وسط غياب الإرادة السياسية والمحاسبة الدولية، تصعّد قوات الاحتلال الإسرائيلي هجماتها المتعمدة ضد المدنيات والمدنيين منتظري المساعدات ومراكز الإغاثة في قطاع غزة، في إصرار مشين على استخدام التجويع كسلاح في الحرب، وارتكاب جرائم قتل جماعية ضد السكان وقد أتعبهم الجوع في تكريس لجريمة الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيات والفلسطينيين لليوم الـ 161 على التوالي.
ووفق المعلومات التي توفرت لباحثينا، ففي صباح اليوم الجمعة 15 مارس/آذار، أطلقت قوات الاحتلال النار تجاه العشرات الذين تجمعوا على شارع الرشيد غرب غزة بانتظار مساعدات، وقتلت ثلاثة منهم وأصابت آخرين بجروح.
وجاء هذا التطور، بعد ليلة دامية، أطلقت فيها قوات الاحتلال عبر دباباتها وطائراتها المروحية والمسيّرة النار بكثافة تجاه آلاف المدنيين الذين تجمعوا قرب دوار الكويت على طريق صلاح الدين جنوب غزة. وأسفر إطلاق النار عن 20 شهيدًا وأكثر من 155 إصابة في حصيلة غير نهائية وفق وزارة الصحة.
وأظهرت مقاطع فيديو اطلع عليها باحثونا، بوجود عدد كبير من جثامين الضحايا على الأرض، وقد اختلطت دماء العديد منهم بأكياس الطحين أو حزم المساعدات التي خاطروا بحياتهم للحصول عليها.
ويستدل من المعطيات التي جمعها باحثونا، أن الاحتلال في كل مرة يسمح بتجمعات المدنيين بالمئات والآلاف، يبدأ بإطلاق النار المكثف والقنابل الدخانية تجاههم دون أي مبرر أو ضرورة، وبالرغم من إدراكه أنهم تجمعوا للحصول على المساعدات التي تصل عبر شاحنات وتتوقف في تلك المنطقة بفعل القيود الإسرائيلية والافتقار إلى آليات منظمة تضمن وصول المساعدات للسكان بشكل يحفظ كرامتهم وحياتهم.
وصباح الجمعة، أطلقت قوات الاحتلال النار تجاه الأهالي الذين رجعوا للمنطقة لمحاولة انتشال جثامين الضحايا الذين بقت أعداد منهم على الأرض منذ الليلة الماضية لتعثر نقلهم بسبب كثافة إطلاق النار الإسرائيلي.
ومساء أمس الخميس، قصفت قوات الاحتلال مركزًا لتوزيع المساعدات في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ما أدى إلى وقوع 8 شهداء وعدد من الجرحى.
وسبق أن استهدفت طائرة مسيرة لقوات الاحتلال صباح الأربعاء الماضي، مقر توزيع المساعدات الإنسانية التابع للأونروا في الحي الإداري في مدينة رفح أثناء توزيع الطحين على السكان، ما أدى إلى استشهاد 6 مدنيين، وإصابة ٢٢ بينهم عدد من موظفي الأونروا.
وتكرر في الأيام الماضية استهداف قوات الاحتلال منتظري المساعدات على طريق صلاح الدين وعلى شارع الرشيد جنوب مدينة غزة، ما تسبب باستشهاد وإصابة العشرات. وجاء ذلك رغم الإدانة الدولية الواسعة لعملية قتل جماعي اقترفتها قوات الاحتلال ضد منتظري المساعدات على شارع الرشيد في 29 فبراير/شباط الماضي، وأسفرت عن استشهاد 118 مدنيًّا وإصابة 760 آخرين بجروح.
وبهذا تستمر قوات الاحتلال باستهدافه للمدنيين والمدنيات وهم في بحثهم عن الطعام يسد جوع عائلاتهم وأطفالهم. وتستمر فصول المجاعة الناجمة عن القيود الاسرائيلية والتي أسفرت عن وفاة 27 مدنيًّا/ة، خاصة من الأطفال نتيجة سوء التغذية والجفاف في مستشفى كمال عدوان ومستشفى الشفاء في غزة.
وفي ضوء ذلك، تؤكد مؤسساتنا أنه بات مطلوبا من المجتمع الدولي عدم الاكتفاء بالإدلاء بالبيانات وإدانة قتل المدنيين والمدنيات وتجويعهم، بل اللجوء إلى خطوات فورية لإجبار إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على الامتثال لقواعد القانون الدولي الإنساني ووقف عدوانها، بل وضمان تحقيق المساءلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل في قطاع غزة.
وتطالب مؤسساتنا المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي العمل بقرارات محكمة العدل الدولة الملزمة بمنع ارتكاب إبادة جماعية، ودفعها إلى اتخاذ تدابير عملية تحفظ أرواح المدنيين والمدنيات في قطاع غزة، والإقلاع عن استخدام سياسة العقاب الجماعي التي تجرمه جميع القوانين الدولية والإنسانية.
وندعو الأطراف السامية المتعاقدة على إجبار اسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بالوفاء بكامل التزاماتها وفق المواد 55، 56 من اتفاقية جنيف الرابعة، ويشمل ذلك وضع آليات مناسبة لإيصال المساعدات الإنسانية بما يضمن حماية المدنيين والمدنيات والحفاظ على كرامتهم، والضغط من أجل توفير المزيد من الممرات الإنسانية لتسهيل عمل المؤسسات الإنسانية الدولية في إيصال الكميات المطلوبة من الأغذية والأدوية للسكان في شمال قطاع غزة.
ونطالب المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة كافة إلى بذل جهد حقيقي وفعال لضمان توفير المساعدات الغذائية والدوائية، وكذلك المياه الصالحة للشرب للسكان بآليات تضمن حماية أرواحهم وكرامتهم. والأهم، نؤكد على ضرورة كافة الدول أخذها قرارات حاسمة وضرورية لوقف اسرائيل عند حدها ومنها فرض العقوبات السياسية وسحب الاستثمارات ووقف توريد الاسلحة بالاتجاهين والعمل على محاسبة اسرائيل على هذه الجرائم الدولية بحق الشعب الفلسطيني.