بينما يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي اليوم 8 مارس/آذار، فإن نساء غزة وبعد مرور خمسة أشهر ويوم يعشن تحت وطأة جريمة الإبادة الجماعية. خلال هذا الوقت، قتلت إسرائيل أكثر من 30,800 فلسطيني وفلسطينية في غزة، من بينهم حوالي 9,000 امرأة، وفقًا لما ذكرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة. في يوم المرأة العالمي هذا، من الضروري أن نرفع أصوات وروايات النساء الفلسطينيات، وخاصة النساء في غزة، قصصهن تمثل شهادات الناجيات من وسط الإبادة الجماعية المستمرة.
تواجه النساء والفتيات في قطاع غزة خطر الاختفاء القسري أو الاحتجاز التعسفي على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية. وكثيراً ما تتعرض النساء المعتقلات للتفتيش العاري والإذلال وغيره من أشكال التعذيب، إلى جانب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة أثناء اعتقالهن أو احتجازهن.
عبر خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم البالغ إزاء التقارير التي ترد حول حالات تعرضت فيها النساء والفتيات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية لأشكال متعددة من الاعتداءات الجنسية مثل تجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن من قبل ضباط الجيش الإسرائيلي من الذكور.
عائشة (20 عام) من مخيم جباليا في شمال غزة. اعتقلت من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بينما كانت متجهة هي وعائلتها نحو الجنوب تبعا لأوامر التهجير الإسرائيلية. تم توقيفها على حاجز عسكري على شارع صلاح الدين وفصلها عن عائلتها. اعتقلت عائشة من غزة وتم في بادئ الأمر نقلها لسجن الدامون ومن ثم إلى سجن آخر في النقب. أطلق سراح عايشة بتاريخ 9 يناير/كانون الثاني 2024 وعادت إلى غزة. أخبرتنا عائشة التالي عن تجربتها في الاعتقال:
"أمرني الجندي خلع الجلباب ونفضه. بعدها طلب مني خلع البلوزة والبنطال. كنت أرتدي أكثر من قطعة، ثم قالت لي المجندة البسيهم مرة أخرى. بعدها قالوا لي تعالي وقاموا بعصب عيني بقطعة من القماش وقيدوا يدي للأمام بمربط بلاستيكي. وبعدها قامت المجندة بإمساكي من ذراعي وقادتني للأمام وجعلتني أوقع على ورقة وأنا معصوبة العينين، ووقفت بعدها وأجلستني على كرسي. سألني بعدها شخص يتحدث العربية ما اسمك وما عمرك. بعدها قال لي لقد أوقفنا عائلتك بعد 500 متراً وأخذناهم، وسألني عن تخصصي في الجامعة وفي أي سنة واسم والدي ووالدتي ومهنتهم. ثم سألني إن من أعرف أحد ينتمي لحركة حماس من أقاربي. فأجبته لا أعرف وسألني عن مكان المختطفين الاسرائيليين وقلت لا أعرف وسألني عن عدد اخوتي وأجبته. بعدها قال لي سأسألك بعض الأسئلة على جهاز كشف الكذب وكنت حينها جالسة على الكرسي ومعصوبة العينين.
أخذني بعد ذلك وأجلسني على رمال، فنظرت من أسفل العصبة التي كانت على عيني، ووجدت بنت مقابلة لي في المكان، علمت لاحقاً اسمها. بعد ذلك سمعت صوت مجندات مصطحبات معهم فتاة أخرى ثم قاموا باقتيادنا مشياً على الأقدام لمدة دقيقة وأجلسونا مرة أخرى على الرمال، وكان معي فتاتين أخريات وكنت أسمع صوتهن، واسترقت النظر تحت عصبة العينين، وأحضروا فتيات أخريات إلى أن أصبح عددنا ستة فتيات. خلال جلوسنا على الرمال كنا نسمع صوت رجال يصرخون من شدة الألم. اقتادونا بعد ذلك إلى الجيب وكان الوقت تقريباً عصراً. أحضروا لنا فقط المياه وكان الجو بارد فطلبت احدى الفتيات غطاءً ولم يعطوها.
