تهديكم مؤسسة الحق أطيب التحيات، وتثمن حرص دولتكم على النهوض بواقع حقوق الإنسان في فلسطين، وقد عقدت مؤسسة الحق آمالاً كبيرة على انضمام دولة فلسطين للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، باعتبارها خطوة هامة على صعيد تعزيز حالة الحقوق والحريات العامة وبناء دولة القانون والمؤسسات، وركيزة أساسية لدعم صمود أبناء شعبنا في مواجهة الجرائم العنصرية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.
إننا نشعر بقلق كون أن المواطن الفلسطيني لم يلمس لغاية الآن أثر هذا الإنضمام على أرض الواقع، بفعل استمرار حالة التراجع في واقع حقوق الإنسان، سواء على المستوى التشريعي من خلال إصدار عدد من التشريعات الاستثنائية بعيداً عن النقاش المجتمعي ولم تعكس أولويات واحتياجات المجتمع وخالفت أحكام القانون الأساسي والمعايير الدولية في جوانب عديدة، أو على المستوى التطبيقي بارتفاع وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان على أرض الواقع في ظل ضعف المساءلة وسبل الانتصاف وضعف الثقة بمنظومة العدالة، وما أدى إليه هذا الواقع من زيادة الإحباط بين المواطنين، وبخاصة فئة الشباب التي تمثل الشريحة الأكبر في المجتمع
دولة رئيس الوزراء
إننا في مؤسسة الحق، وإذ نعتذر بداية على تأخر التواصل مع دولتكم بشأن قرار بقانون الجرائم الإلكترونية رقم (16) لسنة 2017 المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 9/7/2017 فإننا نعبر لدولتكم عن قلقنا البالغ من استمرار العمل بالقرار بقانون المذكور، الذي جرى إقراره ونشره دون مشاركة مؤسسات المجتمع المدني، رغم ارتباطه الوثيق بالحقوق والحريات العامة واحتوائه على العديد من النصوص والأحكام التي تشكل انتهاكاً للحق في حرية الرأي والتعبير والحق في الخصوصية المكفولة في القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين وبخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
إننا في "الحق" وإذ نجدد التأكيد على أهمية مراعاة الشروط الدستورية الواردة في المادة (43) من القانون الأساسي، في إصدار القرارات بقوانين، وضرورة انسجام قرار بقانون الجرائم الإلكترونية مع الاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فإننا نورد لدولتكم أبرز ملاحظات مؤسسة الحق على القرار بقانون:
- يتجاوز القرار بقانون حدود الجرائم الإلكترونية بشكل كبير في نصوصه، بإضافة العديد من الجرائم العادية إلى مجال الجرائم الإلكترونية، بحيث يعتبر ارتكاب أية جريمة واردة في أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة الإلكترونية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات جريمة إلكترونية، ويفرض عليها عقوبات مشددة، وذلك خلافاً للمعايير الدولية وبخاصة اتفاقية بودابست المتعلقة بالجرائم الإلكترونية لعام 2001، بما يتطلب اتباع منهجية واضحة في التعامل مع الجرائم الإلكترونية وإخراج النصوص التي لا ترتبط بها من قرار بقانون الجرائم الإلكترونية.
- ينطوي القرار بقانون في العديد من نصوصه وأحكامه في مجال التجريم على مصطلحات فضفاضة من قبيل (المساس بالآداب العامة، تعريض سلامة الدولة أو نظامها العام أو أمنها الداخلي أو الخارجي للخطر، الإضرار بالوحدة الوطنية، الإضرار بالسلام الاجتماعي ...) وهي تتعارض مع المادة (19/3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي لا تقر بأي نص قانوني واسع وفضفاض ولا يمكن قياس تصرفات الأفراد عليه وغير محاط بضمانات تكفل سلامة تطبيقه، وبالتالي فإن تلك النصوص لا تنسجم مع المعايير الدولية والضوابط الواردة في النص المذكور، وتشكل تهديداً خطيراً للحق في حرية الرأي والتعبير ، وتفرغ هذا الحق من مضمونه، وتخرج عن حدود الجرائم الإلكترونية بموجب اتفاقية بودابست. كما أنها تخالف مبدأ الشرعية القائم على الوضوح التام في الجرائم والعقوبات المفروضة عليها.
