وقد نص قرار مجلس نقابة المحامين المذكور على تعليق العمل أمام محكمة الجنايات الكبرى ابتداءً من صباح يوم الثلاثاء الموافق 30/1/2018 وحتى مساء يوم الأربعاء الموافق 28/2/2018 حيث سينعقد مجلس النقابة للمتابعة والتقييم على ضوء مواقف واستجابة جهات الاختصاص طبقاً لنص القرار. وفي ضوء عدم استجابة الجهات الرسمية لمطالب نقابة المحامين بوقف إنفاذ قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى رقم (24) لسنة 2017 وفتح حوار مجتمعي حول جدوى ومبررات إصداره، وعقب صدور قرار محكمة العدل العليا بإلغاء قرار مجلس النقابة، أصدر المجلس قراراً بذات اليوم بتعليق العمل أمام كافة المحاكم النظامية والعسكرية والنيابات العامة يوم الخميس الموافق 1/2/2018 وإعلان المقاطعة المفتوحة والشاملة لمحكمة الجنايات الكبرى حتى إشعار آخر، وإلغاء قراره السابق الصادر بتاريخ 29/1/2018 بالمقاطعة المؤقتة لمحكمة الجنايات الكبرى.
ترى "الحق" في تلك التطورات المتسارعة والخطيرة امتداداً لحالة التدهور المستمر والخلل البنوي البشري الذي يعاني منه القضاء ومنظومة العدالة عموماً، من جراء تدخلات السلطة التنفيذية بأشكال مختلفة وتغولها على السلطة القضائية، وفشل كافة الجهود التي بذلت على مدار السنوات الماضية في إحداث اختراق جدي في مسار عملية الإصلاح، بفعل غياب الإرادة السياسية للإصلاح القضائي، وغياب التداول السلمي على السلطة عبر انتخابات عامة حرة ونزيهة تعبر عن إرادة المواطن الفلسطيني، واستمرار حالة التصدع في النظام السياسي.
وتؤكد "الحق" على أن الموقف الصادر عن مجلس نقابة المحامين منسجمٌ مع الموقف الذي عبرت عنه أكثر من (200) مؤسسة حقوقية بتاريخ 17/12/2018 وطالبت من خلاله الرئيس محمود عباس بإلغاء قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى لأسباب جوهرية عديدة؛ من بينها مخالفته للقانون الأساسي بغياب الضرورة التي لا تحتمل التأخير لإصداره، ولأنه ينتهك بشكل خطير ضمانات المحاكمة العادلة، ويمس بصلاحيات القضاء، ويخل بحسن سير العدالة، ومن شأنه أن يخلق حالة غير مسبوقة من الاختناق القضائي، ويمنح تلك المحكمة اختصاصات واسعة من شأنها أن تنال من حرية الرأي والإعلام وقد بات الصحفيون ونشطاء الرأي يحالون إليها للمحاكمة، كما ويشكل انتهاكاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة؛ وبخاصة قانون الإجراءات الجزائية وقانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية.
كما وأرسلت جمعية نادي القضاة، التي تمثل الهيئة العامة للقضاة الفلسطينيين، رسالة إلى الرئيس بتاريخ 13/1/2018 تطالب بوقف إنفاذ قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى لانتهاكه ضمانات المحاكمة العادلة وإخلاله بحسن سير العدالة وانتهاكه للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ما يعني أن إلغاء هذا القرار بقانون محل إجماع بين مؤسسات المجتمع المدني ونقابة المحامين وجمعية نادي القضاة. وبالتالي، فإن قرار مجلس نقابة المحامين إنما يقع في صلب أهدافها المبينة في المادة (12) من قانون المحامين النظاميين لسنة 1999 وتعديلاته التي أكدت على دور نقابة المحامين في تكريس مبدأ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
وترى "الحق" أنه في الوقت الذي تؤكد فيه الدراسات المنشورة بأن ما يقارب من 90% من القرارات الصادرة عن محكمة العدل العليا تأتي في صالح السلطة التنفيذية، وإذ تستمر المحكمة بالانعقاد بهيئة وحيدة رغم مطالبات مؤسسات المجتمع المدني بإصلاحات جوهرية في القضاء من بينها تعدد هيئات محكمة العدل العليا، فإن مراجعة القرارات الصادرة عنها تشير إلى أنها تقوّض حرية التنظيم النقابي والحق في الإضراب في فلسطين المكفولين في القانون الأساسي المعدل والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقيات والتوصيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية بهذا الخصوص.
