى وأقدم على قتلهما أو إيذائهما كليهما أو أحدهما، أو تمَّ الاستناد فيه إلى المادة (340/2) لمنح عذر مخفف لمرتكب القتل أو الإيذاء في حال فوجىء بزوجه أو إحدى أصوله أو فروعه او أخواته مع آخر في فراش غير مشروع. وهذا الأمر يرجع بطبيعة الحال إلى صعوبة، إنْ لم يكن استحالة، تحقق تلك الواقعة من الناحية العملية لإمكانية اللجوء إلى تلك الأعذار القانونية المُحلة أو المخففة أمام القضاء.
وفي المقابل، فإننا سنرى خلال العرض بأن هذا القرار بقانون قد أغفل تعديل المواد التي تشكل الأرضية القانونية التي يتم اللجوء إليها عادة أمام القضاء لمنح العذر المخفف وبخاصة للزوج أو الأقارب من الذكور على جرائم قتل النساء على خلفية "شرف العائلة" والتي تتمثل في نص المادة (98) من قانون العقوبات لعام 1960 التي يستفيد من خلالها فاعل الجريمة من العذر القانوني المخفف إذا أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه.
وكذلك المادة (99) من قانون العقوبات الخاصة بالظروف أو الأسباب المخففة القضائية في الجنايات، التي يرجع تقديرها إلى المحكمة التي تنظر الدعوى، والتي عادة ما تلجأ إليها المحكمة في حال إسقاط الحق الشخصي في جرائم قتل النساء على خلفية "شرف العائلة". والمادة (100) من قانون العقوبات الخاصة بالأسباب المخففة القضائية في الجنح والتي يمكن تصورها في حال إسقاط الحق الشخصي في جرائم لا ترقى إلى قتل النساء وإنما تندرج في إطار الإيذاء المقصود أو الجرح الذي يأخذ طابعاً جنحوياً.
كما وسنلاحظ أيضاً بأن التعديل الذي استهدف نص المادة (18) من قانون العقوبات لعام 1936 النافذ في قطاع غزة، والخاص بقبول المعذِرة في حالات الضرورة؛ من خلال إضافة عبارة (ولا يشمل ذلك جرائم قتل النساء على خلفية "شرف العائلة") إلى آخر النص المذكور، قد خلط على نحو غير مفهوم وغير مبرر على الإطلاق بين مسألة قتل النساء على خلفية الشرف وبين موضوع آخر منفصل تماماً ولا علاقة له بتلك المسألة لا من قريب ولا من بعيد ألا وهو موضوع حق الدفاع الشرعي!
وبذلك فإن مضمون التعديلات التي جاء بها القرار بقانون، وإنْ حاولت امتصاص غضب الشارع الفلسطيني في أعقاب قضية مقتل الطالبة آية برادعية، والتي شكلت قضية رأي عام، إلاّ أن تلك التعديلات لن تكون فعّالة أو مؤثرة في التطبيق العملي، الأمر الذي يكشف خللاً عميقاً في السياسة الجنائية المتبعة.
وقبل أن نبدأ بتقسيم وعرض منهجي لملاحظاتنا القانونية التفصيلية على هذا القرار بقانون فإنه لا بد لنا أن نتساءل أيضاً عن سبب عدم دعوة ممثلي منظمات المجتمع المدني والمؤسسات النسوية ونشطاء حقوق الإنسان للانضمام إلى عضوية اللجنة التي تحدث عنها المستشار القانوني للرئيس بهدف خلق نقاش مجتمعي يُشارك فيه المستوى الرسمي وغير الرسمي للخروج بملاحظات وتوصيات موحدة ومدروسة في مسألة غاية في الأهمية تتعلق بحقوق المرأة ورفع الظلم والتمييز الذي تُعاني منه على المستوى التشريعي.
ولأنه عادة ما يتم إِقحام الشريعة الإسلامية في هذا النوع من النقاش الخاص بجرائم قتل النساء على خلفية "شرف العائلة" فإننا نجد من المفيد أيضاً أن نُبين موقف الشريعة الإسلامية من هذه المسألة، وللمزيد من إثراء النقاش فلا بد أن نتطرق أيضاً إلى موقف الديانة المسيحية منها، واستكمالاً للفائدة فلا بد من أن نتتبع الأصل التاريخي للنص القانوني الذي يمنح الأعذار القانونية في قتل النساء على خلفية الشرف.