- يفرض القرار بقانون عقوبات مفرطة في الشدة في معظم النصوص التجريمية الواردة فيه وتصل في بعض الأحيان إلى الأشغال الشاقة المؤقتة والمؤبدة، بما يتعارض مع مبدأ الشرعية القائم على التوازن بين التجريم والعقاب، ويتعارض مع فلسفة العقوبة القائمة على الإصلاح وإعادة الدمج في المجتمع وليس الانتقام، كما أن بعض تلك العقوبات طالت أفعالاً يمكن أن تشكل تهديداً لحرية الرأي والتعبير بإلإصرار على استخدام المصطلحات الفضفاضة في العديد من نصوصه واحكامه
- ينتهك القرار بقانون الحق في الخصوصية بشكل واسع بإلزام مزودي خدمات الإنترنت بتزويد الجهات المختصة بجميع البيانات والمعلومات التي تساعد في الكشف عن الحقيقة، والتي يمكن أن تتضمن بيانات شخصية تتعلق بحرمة الحياة الخاصة ولا علاقة بالجريمة الإلكترونية، وكذلك الاحتفاظ ببيانات المشتركين لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، خلافاً للمعايير الدولية، ودون أية معايير أو ضوابط تحول دون التدخل في خصوصية الأفراد، بما يشكل انتهاكاً للمادة (17) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن الحق في الخصوصية.
- يتيح القرار بقانون إمكانية حجب المواقع الإلكترونية خلافاً للمعايير الدولية وبخاصة قرار مجلس حقوق الإنسان لعام 2016 والذي أدان في بنده العاشر بشكل قاطع التدابير المتخذة بقصد منع أو تعطيل الوصول إلى المعلومات أو نشرها على الانترنت، ودون صدور حكم قضائي نهائي وبيان طبيعة الجرائم الإلكترونية التي يمكن أن يتخذ فيها هذا النوع من العقوبة بالاستناد إلى معيار الجسامة.
- يتجاوز القرار بقانون الأصول والضمانات الواردة في قانون الإجراءات الجزائية فيما يتعلق بمراقبة الاتصالات، كما ويتجاهل المعايير الدولية على هذا الصعيد وبخاصة المبادئ الدولية المتعلقة بمراقبة الاتصالات ولا سيما فيما يتعلق بإخطار المستخدم بصدور إذن قضائي بمراقبة اتصالاته ونشر معلومات تتعلق بطلبات المراقبة تحقيقاً لمبدأ الشفافية وإحداث آلية مستقلة لضمان الشفافية والمحاسبة على الانتهاكات فيما يتعلق بمراقبة الاتصالات وفق ما تقتضيه المبادئ الدولية المذكورة.
- يتوسع القرار بقانون بشكل غير مبرر في منح الأجهزة الأمنية التي تتمتع بصفة الضبط القضائي صلاحية متابعة الجرائم الإلكترونية، الأمر الذي من شأنه أن يخلق تداخلاً كبير اً في الصلاحيات والاختصاصات بين العديد من الأجهزة الأمنية التي تتمتع بتلك الصفة الضبطية، ويؤثر سلباً على الحقوق والضمانات الممنوحة للأفراد بموجب المعايير الدولية والتشريعات الفلسطينية.
- يمنح القرار بقانون النيابة العامة صلاحيات واسعة في المجال الإجرائي وبخاصة فيما يتعلق بمراقبة الإتصالات وطلب البيانات والمعلومات من الشركات المزودة لخدمات الانترنت وإجراءات التفتيش على وسائل تكنولوجيا المعلومات والإذن لمأموري الضبط القضائي بالنفاذ المباشر عليها دون أوامر قضائية وذلك خلافاً للضمانات الواردة في القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
دولة رئيس الوزراء
لقد عبر المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير عن قلقه من إقرار قرار بقانون الجرائم الإلكترونية دون طرحه على النقاش المجتمعي، وأنه ينطوي على العديد من النصوص التي تجيز حجب المواقع الإلكترونية وتجرم الحرية المشروعة للتعبير عن الرأي وتمثل تراجعاً ملحوظاً في حرية وسائل الإعلام في فلسطين، وأنه قد تزامن مع قيام دولة فلسطين بحجب ما لا يقل عن ثلاثين موقعاً الكترونيا، وأن هناك خشية من توظيف القرار بقانون في حجب مواقع الكترونية خلافاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وفي ضوء اللقاءات التي أجرتها مؤسسة الحق مع العديد من مؤسسات المجتمع المدني وجهات رسمية بشأن قرار بقانون الجرائم الإلكترونية ومساسه بالحقوق والضمانات الدستورية والمعايير الدولية، وضرورة اتخاذ المقتضى القانوني اللازم لوقف العمل بالقرار بقانون بما يساهم في خلق أجواء مواتية لمناقشته، فإننا نأمل من دولتكم اتخاذ المقتضى اللازم لوقف العمل بقرار بقانون الجرائم الإلكترونية لإتاحة المجال لنقاشات بين الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني لإجراء التعديلات عليه، بما يضمن احترامه للضمانات الدستورية الواردة في القانون الأساسي وانسجامه مع المعايير الدولية.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
شعوان جبارين
مدير عام مؤسسة الحق
للاطلاع على الرسالة الموجهة الرجاء الضغط هنا