مع دخول الهجوم العسكري الإسرائيلي -عبر الجو والبر والبحر- على قطاع غزة شهره السادس، يستعد الفلسطينيون والفلسطينيات في قطاع غزة لاستقبال شهر رمضان وسط معاناة إنسانية غير مسبوقة ناجمة عن الحرب المدمرة والحصار غير القانوني، وتهجير 90 % من السكان وعيشهم في خيام منذ عدة أشهر متواصلة، في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال.
وتواصل آلة الحرب الإسرائيلية عدوانها العسكري الواسع لليوم الـ 155 على التوالي، بما في ذلك سحق المدنيين والمدنيات تحت ركام منازلهم بعد قصفها دون إنذار مسبق، مع استمرار فرض القيود على تدفق المساعدات ما أنتج مجاعة قاسية خاصة شمال وادي غزة.
وتؤكد مؤسساتنا أن استمرار الاحتلال في ارتكاب هذه الجرائم المروعة هو نتيجة لسياسة الإفلات من العقاب التي تحظى بها إسرائيل في ظل الحصانة التي توفرها لها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية مع غياب آليات تنفيذية تلزمها بقواعد القانون الدولي الإنساني.
ووثق باحثونا في الأيام الماضية مزيداً من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت منازل سكنية دون إنذار مسبق، وهو ما أدى إلى وقوع عشرات الشهداء والجرحى، وفيما يلي أبرز هذه الاعتداءات:
في حوالي الساعة 04:50 صباح الجمعة 9 مارس/آذار 2024، قصفت طائرات الاحتلال منزل المواطن رباح أبو سليمة فوق رؤوس ساكنيه في منطقة المواصي جنوب غربي رفح. أسفر القصف عن استشهاد 5 من سكانه، بينهم طفلان وامرأتان وإصابة آخرين بجروح مختلفة.
وصباح اليوم نفسه، قصفت طائرات الاحتلال عدة منازل لعائلة السقا في بلدة القرارة، شمال شرقي خانيونس، ما أدى إلى استشهاد 12 مدنيًّا/ة، منهم زوجان وأطفالهما الأربعة، وإصابة وفقدان آخرين تحت الأنقاض مع تعذر وصول طواقم الإنقاذ لإجلائهم.
ويواجه آلاف النازحين والنازحات الذين يعيشون في خيام بالية في منطقة مواصي خانيونس، ظروفًا غاية في السوء، ويواجهون مخاطر حقيقية مع استمرار هجوم عسكري بري تنفذه قوات الاحتلال في مدينة حمد السكنية وغربها منذ 2 مارس/آذار، على بعد عشرات الأمتار من منطقة مواصي خانيونس، ويتخلل ذلك شن غارات وإطلاق قذائف مدفعية تصل إلى خيام النازحين والنازحات وتتسبب بوقوع ضحايا من المدنيين/ات، كما حدث صباح اليوم السبت عندما سجلت عدة إصابات.
كما واصلت قوات الاحتلال خلال الأيام الماضية، في إطلاق النار واستهداف المدنيين منتظري المساعدات قرب دوار الكويت على طريق صلاح الدين، وقرب مفترق النابلسي على شارع الرشيد، جنوب غزة، موقعةً المزيد من الضحايا شهداء ومصابين.
وأظهر انسحاب قوات الاحتلال من عدة أحياء وسط خانيونس، حجم الدمار الهائل الذي حل بالمنازل السكنية والمنشآت والبنى التحتية.
وتبين من جولة نفذها باحثونا أنه تقريبا لم يسلم أي بيت أو متجر وسط خانيونس وتغيرت معالم المنطقة بالكامل، نتيجة التدمير الواسع المتعمد دون ضرورة، فيما جرى انتشال عدد كبير من جثامين الضحايا من الشوارع وقرب المنازل، فيما عثر يوم 7 مارس/آذار على جثمان مدني وطفل في مدرسة خانيونس الثانوية وكانا يرتديان الزي الأبيض الذي تلبسه قوات الاحتلال للأشخاص بعد اعتقالهم خلال هجومها البري في القطاع، ما يشير إلى احتمال أنه جرى تصفيتهما بعد اعتقالهما، وهو الأمر الذي يستوجب فتح تحقيق في هذا الجريمة التي باتت نمطًا متكررًا في المناطق التي شهدت هجمات برية للاحتلال الإسرائيلي.
ومساء الجمعة، أعلنت وزارة الصحة استشهاد 3 أطفال في مجمع الشفاء الطبي نتيجة سوء التغذية والجفاف، وهو ما يرفع حالات الوفاة لهذا السبب إلى 23 في قطاع غزة.
وتؤكد طواقمنا، أن هذا العدد يقتصر على من وصل المستشفيات، في حين هناك تقديرات بأن العديد من الضحايا سقطوا نتيجة الجوع وسوء التغذية ولم يوثقوا رسميا.
وأسفر العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي، حتى صباح 9 مارس/آذار، عن استشهاد 30,960 فلسطيني/ة من بينهم أكثر من 13,340 طفلا و8,900 امرأة، وإصابة 72,524 آخرين. 72 % من الضحايا من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في غزة.
ويشكل حلول شهر رمضان وسط هذا الوضع الإنساني الكارثي من استمرار القصف وغياب الأمن في أي مكان في قطاع غزة، ونزوح نحو مليوني فلسطيني/ة في خيام ومراكز إيواء مع الافتقار للمواد الغذائية والرعاية الصحية، محطة ألم ومرار ووصمة عار على جبين الإنسانية.
وفي ضوء ذلك، تُجدد مؤسساتنا، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق، مطالبة المجتمع الدولي للعمل على إلزام إسرائيل بالوقف الفوري لعدوانها، وإلزامها بالتوقف عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي تستهدف 2.3 مليون فلسطيني/ة في قطاع غزة، من خلال سياسة القتل الجماعي وإيقاع الأذى الجسدي والنفسي البليغ، والتدمير الشامل للمنازل والبنى التحتية ومقومات الحياة، والعقاب الجماعي المتمثل بالتجويع والتعطيش والحرمان من العلاج ودفعهم إلى النزوح بعيداً عن أماكن سكناهم في ظروف تفتقر لأبسط حقوق الانسان ومن ثم استهدافهم في مكان نزوحهم وقتلهم.
ونطالب المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على الالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية الملزمة بمنع ارتكاب إبادة جماعية، ودفعها إلى اتخاذ تدابير عملية تحفظ أرواح المدنيين والمدنيات في قطاع غزة، والاقلاع عن استخدام سياسة العقاب الجماعي التي تجرمه جميع القوانين الدولية والإنسانية.
وندعو الأطراف السامية المتعاقدة على إجبار دولة إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بالوفاء بكامل التزاماتها وفق المواد 55، 56 من اتفاقية جنيف الرابعة، ويشمل ذلك وضع آليات مناسبة لإيصال المساعدات الإنسانية بما يضمن حماية المدنيين والمدنيات والحفاظ على كرامتهم، والضغط من أجل توفير المزيد من الممرات الإنسانية لتسهيل عمل المؤسسات الإنسانية الدولية في إيصال الكميات المطلوبة من الأغذية والأدوية للسكان في شمال قطاع غزة.
ونطالب المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة كافة ببذل المزيد من الجهد في توفير المساعدات الغذائية والدوائية، وكذلك المياه الصالحة للشرب في ظل تعطل أنظمة الخدمات الحكومية والبلدية مع استمرار العدوان العسكري على قطاع غزة ودخوله الشهر السادس.