أخذني بعد ذلك وأجلسني على رمال، فنظرت من أسفل العصبة التي كانت على عيني، ووجدت فتاة مقابلة لي في المكان، علمت لاحقاً اسمها. بعد ذلك سمعت صوت مجندات مصطحبات معهم فتاة أخرى ثم قاموا باقتيادنا مشياً على الأقدام لمدة دقيقة وأجلسونا مرة أخرى على الرمال، وكان معي فتاتين أخريات وكنت أسمع صوتهن، واسترقت النظر تحت عصبة العينين، وأحضروا فتيات أخريات إلى أن أصبح عددنا ستة فتيات. خلال جلوسنا على الرمال كنا نسمع صوت رجال يصرخون من شدة الألم. اقتادونا بعد ذلك إلى الجيب وكان الوقت تقريباً عصراً. أحضروا لنا فقط المياه وكان الجو بارد فطلبت احدى الفتيات غطاءً ولم يعطوها. وضعوا على أيدينا جلدة بلاستيكية مكتوب عليها رقم 12، وبعد دخول الليل حملونا بعنف إلى الجيبات، حيث حملني جندي من الكتفين من الخلف ولا أعلم إن كان جندي أو مجندة. سار الجيب تقريبا نصف ساعة، وكان متصل في عربة أخرى فيها أسرى رجال وعلمنا ذلك من خلال صراخ أحدهم أن يده تألمه. ثم أنزلونا وكنا نسمع صوت صفارات انذار واشتباكات ولا أعلم أين هذا المكان، ولكن أعتقد أنه على حدود غلاف غزة.
أجلسونا على بطانية موضوعة على الحصى. طلبت فتاتين منا الذهاب للحمام وبعد ذلك علمت أنهم قضوا حاجتهم في الخلاء. طلبنا بطانية فأعطونا واحدة فقط وكانت خفيفة فطلبنا بطانية أخرى ورفضوا ذلك، وطلبنا الماء فأعطونا.
كان بجانبي فتاة تعاني من آلام في البطن، أحضروا لها الطبيب وأنا كنت أترجم للطبيب وقالت الفتاة حينها للطبيب أشعر أني أجهضت، وكانت حامل في الشهر الثاني. طُلب منا خلع أحذيتنا، وكنا معصوبي الأعين ومكبلي اليدين طيلة الوقت. قال لها الطبيب للفتاة فقط أن تتمدد على الأرض. تمددنا بجانبها وقالوا لنا ناموا ونحن مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين، كنا ننام ونصحو في البرد الشديد على الحصى الباردة".
وتعاني حوالي المليون من النساء والفتيات من شح وعدم توفر المستلزمات الصحية وعدم وجود للخصوصية في حياتهم اليومية خلال النزوح. ونشرت العديد من وسائل الإعلام والتقارير لجوء النساء لصناعة بديل للفوط الصحية من أقمشة الخيم أو الملابس، بينما لجأت الكثير من النساء إلى استعمال أدوية هرموية لوقف دورتهن الشهرية. بينما تعاني الكثير من النساء من عدم انتظام الدورة الشهرية بسبب التوتر والمجاعة وسوء التغذية وتعرضهن للصدمات خلال الأشهر الخمسة الماضية.
- هنادي الداية، من مخيم البريج للاجئين، روت لنا تجربتها في التهجير القسري:
"كنت أعيش في بيت مستأجر، وتم استهدافه بوجود زوجي وإخوتي بداخله. انهار المنزل عليهم. الحمد لله، لم يصب أي أحد منهم بإصابات بليغة، كانت إصاباتهم طفيفة. بعد استهداف المنزل انتقلت إلى منزل أهلي. وهناك، ألقوا [جيش الاحتلال] على المنطقة مناشير تطالب بإخلاء مخيم البريج. سألنا أين يمكننا التوجه لمكان آمن، قالوا لنا أن نتوجه إلى مدرسة، فتوجهنا إلى مدرسة تابعة للأونروا، مدرسة أبو هميسة في البريج. رأينا الموت بأعيننا. كانت الشظايا تتساقط فوق رؤوسنا وكان هناك إطلاق نار".
يُقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك حوالي 50,000 امرأة حامل في قطاع غزة، حيث تضع حوالي 180 امرأة منهن مولودا يومياً. تواجه هذه النساء الحوامل ظروفًا صعبة، بما في ذلك المجاعة، مع نقص الوصول الكافي إلى الطعام الغني بالعناصر الغذائية والمياه النظيفة. يضطر هؤلاء النساء إلى استهلاك مياه ملوثة وخبز مصنوع من أعلاف الحيوانات، ويتحملن الاختيارات الصعبة للحفاظ على حملهن. ومع الانهيار شبه كامل لنظام الرعاية الصحية في قطاع غزة، أصبحت الرعاية الطبية السابقة للولادة غالبًا غير متاحة. أما بالنسبة لحوالي 15% من النساء اللواتي قد يواجهن مضاعفات تهدد حياتهن أثناء الولادة، تقدم المستشفيات القليل جداً من الرعاية، وغالبًا ما تكون مكتظة وتفتقر إلى الإمدادات الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الرعاية بعد الولادة شبه معدومة، مما يترك الأمهات بدون الضروريات الأساسية لأطفالهن الرضع. بدلاً من تصوّر مستقبل مليء بالأمل، تتصارع هذه الأمهات مع الواقع المظلم حيال ما إذا كان أطفالهن سينجون من الجوع أو المرض.
- وخلال افادتها المؤثرة، شاركت تغريد الأشقر قصة تجربتها القاسية مع الولادة في ظل ظروف النزوح القسري، قائلة:
"ولدت بعملية قيصرية. غادرنا مخيم جباليا للاجئين في اليوم الثالث من ولادتي، بينما كانت لا تزال غرز العملية موجودة. وكانت صحتها [الطفلة] غير جيدة. لا حفاضات، ولا حليب، لم يكن لدينا شيء. منذ أن جئنا إلى هنا وهي تعاني الإنفلونزا والبرد والسعال. لم نجد لها جهاز تبخيرة. الأدوية أيضاً غير متاحة. فمها ملتهب. حتى الملابس غير متوفرة. نبحث من هنا وهناك، ولكن [ملابسها] ليست دافئة بما فيه الكفاية بالنسبة لها".
إن مستوى الألم والدمار الذي حل بحياة النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة خلال هذا العدوان وجريمة الإبادة لا يمكن قياسه ولا وصفه. وحتى لو انتهت جريمة الإبادة الجماعية اليوم، سيظل أثرها على النساء والفتيات لفترة طويلة، خاصة فيما يتعلق بالعمل والتعليم. ستظل الصدمة والأثر النفسي للخمسة أشهر الماضية والمستمرة تطاردهن مدى الحياة. كانت تشكل النساء والفتيات في قطاع غزة، قبل وقوع جريمة الإبادة الجماعية، أقلية في سوق العمل ونظام التعليم. ومع ذلك، كن يشغلن الوظائف كمعلمات وصحفيات وطبيبات، وكن طالبات ذات طموحات كبيرة لمستقبلهن ولفلسطين. ولكن، اليوم، يبدو أن احتمال تحقيق أحلامهن بدأ يتلاشى. أفادت منظمة العمل الدولية أنه منذ بداية جريمة الإبادة الجماعية وحتى ديسمبر/كانون الأول 2023، تم فقد ما لا يقل عن 66% فرصة عمل. علاوة على ذلك، أثر العدوان على النظام التعليمي في قطاع غزة وأوقف عمل مدارس والجامعات، وطال ذلك حولي 625,000 طالب وطالبة.
في اليوم العالمي للمرأة، وفي كل يوم، من المهم الاعتراف بقدرة أكثر من مليون امرأة وفتاة على الصمود، والتمسك بالأمل وبقائهن الأساس ومستقبل غزة.
وفي هذا الصدد نؤكد ضرورة التحرك الدولي من قبل النساء والحركات النسوية والوقوف بوجه هذا الاضطهاد الذي تتعرض له النساء الفلسطينيات وتحديدا في غزة.
وتكرر مؤسساتنا النداء العاجل للنساء والجمعيات والحركات النسوية في كافة أرجاء العالم للتحرك والوقوف في وجه الاضطهاد الذي تتعرض له النساء الفلسطينيات في قطاع غزة، خاصة في ظل استمرار جريمة الإبادة الجماعية.