انطلاقاً من الملاحظات الصادرة عن مؤسسة الحق بتاربخ 10/01/2018 وورقة الموقف الصادرة عن مؤسسات المجتمع المدني بتاريخ 17/02/2018 والمذكرة الصادرة عن نقابة المحامين بتاريخ 24/01/2018 بشأن قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى، فإن "الحق" تُبدي ملاحظاتها على مسودة التعديلات المقترحة على النحو التالي:
1. لم تأخذ التعديلات المقترحة بعين الاعتبار، انتفاء حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير ، كشرط دستوري لازم لصحة قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى، خاصة وأنه طرح على جدول أعمال مجلس الوزراء منذ ما يزيد على عام كامل قبل إقراره ونشره، ما ينفي وجود ضرورة لا تحتمل التأخير لإصداره ويؤكد عدم دستوريته.
2. التسليم بالتعديلات المقترحة، يتجاهل إرادة المشرّع الأصيل، لأن المجلس التشريعي سبق وأن ألغى قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى رقم (7) لسنة 2006 لانعدام شرط الضرورة التي لا تحتمل التأخير ومساسه بضمانات المحاكمة العادلة، وإنَّ الموافقة عليها تتجاوز موقفاً مبدئياً سابقاً للسلطة التشريعية من القرار بقانون.
3. لم تلحظ التعديلات المقترحة أن المبررات التي ساقتها المذكرة التفسيرية للقرار بقانون بشأن طول أمد التقاضي وعدم وجود قضاة متخصصين بدعاوى الجنايات الخطرة لا أساس لها، وذلك لأن تفريغ تلك الدعاوى من أمام محاكم البداية، وإحالتها إلى محكمة الجنايات الكبرى، من شأنه أن يراكم الدعاوى أمامها ويزيد من حالة الاختناق القضائي، كما أن نصوصه لا تتضمن أية أسس أو معايير بشأن العضوية في المحكمة بما يتناقض مع الإدعاء المتعلق بالحاجة إلى قضاة متخصصين، وفي المقابل فإنه يشكك في كفاءة قضاة البداية الذين فصلوا في آلاف القضايا الجنائية، الأمر الذي يؤكد عدم وجود أي مبرر وأية ضرورة تستدعي إقراره .
4. هنالك حاجة للتأكيد مجدداً؛ أن تشكيل محكمة الجنايات الكبرى، بقرار بقانون، مخالفٌ بحد ذاته لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني الذي نص صراحة في المادة (97) على أن يحدد "القانون" طريقة تشكيل المحاكم واختصاصاتها، وحيث أن المشرّع الدستوري قد أسند تشكيل المحاكم واختصاصاتها لقانون أصيل يصدر عن السلطة التشريعية فلا يجوز أن تُشكل بتشريع استثنائي (قرار بقانون) خلافاً لإرادة المشرّع الدستوري. وبالتالي، فإن تشكيل هذه المحكمة إنما يتم بقانون صادر عن البرلمان يعدل بمقتضاه أحكام قانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية باستحداث هذه المحكمة إنْ كان لها مقتضى. وبذلك، فإن تجاوز هذه "المسألة الدستورية" من شأنه أن يطرح تساؤلات حول مدى تماسك المواقف الصادرة عن مؤسسات المجتمع المدني ونقابة المحامين قياساً على مشروع القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية لاتحاد العلة؟
5. التعديلات المقترحة على اختصاصات محكمة الجنايات الكبرى بشأن الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي (مادة 5) وإنْ حصرتها بالجرائم جنائية الوصف، إلاّ أنها لم تحدد ماهية الجرائم التي ينعقد الاختصاص فيها لمحكمة الجنايات الكبرى، وبخاصة في ظل ورود العديد من الجرائم جنائية الوصف على نحو واسع وفضفاض، ومن شأنها أن تؤدي إلى تسييس عمل المحكمة، كونها تنال من حرية التعبير عن الرأي؛ وذلك من قبيل الجرائم التي تنال من هيبة الدولة ومن الشعور القومي (مادة 130) والجرائم التي تتعلق بإذاعة أنباء توهن نفسية الأمة (مادة 131) المعاقب عليهما بالأشغال الشاقة المؤقتة، وهي تشمل الجرائم الإلكترونية، بما يعني استمرار إحالة المتهمين بجرائم أمن الدولة من صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء الرأي إلى محكمة الجنايات الكبرى، ويشكل انتهاكاً للحق في حرية التعبير عن الرأي المكفولة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الأساسي المعدل والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة.
6. لا تزال مسودة التعديلات المقترحة تمنح النيابة العامة صلاحيات واسعة ومفتوحة تخولها اتخاذ كافة الإجراءات التحفظية اللازمة والمتعلقة بالواقعة خلال مباشرتها التحقيق الابتدائي (مادة 6) دون توضيح طبيعة تلك الإجراءات، وحدودها الزمنية، ودون أية ضمانات، ودون إشراف قضائي، وهي تشمل وفقاً للنص الفضفاض الأشخاص والأموال، وهذا النص يخول النيابة العامة صلاحيات إصدار أوامر المنع من السفر والإدارج على قوائم ترقب الوصول على نحو مفتوح ودون إشراف قضائي، بما ينتهك المعايير الدولية وبخاصة ضمانات المحاكمة العادلة في مرحلة ما قبل المحاكمة والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة. والتعديل المقترح بإضافة عبارة "وفقاً للقانون" على صلاحيات النيابة العامة باتخاذ كافة الإجراءات التحفظية في مسار التحقيق الابتدائي يترك تلك الصلاحيات الواسعة عائمة بدون ضمانات ومن شأنها أن تخلق إشكاليات على أرض الواقع.
