القائمة الرئيسية
EN
الجوع ونقص الدواء يهددان حياة سكان مدينة غزة وشمالها ما يؤكد إصرار دولة الاحتلال على ارتكاب جريمة إبادة جماعية
26، يونيو 2024

ترفع مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية صوتها عالياً للتحذير مجدداً من استمرار دولة الاحتلال الإسرائيلي في التنصل مما ألزمتها به محكمة العدل الدولية من تدابير عاجلة مؤقتة في إطار نظرها في القضية المرفوعة من جنوب أفريقيا، حيث تستمر دولة الاحتلال بتقييد دخول المساعدات الطبية والغذائية لمدينة غزة وشمالها وتعميق معاناة الفلسطينيين الناتج عن النقص الحاد والخطير في الأدوية والمعدات الطبية مقروناً بسياسة التجويع والتعطيش التي باتت نهجاً لما يزيد عن ثمانية أشهر من الهجوم العسكري المستمر.

كما تؤكد مؤسساتنا أن دولة الاحتلال تعمل منذ السابع من أكتوبر 2023 في منأى عن أي معيار قانوني وتمارس الانتهاكات بشكل صارخ للقوانين الدولية الملزمة، وتضرب بعرض الحائط قرارات محكمة العدل الدولية، وتصر على ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة بعدما حوّلت منازلهم إلى كومة ركام وقتلت عشرات الآلاف منهم، وتسببت في انهيار متعمد للمنظومة الصحية لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، مستخدمة ً التجويع والتعطيش والحرمان من الدواء أداةً لدفع نحو 1.9 مليون عبر سلسلة أوامر عسكرية أدت لتهجير الفلسطينيين قسرًا  ولم تتوقف منذ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حتى أصبح  ثلثا سكان غزة محصورون  في منطقة تبلغ مساحتها 69 كيلومتراً مربعاً، تشكل خُمس مساحة قطاع غزة.

تذكر مؤسساتنا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لها تاريخٌ طويلٌ في استخدام الجوع أداةً حربيةً لتحقيق أهدافها، فهي صاحبة الإجراء غير المسبوق في احتساب الحد الأدنى لاستهلاك سكان القطاع من السعرات الحرارية للبقاء على قيد الحياة، خلال حصارها المستمر منذ أكثر من 17 عاماً، وفي ذات السياق وبوتيرة غير مسبوقة تستمر هذه السياسة خلال الهجوم العسكري الحالي. ولم يُخفِ قادة دولة الاحتلال ونخبها النية المسبقة لاستخدام التجويع سلاحاً وعن سابق إدراك عبر أهم تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت بأنّ منع الغذاء والماء هو جزءٌ من العملية العسكرية. 

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (الأوتشا)، ما تزال القيود المفروضة على القطاع تحول دون إيصال المساعدات والخدمات الإنسانية الأساسية في شتى أرجاء غزة، بما يشمل تقديم المساعدات الغذائية والرعاية الطبية والحماية وخدمات المياه والصرف الصحي لمئات الآلاف من الناس. كذلك أعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن نقص حاد في الإمدادات الطبية داخل المرافق التي تدعمها في قطاع غزة، موضحةً أنها تنتظر السماح بإدخال ست شاحنات محملة بـ 37 طنًا من الإمدادات الطبية الأساسية، وهي ما تزال عالقة منذ 14 يونيو/حزيران على الجانب المصري من معبر كرم أبو سالم، ولا يمكن إدخالها إلى غزة حيث تشتد الحاجة إليها لإنقاذ حياة المدنيين.

وتتعمد القوات المحتلة التضيق على جهود المنظمات الإغاثية الدولية وقتل العشرات من العاملين فيها، ما ساهم في خلق أزمة جوع مستمرة لم تتوقف في قطاع غزة، تصاعدت خلال شهري فبراير ومارس 2024، وتفاقمت في شهر يونيو/حزيران بسبب تشديد الحصار على مدينة غزة وشمالها بعد عمليات عسكرية مركزة في مخيم جباليا وحي الزيتون.

