تدين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، المركز الفلسطيني، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق، بأشد العبارات تصويت الكنيست الإسرائيلي يوم أمس الاثنين، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، على تشريعين مصممين لتعطيل عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في كافة أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. يُنهي أحد التشريعين الاتفاقية الموقعة عام 1967 بين دولة الاحتلال والأونروا بشكل فوري، بينما يحظر التشريع الآخر عمل الأونروا في ما يشار إليه بـ "الأراضي السيادية لدولة إسرائيل"، وهو ما سيسمح، حال دخوله حيز التنفيذ في غضون 90 يوماً، بإغلاق مقر الأونروا في القدس المحتلة، حيث تُدار عمليات الأونروا لجميع الأرض الفلسطينية المحتلة، وبالتالي سيُحرم ملايين اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة من خدمات أساسية تقدمها الأونروا، خاصة في التعليم والرعاية الصحية.
وسوف يكون لذلك آثار كارثية، خاصة في قطاع غزة الذي يتعرض منذ أكثر من عام لجريمة إبادة جماعية، حيث تشكل الأونروا العمود الفقري لجهود الإغاثة الدولية لنحو 2.3 مليون فلسطيني/ة، تحول نحو 90٪ منهم إلى نازحين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الدولية المحدودة التي تسمح قوات الاحتلال بدخولها لقطاع غزة. وعليه، فإن إقرار هذه القوانين يشكل تهديداً خطيراً لبقاء الفلسطينيين، ويأتي ضمن نمط أوسع يعكس نوايا الإبادة الجماعية الإسرائيلية. إن تعطيل خدمات الأونروا أو إيقافها سيزيد من تعريض حياة مليوني فلسطيني للخطر، مما سيؤدي حتماً إلى تفاقم الظروف المعيشية القاسية المفروضة عليهم بهدف تدميرهم مادياً.
ويأتي إصدار التشريعان في ذيل سلسلة طويلة من الإجراءات والحملات المنظمة التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي على مدى سنوات لنزع الشرعية عن الأونروا وتقويض عملها لشطب وجودها كمقدمة لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم غير القابل للتصرف في العودة.
ومنذ بدء جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، صعدت دولة الاحتلال هجومها على الأونروا، وشنت حملة إعلامية ودبلوماسية واسعة النطاق لنزع الشرعية عنها، مما دفع عدة دول مانحة إلى تعليق تمويلها، وأدى بالتالي إلى عرقلة جهودها الإغاثية.
كما تعرضت منشآت ومقرات الأونروا للقصف المباشر من قبل قوات الاحتلال، بما في ذلك قصف المئات من المدارس التي تحولت إلى مراكز لإيواء مئات الآلاف من النازحين، والعيادات التي تقدم خدمات صحية أساسية للاجئين في قطاع غزة، والمركبات التي تحمل علم الأمم المتحدة، وقتل أكثر من 233 شخصاً من العاملين في الأونروا.
إن استمرار هجوم دولة الاحتلال على الأونروا، وصولاً إلى حظر عملها ومقاطعتها، يشكل تطوراً غير مسبوق على مستوى العالم، ويستدعي موقفاً حازماً من المجتمع الدولي ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. وترى مؤسساتنا أن سياسة الحصانة التي تحظى بها إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، بدعم كامل من الإدارة الأمريكية، إنما تساهم في استمرار تحديها السافر لمنظومة القانون الدولي وتحديها للأمم المتحدة بأسرها وليس فقط استهدافها للأونروا، وهو ما سمح لها بالتجرؤ على الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش والإعلان عنه بأنه "شخص غير مرغوب فيه."
كما تشير مؤسساتنا بقلق عميق إلى تزامن هذا الهجوم على الأونروا والمؤسسات الأممية مع ضغوط مكثفة ضد الأمم المتحدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كان آخرها رسالة وجهها عشرة أعضاء في الكونغرس الأمريكي للأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تتضمن تهديداً مباشراً وصريحاً بوقف التمويل الأمريكي للأمم المتحدة، بسبب القرار الأخير الصادر عن الجمعية العامة بتبني الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في أغسطس/آب الماضي بشأن الآثار القانونية الناجمة عن الممارسات والسياسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والقاضي بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي.
وبينما نسمع كلمات الإدانة من المجتمع الدولي التي أثارها اعتماد الكنيست للتشريعين، فإننا نؤكد مجدداً على ضرورة ترجمة هذه الكلمات إلى تدابير فعالة وفورية وعملية لإجبار إسرائيل على الامتثال لالتزاماتها القانونية، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، وحظر توريد الأسلحة إلى إسرائيل، إلى جانب تقديم الدعم المستمر، بما في ذلك الدعم المالي، للأونروا.