مع استكمال الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة شهره الثامن، تمعن قوات الاحتلال في قصف مراكز الإيواء والمنازل على رؤوس ساكنيها وتستمر في اقتراف جرائم قتل جماعي، في وقت لا يزال المجتمع الدولي عاجزاً عن إجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية أو الامتثال لقواعد القانون الدولي.
وترى مؤسساتنا أن استمرار إسرائيل في عدوانها لليوم الـ 244 على التوالي وتجاهلها المطالبات بوقف الإبادة الجماعية في غزة، هو نتيجة لاستمرار سياسة الإفلات من العقاب وتواطؤ بعض دول العالم الغربي في الانتهاكات الجسيمة بحق الشعب الفلسطيني من خلال تزويدها قوات الاحتلال بالسلاح والذخائر وتعطيل أي قرارات في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار.
واستكمالا لما تقترفه قوات الاحتلال من جرائم كان أبرزها خلال اليومين الماضيين وفق ما وثقه باحثونا ما يلي:
في حوالي الساعة 1:36 فجر الخميس/ 6 يونيو/حزيران الجاري، قصفت طائرات الاحتلال، بأربعة صواريخ على الأقل مدرسة "ذكور النصيرات الإعدادية د"، التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين "أونروا" بمخيم 2 في النصيرات وسط قطاع غزة، والتي تأوي 1500 عائلة تضم آلاف النازحين والنازحات. أصابت الصواريخ بشكل مباشر المبنى الجنوبي من المدرسة الذي يضم مكتب الإدارة ومختبر الحاسوب وفصول دراسية مخصصة لإيواء الذكور من النازحين، واخترقت سطح الطابق الثاني والأول بشكل مباشر، ما ألحق أضراراً بعدة فصول دراسية، وأدى إلى دمار شبه كلي في المبنى المكون من 3 طوابق، كما تضررت خزانات المياه بشكل كلي. أسفر القصف عن استشهاد أكثر من 36 فلسطينيا، بينهم عدد من الأطفال، وإصابة عشرات آخرين بجروح منهم نساء وأطفال، نقلوا إلى مستشفى العودة في النصيرات ومستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، ووصفت حالة عدد من الجرحى بأنها حرجة، ما يعني أن حصيلة الضحايا مرشحة للارتفاع. استشهد أحد السكان جراء الدمار الذي لحق بمنزل مجاور للمدرسة المستهدفة. كما لحقت أضرار بالعديد من المنازل وخمس مركبات في المنطقة.
وفي حوالي الساعة 4:00 فجر اليوم نفسه، قصفت طائرات الاحتلال بصاروخ واحد منزل محمد يوسف حسين في بلوك 2 بمخيم النصيرات، والمكون من ثلاث طبقات. أسفر ذلك عن استشهاد 8 من سكانه، بينهم 3 أطفال وامرأتان.
ومنذ حوالي الساعة 4:00 مساء الثلاثاء 4 يونيو/حزيران الجاري، كثفت قوات الاحتلال قصفها الجوي والمدفعي شرقي البريج والمغازي ودير البلح وسط قطاع غزة، بما في ذلك قصف عدد من الأبراج والبنايات السكنية قبيل بدء تنفيذها هجومًا بريًّا شرقي وسط القطاع. واضطر عشرات الآلاف للنزوح قسرًا باتجاه غرب دير البلح والنصيرات. واستخدمت قوات الاحتلال طائرات مسيرة صغيرة الحجم (كواد كابتر) لإطلاق النار تجاه السكان خلال نزوحهم. وأسفر القصف الذي استهدف منازل وتجمعات للنازحين في وسط قطاع غزة منذ الساعة 10:00 صباح الثلاثاء حتى الساعة 12:00 ظهر الأربعاء 5 يونيو/حزيران الجاري، عن سقوط 78 شهيدًا، بينهم 8 أطفال و10 نساء.
