تدين وتستنكر مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية بأشد العبارات غياب الإرادة السياسية والمحاسبة والذي سمح لقوات الاحتلال الإسرائيلي التمادي في استهداف المدنيات والمدنيين وكان آخرها استهداف مركز توزيع مساعدات تابع للأمم المتحدة في رفح جنوب قطاع غزة، خلال عملية توزيع مساعدات. واستشهد خلال القصف عددا من المدنيين/ات متلقي المساعدات والعاملين على توزيعها أو حمايتها. كما واستهدفت قوات الاحتلال منتظري المساعدات وقتلت أعداد منهم جنوب مدينة غزة.
وترى مؤسساتنا بأن استمرار الاحتلال في ارتكاب هذه الجرائم المروعة والمشينة يعكس إصرارها على حرمان المدنيات والمدنيين الفلسطينيين من الحصول على المواد الغذائية والتموينية واستخدام التجويع كسلاح ضمن هجومها العسكري الواسع المستمر لليوم الـ 159 على التوالي، مع عجز المجتمع الدولي الذي كرس سياسة الإفلات من العقاب التي تحظى بها إسرائيل نتيجة الحصانة التي توفرها لها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
ووفق المعلومات التي جمعها باحثونا ففي حوالي الساعة 11:50 صباح اليوم الأربعاء 13 مارس/آذار، استهدفت طائرة مسيرة لقوات الاحتلال مقر توزيع المساعدات الإنسانية التابع للأونروا في الحي الإداري في مدينة رفح أثناء توزيع الطحين على السكان. أسفر القصف عن استشهاد 5 مدنيين، بينهم طفل، وأحد موظفي الأونروا وأحد أفراد الشرطة التي يعمل عناصرها على حماية وتأمين توزيع المساعدات. كما أصيب عدد آخر من المدنيين بجروح مختلفة بينهم 22 من موظفي الأونروا.
وهذا ليس الاستهداف الإسرائيلي الأول لمراكز الأونروا، فقد تم الإبلاغ عن 342 حادثة تأثرت بها مباني الأونروا والأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء الهجوم العسكري، وبعضها شهد حوادث متكررة منها الموقع ذاته. وقد تأثرت 157 منشأة تحت علم الأمم المتحدة، وبعضها دمر بالكامل، ومن بينها العديد من المدارس.
وتقدر الوكالة الأممية أنه استشهد ما لا يقل عن 404 نازحات ونازحين خلال تواجدهم في ملاجئ الأونروا وأصيب 1,385 آخرين على الأقل منذ بدء الهجوم العسكري في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما قتل أكثر من 165 موظفاً وموظفة من موظفي الأونروا.
وتشير مؤسساتنا إلى تأكيد المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أن هجوم اليوم على أحد مراكز التوزيع القليلة المتبقية التابعة للأونروا في قطاع غزة يأتي في الوقت الذي تنفد فيه الإمدادات الغذائية، وينتشر الجوع على نطاق واسع، في حين تحول الأمر إلى مجاعة في مناطق أخرى.
كما وأشار إلى أن ذلك جاء بالرغم من مشاركة وكالة الغوث "الأونروا" إحداثيات جميع منشآتها في أنحاء قطاع غزة بما فيها المنشأة المستهدفة اليوم مع الجيش الإسرائيلي.
وفي وقت متأخر مساء الأحد 10 مارس/آذار، أطلقت قوات الاحتلال النار تجاه مئات المدنيين الذين تجمعوا على طريق صلاح الدين قرب دوار كويت جنوب مدينة غزة بانتظار شاحنات المساعدات، ما أدى إلى استشهاد 9 منهم وإصابة نحو 20 آخرين على الأقل بجروح.
كما وتكرر في الأيام الماضية مشهد استهداف قوات الاحتلال منتظري المساعدات على طريق صلاح الدين وعلى شارع الرشيد جنوب مدينة غزة، ما تسبب باستشهاد وإصابة العشرات. وجاء ذلك رغم الإدانة الدولية الواسعة لعملية قتل جماعي اقترفتها قوات الاحتلال ضد منتظري المساعدات على شارع الرشيد في 29 فبراير/شباط الماضي، وأسفرت عن استشهاد 118 مدنيًّا وإصابة 760 آخرين بجروح.
ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه فصول المجاعة الناجمة عن القيود الإسرائيلية على وصول المساعدات خاصة إلى مناطق شمال وادي غزة، والتي أسفرت عن وفاة 27 مدنيًّا/ة، خاصة الأطفال نتيجة سوء التغذية والجفاف في مستشفى كمال عدوان ومستشفى الشفاء في غزة.
وتأتي هذه الجرائم في وقت تستمر فيه قوات الاحتلال في شن غاراتها المكثفة بما في ذلك منازل تؤوي نازحات ونازحين، وثقت طواقمنا عددًا منها، على النحو الآتي:
ففي 11 مارس/آذار، قصفت طائرات الاحتلال منزلاً لعائلة أبو شمالة ما أدى إلى استشهاد 16 مدنيًّا، 12 منهم من عائلة الصحفي مفيد أبو شمالة، وغالبيتهم من نساء والأطفال.
وفي اليوم نفسه قتلت 3 شقيقات من عائلة بركات في قصف طائرات الاحتلال منزلهن على رؤوسهن شرق مدينة رفح.
وفي 12 مارس/آذار، قصفت طائرات الاحتلال منزلاً يسكنه نازحين ونازحات في دير البلح، مما أدى إلى استشهاد 11 مدنيًّا/ة، منهم أسرة كاملة من عائلة عبد الغفور، حيث مسحت من السجل المدني وشملت الوالدين والأطفال الأربعة.
وأظهر انسحاب قوات الاحتلال من مدينة حمد السكنية صباح 13 مارس / آذار، حجم الدمار الهائل الذي طال العديد من الأبراج والمنازل والمحال التجارية بالمنطقة. كما انتشل السكان جثامين 17 فلسطينيًّا/ة قتلوا جراء غارات سابقة.
تجدد مؤسساتنا، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مركز الميزان، ومؤسسة الحق، تحذيرها من ترك نحو نصف مليون فلسطيني/ة فريسة للموت قصفًا وجوعاً وعطشاً خاصة في محافظتي غزة وشمال غزة، بعدما انقطعت عنهم المساعدات بشكل شبه كامل منذ أسابيع، وشحت جميع الأصناف الغذائية والدوائية الأساسية وخاصة الطحين، نتيجة قيود الاحتلال واستمرار العدوان الإسرائيلي.
وفي ضوء ذلك، تجدد مؤسساتنا مطالبة المجتمع الدولي للعمل على وقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق 2.3 مليون فلسطيني وفلسطينية في قطاع غزة، من خلال سياسة العقاب الجماعي المتمثلة بالتجويع والتعطيش ودفعهم إلى النزوح بعيداً عن أماكن سكناهم في ظروف تفتقر لأبسط حقوق الانسان ومن ثم استهدافهم في مكان نزوحهم وقتلهم. وعليه فإننا:
- نطالب المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على وقف العدوان، والعمل بقرارات محكمة العدل الدولة الملزمة بمنع ارتكاب إبادة جماعية، ودفعها إلى اتخاذ تدابير عملية تحفظ أرواح المدنيين والمدنيات في قطاع غزة، والاقلاع عن استخدام سياسة العقاب الجماعي التي تجرمه جميع القوانين الدولية والإنسانية.
- ندعو الأطراف السامية المتعاقدة على إجبار اسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بالوفاء بكامل التزاماتها وفق المواد 55، 56 من اتفاقية جنيف الرابعة، ويشمل ذلك وضع آليات مناسبة لإيصال المساعدات الإنسانية بما يضمن حماية المدنيين والمدنيات والحفاظ على كرامتهم، والضغط من أجل توفير المزيد من الممرات الإنسانية لتسهيل عمل المؤسسات الإنسانية الدولية في إيصال الكميات المطلوبة من الأغذية والأدوية للسكان في شمال قطاع غزة.
- نطالب المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة كافة إلى بذل المزيد من الجهد في توفير المساعدات الغذائية والدوائية، وكذلك المياه الصالحة للشرب في ظل تعطل أنظمة الخدمات الحكومية والبلدية.