كشفت تحقيقات مؤسسة الحق الميدانية عن أن قوات الاحتلال كان بإمكانها تجنب قتل فلاح أبو مارية، وعدم إيذاء أي من أفراد عائلته، ذلك أن الجنود كان بإمكانهم منذ البدء عدم اللجوء لاستخدام الذخيرة الحية، والتعامل بهدوء ووفقا للمعايير القانونية الدولية مع سكان البيت، الذين لم يعارضوا دخولهم للبيت من حيث المبدأ، ولكن طلبوا منهم التريث كي تتمكن النساء من ارتداء ملابسهن. كما توصلت التحقيقات إلى أن تصرُّف الجنود العنيف كان السبب الرئيسي وراء ما حدث.
وكانت قوات الاحتلال قد أطلقت النار باتجاه فلاح أبو مارية البالغ من العمر 53 عامًا وقتلته في شرفة بيته الكائن في حي قاع الحارة في قرية بيت أمر الواقعة إلى الشمال من مدينة الخليل في وقت مبكر من صباح يوم الخميس الموافق 23/7/2015، بعد مداهمتها للبيت.
وفي التفاصيل، ووفقًا لشهادات شهود العيان، ومنهم حيدر أبو مارية، ابن فلاح أبو مارية، فإن قوة من جنود الاحتلال داهمت بيت العائلة، عند الساعة الثالثة تقريبًا من فجر ذلك اليوم، حيث قام الجنود بالطرق بقوة على باب بيت درج البناية المكونة من ثلاثة طوابق، وكان محمد أبو مارية، أحد أولاد فلاح أبو مارية الذي يقيم مع والده في الطابق الأول ويبلغ من العمر 24 عامًا، أول من وصل إلى باب البناية ليفتح الباب للجنود. وبعدما قام محمد بفتح الباب طلب من الجنود، الذين يقدر عددهم بعشرة، باللغة العربية، الانتظار قليلًا قبل الدخول للبيت كي يتسنى لمن في البيت، وخصوصًا النساء، التهيؤ وارتداء ملابسهن، ولكن عنف الجنود وإصرارهم على الدخول فورًا أدى لوقوع مشادّة كلامية بينه وبين الجنود. فتراجع محمد على الدرج حتى الدرجة العاشرة تقريبًا، وقام باعتراض طريق الجنود، وذلك بالإمساك بدربزين الدرج بيده اليمنى ووضع ذراعه اليسرى على حائط بيت الدرج.
كان حيدر في تلك الأثناء يقف في أعلى "الشاحط" الأول من الدرج، وكان يشاهد ما يجري بين محمد وبين الجنود، كما كان أخوه نبيل يقف خلف محمد مباشرة، وكان والدهم فلاح يقف خلف نبيل على الدرج. صاح حيدر على الجنود باللغة العبرية، وقال لهم أنهم سيأخذوا ما يريدون، ولكن عليهم الانتظار قليلاً. لم يستجب الجنود لمطلب محمد وحيدر، واستمروا بالتعامل بعنف، وقام أحدهم بإطلاق رصاصتين بشكل مباشر باتجاه محمد، أصابتاه في خاصرته. قام الجنود بعد ذلك بالخروج من بيت الدرج إلى ساحة أمام البناية فورًا.
بعد إصابة محمد ورؤية والده للدماء تسيل منه قام الوالد بالذهاب إلى شرفة الطابق الأوسط الذي يقيم فيه، والتي تطل على ساحة البيت، وأخذ يستغيث بسكان القرية للمساعدة. كان الجنود في تلك الأثناء يتراجعون في ساحة العمارة، ويطلقوا النار في الهواء، وقد أصابت خمس رصاصات تقريبًا جدار البناية. قام الوالد في هذه الأثناء بإلقاء وعاء ورد، وبلاطتين باتجاه الجنود المتواجدون في ساحة العمارة. فقاموا بإطلاق النار باتجاهه فأصيب بثلاث رصاصات في صدره، وقد أعلن نبأ استشهاده عند الساعة الرابعة تقريبًا من فجر ذات اليوم. وقد حدث كل هذا خلال فترة تتراوح بين خمس إلى عشر دقائق.
