تدين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية بأشد العبارات استمرار جرائم القتل التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيات والفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي أسفر أحدثها عن استشهاد خمسة مدنيين فلسطينيين، منهم طفلان في أقل من 8 ساعات في 3 حوادث منفصلة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة. وتأتي هذه الجرائم نتيجة تساهل قوات الاحتلال في تعليمات إطلاق النار بقرارات من أعلى المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل.
ويأتي ازدياد جرائم القتل التي تقترفها قوات الاحتلال في الضفة الغربية في وقت تستمر فيه تلك القوات في هجومها العسكري الواسع على قطاع غزة، لليوم الـ 160 على التوالي، بما في ذلك ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، التي بدأت تتكشف فصولها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
ووفق المعلومات التي جمعتها طواقمنا حول مقتل طفل في القدس، ففي حوالي الساعة 8:30 مساء الثلاثاء 12 مارس/آذار 2024، أطلقت قوات الاحتلال الاسرائيلي المتمركزة في برج مراقبة مقام على جدار الضم المحاذي لحاجز مخيم شعفاط، شمالي شرق القدس المحتلة، النار تجاه الطفل رامي علي محمد حمدان، المولد بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2011 والبالغ من العمر 12 عامًا بحجة إطلاقه الألعاب النارية باتجاه البرج الذي يبعد عن مكان وقوف الطفل حوالي 20 متر هوائي، ودون أن يشكل أي خطر أو تهديد حقيقي على حياة جنود الاحتلال المتحصنين داخل البرج. أسفر ذلك عن إصابة الطفل بعيار ناري في صدره، ونقل بحالة حرجة إلى مستشفى هداسا العيساوية في مدينة القدس، وهناك أعلن عن استشهاده متأثرا بجراحه.
ووثق مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يتوافق مع تحقيقاتنا، كان الطفل رامي حمدان يلهو مع 4 من رفاقه أمام منزله الذي لا يبعد كثيراً عن جدار الضم، وبينما كان الطفل يحمل بيده ألعابًا نارية ويهم بإطلاقها باتجاه البرج العسكري المقام على الجدار والبعيد حوالي 20 متر هوائي عن مكان وقوف الطفل رامي، طلب أحد رفاقه الاقتراب، وبعد أن ابتعد الطفل عن رفاقه ليس أكثر من 2 متر لإلقاء الألعاب النارية، أطلق أحد قناصة الاحتلال رصاصة باتجاهه، أصابته في صدره، سقط إثرها أرضاً وبقي ينزف حتى تمكنت عائلته من نقله بسيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني إلى حاجز مخيم شعفاط وهناك على الحاجز نُقل إلى سيارة اسعاف نجمة داود الحمراء الاسرائيلية التي نقلته إلى مستشفى هداسا العيساوية. بعد حوالي ساعة من وصوله أعلن عن وفاته متأثراً بجراحه، ثم تم نقل جثمانه إلى المركز الطبي الاسرائيلي "أبو كبير" لغرض التشريح، وقد أوضحت العائلة أن العائلة لم تعطي الإذن بذلك، حيث قال علي محمد حمدان، والد الطفل رامي، أن الشرطة أخبرته أن قرار تشريح جثة ابنه رامي ليس بيد الوالد لأن ملف الطفل رامي تحول إلى ملف أمني على حد قول الوالد.
ووفق المعلومات التي توفرت حول مقتل مدنيين أحدهما طفل في قرية الجيب شمال غرب القدس، ففي حوالي الساعة 10:00 إلى 10:30 من مساء اليوم نفسه، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، النار، تجاه خمسة فلسطينيين، أحدهم طفل، بحجة محاولتهم إلقاء زجاجة حارقة باتجاه الشارع الاستيطاني المحاذي لجدار الضم في منطقة الشيح بقرية الجيب، شمال غربي مدينة القدس الشرقية المحتلة، ما أدى الى استشهاد الشاب زيد وارد خلايفة، 23 عاما، والطفل عبد الله مأمون عساف، 16 عاماً، وإصابة الثلاثة الآخرين بجروح.
ووفق فيديو نشرته قوات الاحتلال، وفي جزء وضع عليه تاريخ 11 مارس/آذار 2024، يظهر شبان يلقون ما يبدو أنها زجاجات حارقة صوب سيارات تمر في الجهة الثانية من جدار الضم، وذلك في منطقة الشيح المحاذية للطريق الاستيطاني المقام على أراضي قرية الجيب، في حين يظهر في الجزء الثاني من الفيديو، الذي وضع عليه تاريخ 12 مارس/آذار 2024، حضور سيارة لنفس المنطقة، ومن ثم خروج 5 شبان منها ، ليقوم جنود الاحتلال بإطلاق الأعيرة النارية باتجاههم.
