ورقة موقف صادرة عن مؤسسة الحق
"الحق" تطالب بالإفراج الفوري عن رئيس وأعضاء نقابة العاملين في الوظيفة العمومية
واحترام الحق في التنظيم النقابي والحق في الإضراب
تابعت مؤسسة الحق بقلق عميق قيام جهاز الشرطة باستدعاء رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية بسام زكارنه ونائبه معين عنساوي يوم الخميس 6/11/2014 واحتجازهما حتى صباح يوم الأحد 9/11/2014 ومن ثم عرضهما على النيابة العامة للتحقيق وتوقيفهما وتمديد توقيفهما بتهم من بينها الانتساب إلى جمعية غير مشروعة، وما رافقها من تطورات تمثلت بقيام جهاز الأمن الوقائي باحتجاز عضو النقابة محمد حسين مساء يوم السبت 8/11/2014 ومن ثم توقيفه، إضافة لقيام جهاز الوقائي باحتجاز العديد من أعضاء النقابة صباح يوم الأحد 9/11/2014 ولعدة ساعات على إثر وقفة احتجاجية جرت أمام مجمع المحاكم برام الله تضامناً مع رئيس النقابة ونائبه.
وترى مؤسسة الحق أن عمليات الاحتجاز التي جرت تشكل من حيث المبدأ مخالفة للضمانات القانونية في القبض والاحتجاز، وتندرج في إطار الاحتجاز التعسفي، حيث تنص المادة (11) من القانون الأساسي على أنه "لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأيّ قيد إلاّ بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون" وحيث أن عملية الاستدعاء والاحتجاز من قبل جهاز الشرطة قد جرت دون "أمر قضائي" فإنها تشكل احتجازاً تعسفياً وجريمة موصوفة في القانون الأساسي وقانون العقوبات النافذ، كما أن تأخر العرض على النيابة العامة لمدة جاوزت (24) ساعة تؤكد وقوع عملية الاحتجاز التعسفي، وبذات الوقت فإن خلفية عملية الاحتجاز المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية (الحق في التنظيم النقابي والإضراب) تعد أيضاً من حالات الاحتجاز التعسفي بتأكيد فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، وبالتالي فإن تلك الإجراءات في مواجهة زكارنه وعنساوي وغيرهم تنتهك المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية النافذ في دولة فلسطين والتي تعهدت بمقتضاه بعدم اعتقال أو توقيف أي فرد على نحو تعسفي.
كما أن قيام جهاز الأمن الوقائي باحتجاز العديد من أعضاء نقابة العاملين في الوظيفة العمومية لساعات خلال وقفة احتجاجية على توقيف رئيس النقابة ونائبه يشكل انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير وللحق في التجمع السلمي المكفولين في المواد (19، 26) من القانون الأساسي والمواد (19، 21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية النافذ في دولة فلسطين، بما يشكل أيضاً عملية احتجاز تعسفي وجريمة موصوفة في القانون الأساسي ومحظورة في الاتفاقية الدولية المذكورة.
وقد أكد القانون الأساسي في المادة (25/3) على أن التنظيم النقابي "حق" ينظم القانون أحكامه، وبما أنه لم يصدر أي قانون ينظم العمل النقابي في القطاع العام لغاية الآن، ولا يوجد أي قانون متوارث سار ينظم هذه المسألة، فهذا لا يلغي الحق الدستوري الذي يبقى قائماً وواجب الاحترام، لا سيما في ظل عدم وجود نصوص قانونية قد جرى مخالفتها للقول بأن نقابة العاملين في الوظيفة العمومية قد خالفت بممارسة عملها التنظيم النقابي أم لا أو أنها جسم قانوني أم لا!
فصاحب القول الفصل هنا هو القانون وحده، المُفترض به أن يُنظم هذا الحق الدستوري، وهو حقٌ يجب تمكين الأفراد من ممارسته بحرية بموجب القانون الأساسي والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبغياب القانون الناظم، فإن القول بعدم المشروعية القانونية لا أساس له في القانون، والأصلُ هو التمكين من ممارسة الحق وتسهيله، وأيّ تقييد يجب أن يرد بنص صريح في القانون، ولا يخالف القانون الأساسي والعهد المذكور، ولا يفرغ الحق من مضمونه، وإلاّ فهنالك انتهاك مؤكد. والنقابة المذكورة لا تتحمل وزر تقصير المشرّع في تنظيم العمل النقابي.