ووفقًا للتحقيقات فقد تعرض جنود الاحتلال للرشق بالحجارة من قبل شبان أثناء مغادرتهم للمنطقة، بعد قيامهم بقتل أبو مارية.
استناداً لما ورد أعلاه من سرد للوقائع، فإن "الحق" توصلت للاستنتاجات التالية:
- إن جنود الاحتلال داهموا بيت العائلة بشكل مستفز، وكان بإمكانهم الدخول للبيت بشكل هادئ، وتحاشي وقوع أي صدام بينهم وبين أفراد العائلة، وكان عليهم احترام حرمة البيت وعدم التعامل بعنف والانتظار قليلًا لإعطاء فرصة للنساء لارتداء ملابسهن وتهيئة الأطفال، وخصوصًا أن أفراد العائلة لم يعارضوا دخول الجنود من حيث المبدأ، وهذا واضح من مضمون المشادة التي وقعت بين محمد وحيدر من جهة وبين الجنود من جهة أخرى، وأن حيدر تحدث إليهم باللغة العبرية.
- إن إطلاق النار باتجاه محمد لم يكن مسوغًّا ضمن المعطيات المذكورة، ذلك أن حياة الجنود لم تكن معرّضة للخطر، وأن محمد نفسه كان يمسك بكلتا يديه بالدربزين والحائط، في حين كان أفراد العائلة الآخرين خلفه، أي أنه لم يستخدم يديه في مواجهة الجنود خلافًا لما تدعيه الرواية الإسرائيلية من أن الجنود تعرضوا للعنف داخل البيت.[1]
- لو لم يكن جنود الاحتلال عنيفين عند دخولهم البيت ولم يقوموا بإطلاق النار باتجاه محمد، لما أثاروا خوف الوالد وغضبه وقلقه على ابنه، ولما أجبروه على الخروج إلى الشرفة للاستغاثة، وقذف أواني الورد باتجاههم تحت تأثير التوتر والخوف والغضب.
- يتبين من سياق الأحداث أن قيام الوالد بإلقاء أواني الورد والبلاطتين باتجاه الجنود كان ناجمًا عن خوفه وقلقه على ولده، وفقدانه لأعصابه وغضبه. وقد كان بإمكان الجنود أن يواصلوا تراجعهم للخلف في ساحة البيت لحماية أنفسهم، دون إطلاق النار باتجاهه مباشرة، وخصوصًا أن أي رجل طبيعي لن يستطيع أن يقذف بآنية ورد متوسطة الحجم لمسافة بعيدة مهما كانت قوته الجسدية، أضف إلى ذلك أن أيًا من الجنود لم يصب نتيجة قذف الوالد لأواني الورد والبلاطتين باتجاههم.
- تعرض الجنود للرشق بالحجارة بعد قتل فلاح أبو مارية، وبعيدًا عن بيته، خلافًا لما يدعيه الناطق بلسان جيش الاحتلال من أن الجنود عندما غادروا البيت "تعرضوا لإلقاء الحجارة والطوب فاضطروا لاستخدام الاسلحة النارية لتفريق المشاغبين مما ادى الى اصابة احدهم بجروح ثم توفي متأثرا بها،"[2] والإشارة هنا لفلاح أبو مارية.
يذكر أن جنود الاحتلال اعتادوا على دخول المنازل بطريقة عنيفة ومستفزة، ودون احترام للمعايير القانونية الدولية في هذا الصدد، وهذا يؤدي لاستفزاز السكان وجرهم لمشادات مع الجنود تؤدي أحيانًا لوقوع إصابات أو شهداء فلسطينيين. كما أن تصرفات الجنود تشير إلى استخفافهم بحرمة المنازل وسلامة ساكنيها وحياتهم، وأن عدم قيام سلطات الاحتلال بالتحقيق النزيه في الحوادث المشابهة ومحاسبة المدانين شجع الجنود على التمادي بانتهاكاتهم.
يذكر كذلك أن أبو مارية هو الشهيد العشرين في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ بداية العام وحتى تاريخ استشهاده، وهو الشهيد الثالث خلال شهر تموز الحالي حتى تاريخ استشهاده.
انتهى