فخامة الرئيس محمود عباس المحترم
رئيس دولة فلسطين
تحية طيبة وبعد،،
نهديكم خالص أمنياتنا بالتوفيق في المهام التي تضطلعون بها ولاسيما إعمال مبدأ سيادة القانون، وتحقيق العدل والحفاظ على الحقوق والحريات.
وبعد اطلاعنا على قراركم بقانون بشأن تعديل المحكمة الدستورية رقم (3) للعام 2006، وما تضمنه من تعديلات تود الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني الموقعة على هذه المذكرة أن تعبر عن بالغ قلقها من تجاهل المؤسسة الرسمية لأصوات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية الداعية إلى وقف هذا القرار الذي ترى فيه بسطاً لهيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وتحديداً السلطة القضائية، وبما لا ينسجم مع الأولويات الفلسطينية وبناء دولة القانون وتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات.
وبناءً على ما تقدم نبدي الملاحظات التالية:
1- بعد الاجتماع التشاوري الذي عقدته مؤسسات المجتمع المدني والهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان لمناقشة أبعاد وإنعكاس القرار في مقر الهيئة الفلسطينية المستقلة بتاريخ 29 حزيران وبحضور عدد من مفوضيها، اتفقت المؤسسات على ضرورة التأكيد على أن الوضع الفلسطيني الآن غير مؤهل لتأسيس وتشكيل المحكمة الدستورية نتيجة للانقسام الفعلي وعدم انجاز موضوع توحيد القضاء الفلسطيني في شطري الوطن، كما نؤكد على ان تأسيس المحكمة الدستورية يجب ان يأتي في اعقاب الانتهاء من الانتخابات التشريعية والرئاسية مأسسة الحياة الديمقراطية في فلسطين.
2- اسقاط حق الافراد بالدعوى المباشرة أمام المحكمة الدستورية:
بمقتضى نص المادة (12) من القرار بقانون، أسقط التعديل حق الأفراد في إقامة الدعوى الأصلية المباشرة أمام المحكمة استناداً إلى أحكام المادة (24) قانون المحكمة الدستورية، ما يعني حرمان الأفراد من التوجه لهذه المحكمة مباشرة في القضايا التي يرون فيها اعتداء أو مساسا بالحقوق والحريات.
ذلك أن تعزيز النظام الديمقراطي وتجسيد مبدأ المشروعية وسيادة القانون يقتضي أن يكون للأفراد حق مصان في التوجه لهذه المحكمة طلبا للعدالة والانتصاف، وليس هذا فحسب بل إن أنظمة الحكم القائمة على الشفافية والنزاهة والمؤمنة بفلسفة الحكم الرشيد تسعى الى تعزيز مشاركة الفرد الفاعلة في الرقابة على أداء السلطات المختلفة بل وتمنحه الوسائل والأدوات الكفيلة بضمان ممارسة هذا الدور بفاعلية من خلال المساءلة أمام القضاء.
كما أن حصر إقامة الدعوى أمام المحكمة الدستورية بالسلطات الفلسطينية الثلاث وممثلي الأحزاب أو المفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، يعني تعليق ممارسة الطعن على قناعة ورغبة هذه الجهات في الطعن، في غياب قانون للأحزاب ،ما يعني تعزيز وتكريس الانتقائية في الطعون التي قد ترفع لهذه المحكمة.
3- حصر صلاحية تعيين القضاة ورئيس المحكمة برئيس دولة فلسطين:
جاء في المادة الرابعة من القرار المعدل ( تعدل المادة الخامسة من القانون الأصلي لتصبح على النحو الآتي: يعين رئيس المحكمة وقضاتها بقرار من رئيس السلطة الوطنية بالتشاور مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل).
ويتضح بأن التعديل قد أسقط دور المجلس التشريعي ومؤسسات المجتمع المدني والجمعية العامة للمحكمة الدستورية في تنسيب تعيين القضاة ورئيس المحكمة، بحيث بات التعيين سواء لرئيس المحكمة أو للقضاة فيها قاصرا بشكل مطلق على قرار ورأي رئيس دولة فلسطين.