وقد سبق وأن أصدرت محكمة العدل العليا قراراً بتاريخ 3/12/2017 يقضي بوقف الإضراب الذي دعا إليه اتحاد نقابات أساتذة وموظفي الجامعات الفلسطينية بذريعة أنه يشكل ضرراً بالمصلحة العامة. علماً أن الاتحاد لم يدع إلى أية فعاليات للإضراب بعد قيد الدعوى لدى المحكمة بتاريخ 28/11/2017 بما يوحي بأن محكمة العدل العليا قد بنت قرارها على النوايا، وكأنها تحاكم حرية العمل النقابي والحق في الإضراب في ذاته، فهي لم تقضِ والحالة تلك بأن الدعوى أصبحت غير ذات موضوع لعدم وجود قرار بالإضراب منظور أمامها.
وتشير"الحق" أنه قد سبق وأن تقدم رئيس مجلس القضاء الأعلى ممثلاً عن المجلس القضائي بطلب إلى محكمة العدل العليا لوقف الإضراب الذي أعلنت عنه جمعية نادي القضاة بتاريخ 26/11/2017 على خلفية قيام عناصر أمنية بالاعتداء على محام داخل محكمة صلح وبداية نابلس، على مرآى من السادة القضاة، في انتهاك لحرمة المحاكم ومساس بكرامة القضاة واعتداء على الحقوق والحريات، ومن ثم جرى سحب الدعوى مقابل قيام جمعية نادي القضاة بوقف الإضراب، بناءً على مذكرة تفاهم جرت بين الطرفين برعاية نقابة المحامين، تجنباً لصدور قرار بوقف الإضراب ومنعاً من تطور الأمور باتجاه حل جمعية نادي القضاة وبخاصة بعد توجيه إنذار خطي لها من السلطة التنفيذية، وقد طالبت "الحق" في حينه بسحب هذا الإنذار لانتهاكه للحق في حرية تكوين الجمعيات المكفول في القانون الأساسي والاتفاقيات الدولية وقانون الجمعيات ولائحته التنفيذية.
وتُذكّر "الحق" بأن محكمة العدل العليا أصدت قراراً بتاريخ 11/4/2016 برد الدعوى المقدمة من رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية بإلغاء قرار مجلس الوزراء رقم (50/24/17/م.و/رح) الصادر عام 2014 والذي اعتبر النقابة جسماً غير قانوني ما أدى بالنتيجة إلى إجهاض دور النقابة وإنهاء وجودها. كما وأصدرت محكمة العدل العليا قراراً بتاريخ 8/6/2011 بإلغاء الإضراب الذي دعت إليه نقابة الأطباء الفلسطينيين بتاريخ 1/6/2011 بسبب تجاهل وزارة ووزير الصحة لحقوق ومطالب الأطباء العاملين في القطاع الصحي وفقاً لنص البيان الصادر عن نقابة الأطباء بتاريخ 29/5/2011 بهذا الخصوص، وقد أدى قرار المحكمة إلى وقف الإضراب.
وعليه، وفي ضوء ما سبق ذكره، فإن مؤسسة الحق تؤكد على ما يلي:
1. إن البيان الصادر عن مجلس نقابة المحامين بتاريخ 31/1/2018 بالإعلان عن مقاطعة محكمة الجنايات الكبرى منسجمٌ مع أهداف النقابة الواردة في قانون المحامين النظاميين المتمثلة بتكريس مبدأ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ومتفقٌ مع الموقف الذي عبرت عنه مؤسسات المجتمع المدني وجمعية نادي القضاة.
2. تجدد "الحق" مطالبة الرئيس محمود عباس بإلغاء قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى لمخالفته أحكام القانون الأساسي، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية، والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة، وانتهاكه الخطير لضمانات المحاكمة العادلة، ومساسه بصلاحيات القضاء، وإخلاله بحسن سير العدالة.
3. تجدد "الحق" مطالبة الرئيس محمود عباس بوقف إصدار القرارات بقوانين كلياً، واتخاذ خطوات عملية وجادة لوقف التدهور في أوضاع حقوق الإنسان، والبدء بترميم النظام السياسي المتصدع، وإعادة الاعتبار لمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء، وإجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية.
4. تجدد "الحق" التأكيد على ضرورة تشكيل لجنة وطنية مستقلة، من أشخاص مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والحياد، من خارج مؤسسات العدالة الرسمية، تتولى عملية الإصلاح في القضاء ومنظومة العدالة، وإجراء تقييم جاد وموضوعي لكل من يشغل وظيفة في قطاع العدالة بهدف معالجة الخلل البنيوي البشري فيه، وبما يضمن إعادة بناء مجلس القضاء الأعلى باعتباره الدرع الحامي لاستقلال القضاء والقضاة، ويضمن استقلالية دائرة التفتيش القضائي عن المجلس القضائي، واعتماد مبدأ التقاضي على درجتين في القضاء الإداري وتعدد الهيئات لدى محكمة العدل العليا ووضع آلية لتوزيع الدعاوى على الهيئات القضائية بما يضمن عدم المعرفة المسبقة للهيئةالتي ستنظر الدعوى، ووضع معايير مهنية وموضوعية للتعيينات والترقيات في قطاع العدالة.