وبالتزامن مع القصف الجوي والمدفعي، عادت دبابات وآليات الاحتلال للتقدم صباح الأربعاء من شرقي دير البلح وتتمركز شرقي شارع صلاح الدين بمسافة 50 متر تقريبا في شارع الجعفراوي وأبو العجين شمال بلدة القرارة شمال خانيونس مع إطلاق النار تجاه من يتحرك من خانيونس إلى وسط القطاع.
وفي حوالي الساعة 7:40 مساء الأربعاء قصفت طائرات الاحتلال منزلاً لعائلة الهور في مخيم البريج، دون إنذار مسبق، ما أدى إلى سقوط 5 شهداء.
ويتعذر على باحثينا توثيق جميع الانتهاكات الجسيمة لقوات الاحتلال في مناطق التوغل والاستهداف، حيث تردنا معلومات أولية عن وقوع المزيد من الضحايا. ارتفع إجمالي الشهداء منذ صباح الثلاثاء حتى فجر اليوم الخميس إلى 141 شهيدًا وأكثر من 380 إصابة في وسط القطاع خلال 24 ساعة، وفق ما أفاد به الناطق باسم مستشفى شهداء الأقصى لباحثينا.
وتمثل هذه الأعداد الكبيرة من الشهداء والجرحى عبئًا إضافيا على المنظومة الصحية المنهارة، إذ يعمل مستشفيان فقط وسط القطاع، أكبرهما مستشفى شهداء الأقصى (حكومي)، والذي أعلنت وزارة الصحة مساء الأربعاء، 4 يونيو/حزيران 2024، خروج أحد مولدات الكهرباء فيه عن العمل، مما يُنذر بوقوع كارثة إنسانية قد يذهب ضحيتها عشرات الجرحى والمرضى والأطفال الخُدّج المُنوّمين في غرف العناية الفائقة وتحت أجهزة التنفس الصناعي التي تعمل على التيار الكهربائي. ويتلقى العلاج في المستشفى أكثر من 700 جريح ومريض، وهو يخدم أكثر من مليون إنسان ونازح في المحافظة الوسطى. أما المستشفى الآخر فهو مستشفى العودة (أهلي) وهو مستشفى صغير وخُصص لحالات الولادة، وأحيانا يستقبل بعض الإصابات في قسم الطوارئ ومن ثم تُحول إلى مستشفى الأقصى.
ويتواصل في هذه الأثناء الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على رفح، جنوب قطاع غزة، بما في ذلك القصف والتدمير، وذلك على الرغم من قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 24 مايو/أيار بوقف الهجوم وفتح معبر رفح. وما زال سقوط الضحايا بين المدنيين والمدنيات في رفح مستمرا في وقت خلت المدينة تقريبًا من غالبية سكانها والنازحين الذين لجؤوا إليها منذ بدء العدوان. وقد أخليت معظم مراكز الإيواء التابعة للأونروا في رفح، مع انتقال نحو مليون نازح خلال الشهر الماضي إلى خانيونس ودير البلح. ووفقا لمنظمة أوكسفام، يقدر الآن أن أكثر من ثلثي سكان قطاع غزة متكدسين في منطقة تبلغ مساحتها 69 كيلومترا مربعًا – أي أقل من خمس قطاع غزة.
ووفق آخر تحديث لوزارة الصحة ظهر اليوم الخميس، 6 يونيو/حزيران 2024، ارتفعت حصيلة العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة إلى 36,654 شهيدا/ة، و83,309 إصابة منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، فيما لا يزال الآلاف مفقودون أو تحت الأنقاض.
وحتى وقت إعداد هذا البيان، تواصل قوات الاحتلال قصفها الجوي والبري والبحري على جميع أنحاء قطاع غزة، ما يُوقع مزيداً من الضحايا ويتسبب بتدمير المباني والبنى التحتية، مع استمرار معاناة مئات آلاف النازحين والنازحات جراء انعدام مقومات الحياة وتوقف المساعدات وانهيار النظام الصحي.
نجدد دعوتنا للمجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإلزامها بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التي فرضت تدابير مؤقتة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. كما نطالب الدول الأطراف الثالثة بالالتزام بمسؤوليتها القانونية لوضع حد لحصانة دولة الاحتلال وذلك من خلال وقف تزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية.