منذ بدأ عدوانها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مارست قوات الاحتلال الإسرائيلي أوامر التهجير الجماعي القسري ضد السكان المدنيين والمدنيات في قطاع غزة، في سابقة مست بشكل خطير بحياتهم وأمنهم ووضعتهم في ظروف لا إنسانية بشكل غير مسبوق.
وفاقم من هذه المعاناة استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل متكرر لأماكن نزوح المهجرين والمهجرات بالقصف، والذي طال الكثير من هذه الأماكن، بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة، والتي تصل إلى مستوى الانتهاكات الخطيرة والمنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولاسيما اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949، والتي توفر حماية خاصة للمدنيين، وتحظر تعريض حياتهم للخطر، أو ترهيبهم، أو تهجيرهم قسراً من ديارهم. وتقدر أعداد الشهداء في مراكز النزوح المختلفة بالآلاف، وعدد المصابين بعشرات الآلاف، ما يكشف ليس فقط استهتار إسرائيلي واضح بأرواح المدنيين والمدنيات، إنما تعمد إلحاق أكبر أذى بهم، ويكشف عن نية الإبادة الجماعية.
وبالرغم من صدور قرار عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2024 يطالب دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتوقف عن كل الأفعال التي قد تصل إلى إبادة جماعية، ومنها الأفعال الجرمية الموصوفة في المادة الثانية (أ) إلى (د) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ، إلا أن السلوك الإسرائيلي في التعامل مع المدنيين والمناطق المدنية لم يتغير، وما زال معدل الشهداء والإصابات في صفوف المدنيين والمدنيات في أماكن النزوح المختلفة مرتفعاً، حيث لا يقل عن 150 شهيد ومئات الجرحى يومياً. ولعل استهداف ثلاثة مشافي في مدينة خانيونس بمن فيها من آلاف النازحين، بالقصف والمداهمة، دليل دامغ على التنكر الإسرائيلي الواضح لقرار المحكمة.
تشير الإحصاءات المتوفرة بأن سلطات الاحتلال قد هجّرت أكثر 85% من سكان قطاع غزة، أي ما يزيد عن 1.9 مليون شخص. وقد عبرت المقررة الخاصة المعنية بالأشخاص النازحين داخلياً عن فزعها تجاه أوامر الإخلاء واسعة النطاق التي أمر بها جيش الاحتلال، وعبرت عن خشيتها من وجود خطة إسرائيلية لطرد معظم سكان قطاع غزة خارج القطاع. ويعيش النازحون والنازحات، والذي عانى أغلبهم من التهجير لأكثر من مرة من المناطق التي حاولوا الاحتماء فيها في ظروف لا إنسانية بسبب غياب أي مقومات لتوفير أدنى مقومات الحياة جراء الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة، وقد لجأ النازحون والنازحات نتيجة التهديد الإسرائيلي والقصف الشديد والواسع النطاق إلى أماكن مختلفة شملت المدارس والمشافي وعيادات مراكز الأونروا الصحية وبيوت الأقارب وبعض المؤسسات الدولية، والشوارع ومراكز الإيواء في الأراضي والساحات العامة.
وقد تزايدت أعداد النازحين والنازحات بشكل دراماتيكي نتيجة لسياسة التهجير الجماعي المتدحرجة التي اتبعها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة. وكان من أبرز حلقات مسلسل التهجير الجماعي الأمر الإسرائيلي لسكان مدينة غزة والشمال بالنزوح، والذين يقدر عددهم بنحو 1.3 مليون نسمة، والذين اضطر معظمهم لتنفيذه تحت وطأة القصف العشوائي الذي راح ضحيته آلاف المدنيين والمدنيات هناك. وبعد حوالي شهرين من ذلك، ومع استمرار العدوان، أجبرت قوات الاحتلال، وبنفس الطريقة، سكان شرق المحافظة الوسطى ومحافظة خانيونس على إخلاء منازلهم ومراكز النزوح أيضاً، وأمرت أغلبهم بالتوجه إلى مدينة رفح، والتي باتت تستقبل أكثر من مليون نازح/ة. وقد تسببت هذه السياسة وما واكبها من حصار خانق على قطاع غزة، وعرقلة دخول المساعدات، في خلق أزمة إنسانية خانقة تعصف بحياة النازحين وتعرض سلامتهم وحياتهم لخطر حقيقي. وما زال مسلسل النزوح مستمراً مع إجبار المزيد من السكان والنازحين على الخروج من أماكنهم أو الأماكن التي نزحوا اليها. ومع تصاعد التهديدات بقرب اجتياح محافظة رفح، والتي تمثل آخر ملجأ للنازحين وآخر أمل للنجاة من موت محقق جراء القصف العشوائي في مناطق الاجتياح البري أو خطر المجاعة الذي يعصف بشمال قطاع غزة، باتت فرص النجاة من الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ضعيف جداً.
يسلط هذا التقرير الضوء على استهداف إسرائيل لمراكز وأماكن النزوح في قطاع غزة، مع استمرار العدوان على القطاع والذي راح ضحيته عشرات الآلاف بين شهيد ومفقود، حيث قدر عددهم حتى الآن بأكثر من 35 ألف شخص، بالإضافة إلى أكثر من مائة ألف جريح، الكثير منهم لم يتلق للآن العناية الطبية المناسبة.