كما أن اختيار قضاة المحكمة الدستورية بما فيهم الرئيس من قبل رئيس دولة فلسطين بالتشاور مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل، قد عزز من هيمنة السلطة التنفيذية على هذه المحكمة، وليس هذا فحسب بل إن تفرد الرئيس بهذه الصلاحية سيفتح المجال مستقبلاً أمام محاباة القضاة للسلطة التنفيذية، وأيضا تأثير وقوة نفوذ السلطة التنفيذية على القضاة جراء استغلالها لصلاحية التعيين واختيار الرئيس ما يعني افقاد هذه المحكمة لدورها وقدرتها على التصدي الجاد لأعمال رئيس السلطة.
4- تجريد الجمعية العامة للمحكمة من صلاحية وضع نظامها الداخلي:
جاء في المادة السادسة من القرار تعدل الفقرة (1) من المادة (8) من القانون الأصلي لتصبح على النحو الآتي: ( تؤلف الجمعية العامة للمحكمة من جميع أعضائها وتختص بالإضافة الى ما نص عليه القانون باقتراح مشروع نظام داخلي ... يرفع لرئيس السلطة الوطنية للمصادقة عليه ...)
إلى جانب تفرد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بتعين القضاة ورئيس المحكمة، فقد تم أيضا سحب وإسقاط صلاحية الجمعية العامة للمحكمة بخصوص وضع وإصدار نظامها الأساسي، إذ أصبح رئيس السلطة الوطنية، كما يتضح من التعديل الجديد، شريكا للجمعية العامة للمحكمة في وضع النظام بل هو المالك لحق إقراره وبالتالي قد يمتنع عن المصادقة على أي نظام قد لا يروق للسلطة التنفيذية، أو قد يتم استغلال المصادقة كوسيلة ضغط وتأثير على المحكمة.
5- حصر صلاحية استبدال القضاة برئيس فلسطين:
جاء في المادة التاسعة من القرار تعدل المادة (14) من القانون الأصلي لتصبح على النحو الآتي:
"يقوم رئيس السلطة الوطنية كل اربع سنوات باستبدال ثلث أعضاء الهيئة العامة للمحكمة على التوالي بحيث لا تزيد عضوية أي منهم عن (12) سنة". وجاء في نص المادة (14) من قانون المحكمة الدستورية (1- تنتهي خدمة العضو حكماً إذا أكمل السبعين من عمره. 2- يسوى الراتب التقاعدي أو مكافأة العضو وفقاً لأحكام قانون التقاعد العام).
إن طريقة الاستبدال الواردة في القرار المعدل، قد منحت هذه الصلاحية بالمطلق لرئيس السلطة الوطنية، دون أي رأي أو قرار لجمعية القضاة أو رئيس المحكمة، وهي إضافة أيضا جديدة لنفوذ وتأثير رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على هذه المحكمة.
6- معايير ومواصفات قضاة المحكمة الدستورية:
يتضح من مضمون المادة الثامنة المتعلقة بمعايير اختيار قضاة المحكمة الدستورية إسقاط شرط الخبرة العملية لحملة الشهادات العليا في مجال التدريس المتخصص ما يعني فتح المجال أمام المحسوبية والمحاباة في اختيار القضاة.
إن مؤسسات المجتمع المدني والهيئة المستقلة وبالنظر لانعكاس هذه التعديلات السلبي على مكانة ودور واستقلال المحكمة الدستورية، بل وبالنظر لما تشكله هذه التعديلات من مخاطر على استقلال قضاتها وتبعيتهم للسلطة التنفيذية، تطالب بما يلي:
- ضرورة سحب هذا القرار والعودة عنه، لكون تطبيقه لن يؤدي الى إنشاء وتشكيل محكمة دستورية مستقلة.
- عقد مؤتمر وطني بحضور كافة الفاعلين في القطاعين الرسمي والأهلي لوضع استراتيجية وطنية لإصلاح وبناء قضاء فلسطيني مستقل.
- أن يأتي تشكيل المحكمة الدستورية كخطوة لاحقة لتوحيد القضاء الفلسطيني وإعادة الحياة الديموقراطية للمؤسسات الدستورية الفلسطينية من خلال إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
مع فائق الاحترام والتقدير،
المؤسسات:
-
- الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.
-
- مؤسسة الحق.
-
- الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون.
-
- مركز القدس للمساعدة القانونية.
-
- الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان
-
- مركز الميزان لحقوق الإنسان
-
- مركز حريات للحقوق المدنية.
-
- المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الاعلامية "مدى"