وقد أفاد أحد الشبان الخمسة، ويدعى براق زيدون شاكر سعادة (19 عاماً)، الذي أصيب بالرصاص في ساقيه، أنه والشبان الآخرين كانوا يتواجدون في المنطقة بسيارتهم بهدف التنزه، وحين نزولهم من السيارة وفتحهم صندوقها الخلفي لإخراج بعض الأخشاب بغرض إعداد بعض الطعام، فوجئوا بإطلاق نار كثيف صوبهم كان مصدره عناصر من قوة حرس الحدود الإسرائيلي الذين كمنوا لهم واطلقوا النار صوبهم من أكثر من موقع.
وحسب الشاب براق فإن إطلاق النار باتجاههم كان دون سابق إنذار أو تحذير مسبق، وإنما بشكل مفاجئ ومباشر، واستمر رغم فرار معظمهم إلى داخل سيارتهم. وبعد إطلاق النار ظهر لهم عناصر من حرس الحدود قاموا باحتجازهم دون تقديم أي إسعاف لهم، ومن ثم نقلوا أربعة منهم من ضمنهم براق والطفل عبد الله عساف، 16 عامًا، الذي أعلن عن استشهاده لاحقًا، إلى حاجز الجيب العسكري الإسرائيلي، واستمروا باحتجازهم هناك دون تقديم العلاج لهم أو السماح للمسعفين الذين حضروا للمكان بتقديم العلاج لهم لغاية الساعة الواحدة من فجر يوم 13 مارس/آذار 2024، حيث سمحوا للمسعفين بنقلهم للعلاج، وكان الطفل عبد الله عساف مستشهدًا حينها. يذكر أن الشهيد الثاني زيد خلايفة كان الاحتلال قد سمح للإسعاف بنقله للمستشفى قبل الشبان الأبعة الأخرين، حيث لم يتم احتجازه ونقله إلى حاجز الجيب.
وأفاد المسعف رامز النبالي، أحد ضباط الإسعاف في مركز إسعاف فلسطين في قرية بير نبالا المجاورة لقرية الجيب، لطواقمنا الميدانية بما يلي:
تلقينا بلاغات من مواطنين عن وقوع إصابات في قرية الجيب، وعلى الفور توجهنا إلى المكان، وفور وصولي وجدت قوات الاحتلال في المنطقة وطلبت منهم إسعاف المصابين، إلا أنهم رفضوا وطلبوا مني الابتعاد، ثم نقلوا المصابين إلى مركبات عسكرية، وبعد دقائق سلموني المصاب زيد وارد شكري خلايفة، 23 عاما، وكانت إصابته ميؤوس منها حيث لاحظت إصابته بعيار ناري في صدره، بالإضافة إلى رصاصة في الشريان الرئيسي في فخذه، ورصاصة أخرى في خاصرته، وحاولت مجدداً طلب السماح لي بنقل بقية الإصابات إلاّ أن القوات رفضت، ثم غادرت المكان ونقلت المصاب خلايفة إلى مجمع فلسطين الطبي، وهناك أعلن عن استشهاده متأثرا بجراحه. ولاحقا علمنا أن طواقم الهلال نقلت بقية الإصابات إلى مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله، ليعلن لاحقاً عن استشهاد الطفل عبد الله عساف، 16 عاماً متأثراً بإصابته بعيار ناري في الصدر.
وأعلنت شرطة الاحتلال في بيان لها أن عددا من الفلسطينيين أشعلوا زجاجات حارقة وكانوا يعتزمون إلقاءها باتجاه السائقين، حيث أطلق عناصر حرس الحدود النار عليهم ومن ثم القبض عليهم وإحالتهم للعلاج الطبي".
من الواضح أن الشاب والطفل استشهدا في كمين نصبه جنود الاحتلال للفلسطينين المتواجدين في ذلك المكان، وأن الهدف من إطلاق النار كان قتل الشبان وإيقاع أكبر عدد من الجرحى في صفوفهم، وليس تحييد خطر يزعم الاحتلال أنهم قد يشكلونه.