7. لا زالت مسودة التعديلات المقترحة على القرار بقانون تمنح النيابة العامة صلاحية توقيف المتهم بعد استجوابه لمدة أربعة أيام (مادة 7) بما يشكل تراجعاً عن ضمانات المتهم بموجب قانون الإجراءات الجزائية الذي حددها بثمان وأربعين ساعة قبل العرض على القضاء، كما أن هذا النص يشكل انتهاكاً للمادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بالاحتجاز التعسفي؛ حيث أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في التعليق العام رقم (35) على المادة (9) من العهد بشأن الاحتجاز التعسفي وبالنص الصريح بأن مدة الثماني وأربعين ساعة تكفي لنقل الفرد والتحضير لجلسة استماع في المحكمة. وفي ذلك تؤكد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه "حتى حين تؤخذ في الحسبان اعتبارات الأمن والإرهاب فإن مرور أربعة أيام على شخص رهن الاعتقال دون أن يعرض على محكمة تعتبر فترة طويلة، وإنَّ تقليص الزمن الذي يقضية المحتجز قبل العرض على المحكمة إلى الحد الأدنى لا يؤدي فقط إلى التقليص من خطر التعرض للتعذيب وإنما سيُيسر أيضاً من اكتشاف الأدلة على التعذيب حين يرتكب" (بروجان وآخرون ضد المملكة المتحدة، فقرة 62).
8. ما زالت التعديلات المقترحة تمنح النيابة العامة صلاحية إصدار أوامر الإفراج في مرحلة التحقيق بأكملها (مادة 10)، خلافاً لقانون الإجراءات الجزائية الذي ينيطها بالقضاء، كما أن التعديل المقترح على النص باتباع الإجراءات المنصوص عليها في الفصل الثامن من الباب الثالث من قانون الإجراءات الجزائية بشأن الإفراج بالكفالة وإعادة النظر في الجرائم المنصوص عليها في القرار بقانون يخلق حالة من التعارض والتناقض بين التعديل المقترح وبين ما ورد في قانون الإجراءات الجزائية بشأن أوامر الإفراج بالكفالة؛ حيث أن النص يمنح النيابة العامة صلاحية إصدار تلك الأوامر في مرحلة التحقيق في حين أن الفصل التشريعي الذي جرى الإحالة إليه يحصر صلاحيات إصدار أوامر الإفراج بالكفالة في مرحلة التحقيق ومرحلة المحاكمة بالقضاء فقط؛ فقد نصت المادة (131) من قانون الاجراءات الجزائية الواردة تحت الفصل المذكور على أنه "إذا لم يكن المتهم قد أحيل إلى المحاكمة يقدم طلب الإفراج عنه بالكفالة إلى القاضي الذي يحق له أن يصدر أمراً بتوقيفه" فيما نصت المادة (132) على أنه "إذا كان المتهم قد أحيل إلى المحكمة يقدم طلب الإفراج بالكفالة إلى المحكمة المختصة بمحاكمته". وبالتالي كيف يمكن تفسير هذه الإحالة التي تتعارض أساساً مع قانون الإجراءات الجزائية؟
9. ما زالت التعديلات المقترحة على القرار بقانون تخل بضمانات المتهم وبخاصة حقه في الدفاع عن نفسه في مواجهة قرار قضائي صدر في غيابه (مادة 13)، إذ لا يُجيز النص المذكور للمحكمة أن تقوم بإعادة النظر في قرار قضائي صدر في غياب المتهم إلاّ إذا اقتنعت بأن سبب الغياب يعود إلى قوة قاهرة، الأمر الذي يمس بضمانات المحاكمة العادلة، وفي ذلك تقول اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في التعليق العام رقم (32) إن فرض القيود على تمثيل المتهم نفسه لا يجب أن يتعدى ما هو ضروري للحفاظ على مصلحة العدالة ولا ينبغي أن تنص القوانين، بأيّ حال من الأحوال، على منع المتهم من تمثيل نفسه في مسار الإجراءات الجزائية.
10. حملت مسودة التعديلات المقترحة على قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى بعض الجوانب الإيجابية على المستوى القانوني، قياساً على الصيغة المنشورة في الجريدة الرسمية؛ وذلك من قبيل حصر مسألة الانعقاد المكاني للمحكمة بقرار رئيسها، وحصر الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي بالجرائم جنائية الوصف، وإلغاء التنفيذ المعجل للأحكام الصادرة عن المحكمة إعمالاً لقرينة البراءة، واختصاص المحكمة بنظر دعوى الحق المدني تبعاً للدعوى الجزائية، وحق المحكوم عليه بطلب استئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة مرافعة. ورغم أهمية تلك التعديلات، وبخاصة في مجال ضمانات المحاكمةالعادلة، إلاّ أنها ينبغي أن لا تكون على حساب إهدار النصوص الدستورية، ومبدأ سمو القانون الأساسي الفلسطيني، وإرادة المجلس التشريعي.
إنَّ مؤسسة الحق؛ وإذ تُجدد التأكيد على موقفها المبدئي بوجوب احترام أحكام القانون الأساسي بشأن القرارات بقانون وشروطها الدستورية، وبشأن تشكيل المحاكم واختصاصاتها، واحترام إرادة المجلس التشريعي وموقفه الواضح بشأن محكمة الجنايات الكبرى، واحترام ضمانات المحاكمة العادلة، فإنها تُجدد مطالبتها بإلغاء قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى رقم (24) لسنة 2017 تأكيداً على احترام إرادة المشرّع الدستوري، وصيانة لمبدأ سيادة القانون، والفصل بين السلطات، وحماية للحقوق والحريات العامة، ومرتكزات الحكم الصالح.