وأفاد المواطن شادي سلمان عبد القادر أبو شملة، 46 عاماً، من سكان بلدة بيت حانون، شمال قطاع غزة، لباحثينا بما يلي: "قمت بالنزوح برفقة زوجتي وأطفالي الخمسة عدة مرات داخل مناطق شمال قطاع غزة كان آخرها في مدرسة بمخيم جباليا. منذ بداية العدوان، لم تتوقف معاناتنا من نقص المواد الغذائية بجميع أصنافها، إلا أننا نعيش منذ بداية شهر مايو أصعب الظروف ولا نستطيع تأمين ما يسد رمق جوعنا، حيث لا يتوفر في الأسواق أي من اللحوم الحمراء أو البيضاء، وجميع أصناف الفواكه والخضار باتت مفقودة كلياً. وبعد توقف إدخال المساعدات الغذائية التي يغلب عليها الدقيق والمعلبات، تضاعفت أسعار الموجود منها بشكل كبير ولا يمكنني شرائها لعدم وجود مصدر رزق. تسبب ذلك بإصابة جميع أفراد عائلي بأعراض سوء التغذية الحاد، إضافة ً إلى إصابتنا بالأمراض المعدية على فترات سابقة، وكثيراً ما نتردد إلى مستشفى كمال عدوان دون الحصول على العلاج المناسب نتيجة اكتظاظه بالمرضى وعدم توفر الأدوية والفيتامينات، وأخشى بشكل كبير على أبنائي الصغار من تفاقم حالتهم إذا ما استمر الحال هكذا". 

ووفق متابعة مؤسساتنا، تكافح المستشفيات في مدينة غزة وشمالها للحفاظ على خدماتها الصحية لما لا يقل عن (350) ألف نسمة، مع مولدات كهربائية متضررة بشدة، وضعف امدادات المياه والغذاء الوقود، وتضرر شبكات الصرف الصحي، وطاقة سريرية قدرها (200) سريراً فقط تُمثل أقل بكثير من المعيار العالمي المعتمد*، حيث يعمل مستشفى كمال عدوان بنسبة (30%) ومستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بنسبة (70%)، مع افتقارهما إلى العديد من الخدمات المتخصصة، واعتمادها على طواقم طبية أقل خبرة، وقدرات محدودة رغم اكتظاظهما بالمرضى والمصابين.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (الأوتشا) ومنذ بداية العام 2024، لم يتم تلبية سوى (26%) من الاحتياجات المطلوبة من الأدوية والإمدادات الطبية للسكان في مدينة غزة وشمالها، ولا يتمتع سوى (120) من بين (353) مأوى رسمي وغير رسمي للنازحين من إمكانية الوصول إلى النقاط الطبية، وذلك مع عجز بنسبة (60%) من قائمة الأدوية الأساسية في مراكز الرعاية الأولية بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة.

يجتمع هذا الوضع الكارثي مع ما يواجهه سكان مدينة غزة وشمالها من تحديات جمة للحصول على الخدمات الأساسية، وانعدام تام للأمن الغذائي نتيجة فقدان أهم الأصناف والعناصر الغذائية الصحية، ووسط انخفاض شديد في إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب، حيث أصبح مستوى إمداد المياه في قطاع غزة يصل إلى 7 في المائة مقارنة بمستواه قبل أكتوبر/تشرين الأول، وبلغ الإمداد اليومي للفرد الواحد 1.5 لتر فقط، وهو معدل أقل من الحد الأدنى المعترف به دولياً البالغ ثلاث لترات في اليوم الواحد، وأقل بكثير من الحد الأدنى اللازم لأغراض الشرب والغسيل والطهي في حالات الطوارئ والبالغ 15 لتراً يومياً للفرد.

ويزيد عدم القدرة على توفير الخدمات الصحية بشكل آمن، مصحوباً مع نقص المياه النظيفة وغياب البنية الأساسية للصرف الصحي، من تفاقم أخطار سوء التغذية الحاد وتفاقم أزمة الجوع في غزة، حيث جرى تشخيص ما يزيد عن 8 ألاف طفل دون سن الخامسة بسوء التغذية الحاد، وذلك مع إعاقة الوضع الأمني لجهود تحديد حالات سوء التغذية لدى الأطفال. وكانت منظمة اليونيسف حذرت أن ما يقارب من 3 ألاف طفل كانوا يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد في جنوب قطاع غزة، فقدوا إمكانية الوصول للخدمات المنقذة للحياة بسبب نزوحهم مع تضاؤل إمكانية تلقيهم العلاج، حيث لا يعمل سوى مركزي تحقيق استقرار لحالات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد أحدهما في شمال غزة والآخر في دير البلح. وفي الأسبوع الأخير تم تسجيل أعراض متعددة لسوء التغذية لدى أكثر من (250) طفل في مستشفى كمال عدوان بشمال غزة، بالإضافة إلى تسجيل (5) حالات وفاة لأطفال بسبب الجوع خلال هذه الفترة بحسب ما أفاد مدير المستشفى لباحثي مؤسساتنا.

ويشير أحدث تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي عن غزة إلى أن 96 بالمئة من السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد عند مستويات الأزمة أو أعلى، مع وجود ما يقرب من نصف مليون شخص في ظروف كارثية.