وهذا الفراغ في التنظيم القانوني النقابي ينسحب على العمل النقابي عموماً، فمشروع قانون النقابات لا زال في أدراج المجلس التشريعي منذ عام 2003 وكذلك الحال بشأن مشروع قانون النقابات العمالية منذ العام 2004، والقانون الوحيد الذي أقره المجلس التشريعي متعلق بالمحامين النظاميين إضافة إلى بعض القوانين الموروثة من فترة الخمسينات والستيانات لبعض النقابات المهنية والصحية، ولا يوجد قانون ينظم النقابات عموماً، وهذا الفراغ في الإطار القانوني الناظم للعمل النقابي لا يُعفي دولة فلسطين من التزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقانون الأساسي بتمكين الأفراد من حقهم في تكوين النقابات وممارسة عملها بحرية.
وإذا كانت نقابة العاملين في الوظيفة العمومية غير مشروعة فكيف جلست الحكومات الفلسطينية المتعاقبة وممثليها معها، وعلى أي أساس عقدت سلسلة لقاءات تحاورية معها، وكيف أبرمت معها اتفاقيات وتفاهمات موقعة من قبل الجانبين، وكيف جلس وتحاور معها نواب المجلس التشريعي الفلسطيني وعقدوا جلسة برلمانية وقتئذ لهذه الغاية، ومن ثم ما الذي استجد بعد كل ذلك على صعيد المشروعية القانونية للقول بأن نقابة العاملين في الوظيفة العمومية باتت غير مشروعة!
كما أن القانون الأساسي يؤكد في المادة (25/4) على أن "الحق" في الإضراب يمارس في حدود القانون، وأن دولة فلسطين قد تعهدت بموجب المادة (8/1/د) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية النافذ بأن تكفل "الحق" في الإضراب وممارسته وفقاً للقانون، وحيث أن أية ضوابط ترد على الحقوق المكفولة في هذا العهد، بما فيها الحق في الإضراب، يجب أن لا تُفرّغ الحق من مضمونه، وفقاً لما أكدته التوصيات العامة للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والممارسات الدولية وما يقوم عليه "الفحص ثلاثي الأجزاء" الخاص بالضوابط التي ترد على تلك الحقوق وتطبيقاتها على صعيد التجارب والأحكام القضائية الدولية، فإن القرار بقانون رقم (5) لسنة 2008 بشأن تنظيم ممارسة حق الإضراب في الخدمة المدنية والذي نص على تطبيق أحكام قانون العمل المتعلقة بالإضراب في المرافق العامة على قانون الخدمة المدنية واشترط أن يكون التنبيه الكتابي بالإضراب موقعاً من 51% من عدد العاملين على الأقل ومنح الحكومة صلاحيات تمكنها من وقفه تحت عناوين فضفاضة، من شأنه أن يفرغ حق الإضراب من مضمونه، ويجعل تنفيذه في حكم المستحيل من الناحية العملية، بما يؤدي إلى انتهاك الحق في الإضراب المكفول في القانون الأساسي وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي التزمت به دولة فلسطين.
وبناء على ما سبق، فإن مؤسسة الحق وإذ تؤكد على موقفها هذا فإنها تطالب بما يلي:
- الإفراج الفوري عن كافة المحتجزين تعسفياً من نقابة العاملين في الوظيفة العمومية والعمل على محاسبة كل من شارك أو نفذ عملية الاحتجاز التعسفي حسب قواعد الاشتراك الجرمي، لانتهاكهم أحكام القانون الأساسي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية النافذ في دولة فلسطين.
- احترام الحق في التنظيم النقابي والحق في الإضراب المكفولين في القانون الأساسي الفلسطيني والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية النافذ بدولة فلسطين، وتنظيم القواعد والإجراءات القانونية الكفيلة بتمتع الأفراد بتلك الحقوق وحرية ممارستها وفقاً للمعايير الدولية، وكفالة حسن سير المرافق العامة "بالتكامل" مع كفالة احترام تلك الحقوق ودون انتقاص منها، خاصة وأن دولة فلسطين وهي طرف في هذا العهد قد تعهدت باتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية الكفيلة بضمان تمتع جميع الأفراد بكامل الحقوق الواردة والمعترف بها في هذا العهد الدولي ودون تمييز.
- إلغاء القرار بقانون رقم (5) لسنة 2008 بشأن تنظيم ممارسة حق الإضراب في الخدمة المدنية كونه يفرغ الحق في الإضراب المكفول والمعترف به في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية من مضمونه، بما يخالف أحكام هذا العهد والقانون الأساسي الذي أكد على هذا الحق.
- تؤكد مؤسسة الحق بأنها ستستمر في رصد متابعة كافة الإجراءات والتدابير التشريعية وغير التشريعية بشأن الحق في التنظيم النقابي والحق في الإضراب، وفي رصد أوجه الانتهاكات على هذا الصعيد، وستقوم بإدراجها في الأماكن المخصصة لها في التقارير الموازية على العهدين الدوليين.
- انتهى-