ووفق المعلومات التي رصدها ووثقتها طواقمنا حول استشهاد شابين فلسطينيين في جنين، تبين أن قوه عسكرية إسرائيلية كبيرة معززة بعدة جرافات عسكرية وتحليق لطائرات الاستطلاع والطائرات المسيرة فوق مدينة ومخيم جنين، داهمت المدينة والمخيم عند حوالي 11:30 من ليلة يوم الثلاثاء الموافق 12 مارس/آذار 2024، واستمرت المداهمة حتى حوالي 5:30 من فجر اليوم التالي، الأربعاء الموافق 13 مارس/ آذار 2024. في البداية وقعت مواجهات واشتباكات مسلحة بين أفراد المقاومة الفلسطينية وبين جنود القوة الإسرائيلية، بينما شرعت الجرافات العسكرية بتجريف وتدمير للعديد من مقاطع الشوارع وخاصة داخل مخيم جنين وفي محيطه، وسط سماع أصوات الانفجارات بين الحين والأخر. وعند حوالي الساعة 3 وسبع دقائق من فجر الأربعاء أطلق جندي إسرائيلي أو أكثر تمركزوا داخل إحدى البنايات التجارية والسكنية الواقعة إلى الناحية الغربية الشمالية لقاعة مستشفى جنين الحكومي في شارع جنين (مخيم جنين) الرصاص بشكل متتالي ومتلاحق باتجاه مجموعة من الأشخاص المدنيين خلال تواجدهم أمام مدخل طوارئ المستشفى الحكومي، ما أدى إلى إصابة العديد منهم، وقد حاول بعضهم الهرب إلى داخل قسم الطوارئ، إلا أن إطلاق الرصاص استمر نحوهم، ما أدى إلى استشهاد الشاب ربيع سليم أحمد جلامنه وعمره حوالي 21 عام، والذي أصيب برصاصة في الظهر من الخلف مع مخرج من الصدر وفق المصادر الطبية، وكذلك استشهاد الشاب محمود زياد عبد اللطيف أبو الهيجا وعمره حوالي 37 عامًا، والذي تبين أنه أصيب برصاصة في منطقة الرأس وفق المصادر الطبية أيضا. كما أصيب أربعة أشخاص آخرين من بينهم طفلان، وصفت إصاباتهم ما بين الطفيفة والمتوسطة. تبين خلال التحقيق الميداني أن عدة رصاصات أصابت الجدران الداخلية في الساحة الداخلية المؤدية إلى قسم الطوارئ، ما شكل خطر حقيقي على حياة العاملين في المستشفى وعلى حياة الطواقم الطبية.
وخلال المداهمة، جرفت قوات الاحتلال شوارع مخيم جنين الرئيسية بالكامل وأخرجتها عن الخدمة وتسببت بتعطل شبكات المياه وبعض خطوط الكهرباء، وألصقت بلاغا بقرار عسكري بهدم منزل المعتقل هاني بركات.
ومنذ بداية العام، قتلت قوات الاحتلال في الضفة الغربية بما فيها القدس 109 فلسطينيين/ات، غالبيتهم من المدنيين، منهم 30 طفلا/ة، وامرأتان، بالإضافة لفلسطيني آخر استشهد داخل الخط الأخضر،و 6 توفوا في سجون الاحتلال، منهم سجين كان محتجز على خلفية جنائية. كما بلغ عدد الجرحى 344 فلسطينيًا/ة، بينهم 20 جريحاً في حالة الخطر الشديد ومن بين الجرحى 73 طفلاً وامرأتان.
وبقتلها لهؤلاء فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي ماضية في انتهاكاتها لالتزاماتها القانونية وفقًا للقانون الإنساني الدولي، وخصوصًا اتفاقية جنيف الرابعة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان وخصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ترى مؤسساتنا أن الكثير من حالات القتل هذه تشكل قتلًا عمدًا، وهو جريمة حرب وفقا لنظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، وحرمان تعسفي من الحق في الحياة وفقا للمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
تجدد مؤسساتنا دعوة المجتمع الدولي للتحرك الفوري لوقف جرائم الاحتلال التي توسعت في الضفة الغربية وبلغت مستويات غير مسبوقة، وسط سياسة الإفلات من العقاب التي يحظى بها مرتكبوها في إسرائيل، وسط حالة من الصمت والعجز من المجتمع الدولي.
وتدعو المجتمع الدولي للتحرك الفوري لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة ووقف ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي، ونجدد مطالبتنا الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بالتزاماتها وملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم دولية.
كما تجدد مؤسساتنا التأكيد أن التعامل مع الحالة في فلسطين لا يتأتى إلا بمعالجة جذورها، وأن هذه هي مسؤولية المجتمع الدولي ومؤسساته، وخلافًا لذلك فإن القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير يتم تصفيته من إسرائيل بمرافقة وصمت دولي على جرائم الاحتلال.