وأفاد المريض إبراهيم أحمد عبد الله، 31 عاماً، سكان حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، لباحثينا بما يلي: "فقدت خلال ثمانية شهور من الحرب الكثير من وزني بسبب معاناتي كباقي السكان في شمال قطاع غزة من نقص المواد التموينية، وكانت معاناتنا كمرضى ثلاسيميا مضاعفة بسبب حاجتنا للتغذية الصحية والدواء المزمن والمتابعة الطبية الحثيثة، وهو ما لم نحظ به مع تشديد الحصار وتوقف عمل المستشفيات ونزوح الأطباء المتخصصين إلى جنوب القطاع. منذ شهر مايو بدأت جميع الأصناف الغذائية بالتلاشي في الأسواق المحلية، فما يتوفر الآن هو الدقيق الذي يسد جوعنا وهو غير كافٍ، حيث فقدت منذ بداية الحرب 23 من زملائي مرضى الثلاسيميا نتيجة انعدام الخدمات الصحية وسوء التغذية، وعدم توفر المياه الصالحة للشرب. خلال الشهور الماضية لم تتجاوز نسبة الهيموغلوبين عندي الرقم 7، بعد أن كانت لا تقل عن 9 قبل الحرب، ما يجعلني بحاجة لعمليات نقل دم بشكل أكثر من السابق، وأكبر التحديات التي أواجها الآن هي صعوبة توفير وحدات الدم كون أغلب المتبرعين يعانون من ضعف الدم بسبب سوء التغذية، هذا غير المعاناة الناتجة عن فقدان أدويتنا المتخصصة والفيتامينات اللازمة لبقائنا على قيد الحياة وضمان عدم تراكم الحديد في أجسامنا".

تؤكد مؤسساتنا أن المجاعة بمدينة غزة وشمالها وصلت لمستويات خطيرة بحرمان السكان الفلسطينيين من فرص النجاة والاستشفاء بعد تقييد دخول الأدوية والمعدات الطبية، ما يعتبر مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني الذي يضع على عاتق السلطة القائمة بالاحتلال وحدها مسؤولية تأمين وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان القابعين تحت سيطرتها وليس فقط السماح بدخولها.

 

وفي ضوء ما سبق فإن مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية:

 

  • تطالب المجتمع الدولي إجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وفرض وقف إطلاق النار لكبح انتشار المجاعة في قطاع غزة، وإلزامها بصفتها قوة احتلال الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التي فرضت تدابير مؤقتة لوقف الممارسات التي تندرج ضمن مفهوم جريمة الإبادة الجماعية.
  • تشدد على التزام الدول الأطراف الثالثة بمسؤوليتها القانونية لوضع حد لحصانة دولة الاحتلال وذلك من خلال وقف تزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الابادة الجماعية، وذلك بتأييّد ما جاء في مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الصادرة بتاريخ 20 مايو، التي أوردت تهمة تعمد عرقلة دخول المواد الاغاثية لإدانة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ووزير الدفاع "غالانت".
  • تدعو الأطراف المتعاقدة على اتفاقيات جنيف الرابعة إلى التدخل لوقف انتهاك القوات المحتلة القوانين الدولية دون أي رادع، وأهمها المواد (33) – (55) – (59) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تُلزم سلطات الاحتلال بأن لا تتخذ من منع المواد الغذائية والمياه والمستلزمات الطبية بأي حالٍ من الأحوال شكلا من أشكال العقاب الجماعي ضد المدنيين والمدنيات، وهو ما يعني حظر استخدام التجويع كأداة حرب، كذلك حظر القانون الدولي إتلاف المواد الضرورية التي لا يستغني عنها السكان في المناطق المحتلة.
  • تُحذر من أن السياسة التي تتبعها دولة الاحتلال حالياً بحق سكان مدينة غزة وشمالها، هي مقدمة لدفع آلاف المدنيين مجدداً للنزوح جنوباً بدافع الجوع والظروف المعيشية القاسية، حيث بات ذلك سلوكاً اعتادت القوات المحتلة انتهاجه قبل جميع قرارات السماح بنزوح المدنيين إلى مناطق وسط وجنوب قطاع غزة، لاستكمال مخطط الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
  • تدعو منظمات الأمم المتحدة المختصة ولجنة مراجعة المجاعة (FRC) إلى إعلان مدينة غزة وشمالها منطقة مجاعة لوضع جميع دول العالم أمام مسؤولياتها في ممارسة الضغط لمنع الوصول إلى كارثة إنسانية.
 

* توصي منظمة الصحة العالمية بما لا يقل عن 2.3 سرير لكل 1000 نسمة لنظام رعاية صحية يعمل بشكل جيد في الظروف العادية.