يكمل الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة اليوم السبت 6 إبريل/نيسان 2024، شهره السادس (183 يومًا)، ولا يزال سكان غزة في عين عاصفة الاستهداف يدفعون الثمن الباهظ جراء سياسات اسرائيل الاستعمارية وجرائمها من ضمنها جريمة الإبادة الجماعية، وذلك وسط عجز المجتمع الدولي على توفير الحماية لشعب يباد على الهواء مباشرة وبدعم مباشر من الإدارة الأمريكية وعددا من الدول الأوروبية.
يتم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة اليوم نصف عام كاملة تمثلت باستمرار القصف عبر الجو والبر والبحر والقتل الجماعي، والتدمير الواسع والمتعمد الذي طال ما بين 50-70% من مباني القطاع وبنيته التحتية، وسط استمرار نزوح قرابة 90% من السكان، والذين يعيشون واقعًا بائسًا في الخيام أو يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في الأراضي الزراعية وما تبقى من مدارس تستعمل كمراكز إيواء.
ويأتي إكمال نصف عام من العدوان قبل أيام من حلول عيد الفطر الذي يأتي وسط استمرار قوات الاحتلال في هجومها وقصفها الواسع بما في ذلك تدمير المنازل على رؤوس ساكنيها، مع استمرار الحصار والقيود التي فرضت حالة من المجاعة غير المسبوقة خاصة في محافظة غزة ومحافظة شمال غزة، حيث تمضي آلاف العائلات الأيام دون أن تحصل وجبة إفطار أو سحور، فيما يخاطر الآلاف بحياتهم للحصول على المساعدات التي تلقيها الطائرات أو تصل عبر شاحنات ليجدوا أنفسهم عرضة للاستهداف والقتل.
ومن بين قرابة 1.9 مليون نازحة ونازح في قطاع غزة، هناك 1.2 مليون على الأقل يعيشون في رفح جنوب قطاع غزة، التي حددها الاحتلال الإسرائيلي منطقة آمنة وأجبر السكان على النزوح إليها من مختلف أرجاء قطاع غزة، ومنذ عدة أشهر والاحتلال يهدد بهجوم بري واسع عليها، وسط حديث بأن موعد هذا الهجوم الوشيك قد يكون بعد عيد الفطر.
وسبق أن أطلقت مؤسساتنا تحذيرات وعبرت عن مخاوف جدية بأن أي هجوم بري واسع على رفح على غرار ما حدث في معظم محافظات قطاع غزة من شأنه أن يحدث مذبحة مروعة ويطرح سيناريوهات النكبة الثانية مع اكتظاظ المدينة الحدودية بمئات آلاف النازحين والنازحات الذين يعيشون في خيام، ويعتمدون بشكل أساسي على المساعدات التي تدخل عبر معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم، اللذان يتوقع أن يغلقا في حال تم تنفيذ الهجوم الإسرائيلي، مع عدم توفر بدائل ملائمة لنزوح سكان رفح والنازحين فيها بعد كل هذه الأشهر من القصف والتدمير الذي غيّر معالم قطاع غزة وطمس ملامحها.
وخلال ستة أشهر من العدوان، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات والمراكز الصحية بشكل ممنهج وحولتها إلى ساحات قتل وتدمير، وأخرجت غالبيتها عن الخدمة، حيث خرجت جميع المشافي الأساسية عن العمل ولم يتبق سوى مستشفيين (الأوروبي في خانيونس وأبو يوسف النجار في رفح)، فيما تعمل 8 مستشفيات أخرى بشكل جزئي، أُعيدت للعمل بعد اقتحامها واستهدافها.
وقد أُخرج مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وهو أكبر مستشفيات قطاع غزة، عن الخدمة نهائيا، جراء الاقتحام الإسرائيلي الثاني عليه والذي استمر منذ منتصف مارس/آذار وحتى بداية الشهر الجاري، وألحق به دماراً هائلا. كما تعرض أيضاً مستشفى ناصر بخانيونس، ثاني أكبر مستشفى في القطاع، للاقتحام والتدمير ما يعني فعليا انهيار شامل للمنظومة الصحية.
وحتى 25 آذار/ مارس، سجّلت منظمة الصحة العالمية 586,402 إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي الحادة، و81,259 حالة من الجرب والقمل، و46,195 حالة من الطفح الجلدي، و19,117 حالة يرقان، و7,037 إصابة بجدري الماء.
وفي 30 آذار/مارس، حثّ المدير العام لمنظمة الصحة العالمية السلطات الإسرائيلية على "تسريع الموافقات على عمليات إجلاء المرضى ذوي الحالات الحرجة حتى يتمكن علاجهم"، محذرًا أن آلاف المرضى لا يزالون محرومين من الرعاية الصحية، بمن فيهم نحو 9,000 شخص إما أُصيبوا في عمليات القصف، أو يحتاجون إلى العلاج من السرطان، أو يعانون من أمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي.
ومنذ نهاية الهدنة الإنسانية في 1 ديسمبر/كانون أول 2023، فرضت قوات الاحتلال حصارا مشددًا على غزة ومنعت إدخال شاحنات المساعدات ونجم عن ذلك مجاعة حقيقية، حيث فقد السكان كثيراً من أوزانهم وأظهرت مقاطع الفيديو والصور مرضى وأطفال في المستشفيات التي تعمل جزئيا شمال غزة في حالة الهزال والنحافة والجفاف، وباتت تسجل حالات وفاة بسبب الجوع والجفاف بشكل شبه يومي وُثق منها 30 شخصًا أغلبهم من الأطفال. ودأبت قوات الاحتلال على قتل عشرات المدنيين والمدنيات واستهدافهم خلال تجمعهم في انتظارهم المساعدات.
وعملت إسرائيل – القوة القائمة بالاحتلال- على استهداف ممنهج لوكالة الأونروا والتحريض عليها، وسط إعلانات إسرائيلية رسمية بالسعي لإنهاء عملها في الأرض الفلسطينية المحتلة. وفي 2 نيسان/أبريل، أفاد المفوض العام للأونروا بأن السلطات الإسرائيلية رفضت مشاركة الأونروا في قوافل المساعدات المتجهة نحو شمال غزة، بما في ذلك مستشفى الشفاء، ودعا السلطات الإسرائيلية إلى السماح للأونروا بالوصول إلى الشمال دون تأخير. ووفقًا للأونروا، فإن أكثر من نصف إمدادات الأمم المتحدة التي عبرت إلى غزة في آذار/مارس كانت من إمدادات الأونروا. وفي 31 آذار/مارس، أعاد مارتن غريفيثس، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، التأكيد على أن "الأونروا بمثابة العمود الفقري للعملية الإنسانية في غزة وأي جهد لتوزيع المساعدات بدونها محكوم عليه بالفشل".
ولا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تخفي قسرًا آلاف المعتقلين والمعتقلات من قطاع غزة بعدما اعتقلتهم من مناطق التوغل أو خلال محاولتهم النزوح والخروج من الأماكن المحاصرة، وسط أنباء عن مقتل أعداد منهم، حيث وردتنا إفادات عن وفاة العديد من المعتقلين جراء التعذيب والإهمال الطبي، وسط تكتم اسرائيلي.
وتلقت مؤسساتنا عشرات الشهادات من معتقلين مفرج عنهم تعرضوا لانتهاكات جسيمة وخطيرة وتكاد تكون غير مسبوقة، شملت التعرية والتحرش والتعذيب بالضرب حتى القتل، وتسببت الأصفاد الحديدية والبلاستيكية ببتر أطراف العديد من المعتقلين، وخرج بعضهم وهم يعانون من فقدان للذاكرة مع علامات وندوب لا تزال على أجساد غالبيتهم. ولم تسلم النساء أو الأطفال أو الأشخاص ذوي الإعاقة من هذه الأنماط القاسية من التعذيب.
وأسفر العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حتى ظهر اليوم، عن استشهاد 33,137 فلسطينياً/ة، وإصابة 75,815 آخرين. وبين الشهداء 14,500 طفل و9500 سيدة، وفق المعطيات المعلنة من وزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وتؤكد طواقمنا، أن العدد الفعلي للشهداء هو أكبر بكثير من الرقم المعلن؛ بالنظر لوجود أعداد كبيرة من الضحايا وهم بالآلاف (بين 7-8 آلاف مفقود/ة) تحت الأنقاض أو في الشوارع، وفي كثير من الحالات يضطر الأهالي لدفنهم لتعذر نقلهم للمشافي. وضمن هؤلاء هناك أعداد كبيرة تحللت جثثهم، ما ينذر بانتشار الأمراض والأوبئة الصحية، فضلا عن انتهاك كرامة الميت.
وبعد نصف عام من القتل والتدمير، تتوجه مؤسساتنا، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان ومؤسسة الحق، برسالة للمجتمع الدولي بأنه لم يعد الصمت مقبولاً أو ولا يمكن الاكتفاء ببيانات الإدانة إزاء ما يجري من إبادة جماعية وتدمير إسرائيلي ممنهج للبشر والحجر والشجر في قطاع غزة، في سياق متعمد لتدمير مقومات الحياة الفلسطينية.
وتحذر مؤسساتنا المجتمع الدولي، خصوصاً الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والمفوض السامي لحقوق الإنسان، من خطورة الوضع القائم في قطاع غزة وتطالبهم باتخاذ تدابير فورية لمنع النكبة الجديدة في فلسطين ووقف الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة.
كما تحذر مؤسساتنا شركاء إسرائيل في جريمة الإبادة الجماعية، سواء بدعمهم العسكري والسياسي غير المحدود لدولة الاحتلال أو بصمتهم، وتطالبهم بالوفاء بالتزاماتهم القانونية قبل فوات الأوان، وتطالبهم باتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين/ات الفلسطينيين/ات ووقف القتل الجماعي ومنع استكمال جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ 6 أشهر.
وتجدد مؤسساتنا تحذيراتها أمام استمرار التهديد الإسرائيلي بالهجوم البري على رفح، بأنه سوف يشكل ذروة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وأن الهدف منه هو إيقاع أكبر قدر من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين/ات وإجبارهم على النزوح جنوباً باتجاه الحدود المصرية التي لا تبعد عنهم سوى عشرات الأمتار، وعندئذ ستفرض نكبة جديدة على الشعب الفلسطيني وتصبح أمراً واقعاُ لا محالة.
ونؤكد أن مفتاح حل الأزمة في المنطقة وللأبد يتمثل في إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وإلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات التمييزية واللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وعودة اللاجئات واللاجئين دون قيد أو شرط.