تتابع مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية بقلق عميق استمرار الحملات التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتؤكد مجدداً أن استهداف الأونروا إنما يشكل حلقة في هجوم منظم تشنه دولة الاحتلال عليها بهدف انهاء وجودها في إطار سعي إسرائيل الدؤوب لتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة للاجئات واللاجئين الفلسطينيين.
وقد اشتدت وتيرة الهجوم الإسرائيلي على الأونروا في ضوء ادعاء قوات الاحتلال قبل أيام الكشف عن نفق لحركة حماس تحت المقر الرئيس للوكالة الدولية في مدينة غزة وما رافقه من زخم اعلامي واصطحاب ممثلي اعلام دوليين للنفق المذكور، للترويج بضلوع الأونروا المباشر في العمليات القتالية. المقر المذكور وكل المنشآت التابعة للأونروا في شمال وادي غزة لا تعمل وتم إخلاؤها منذ أكثر من أربعة شهور بطلب من قوات الاحتلال، وهو ما أوضحه المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني قائلاً في تغريدة على منصة (إكس) أن "الأونروا لم تكن تعلم ماذا يوجد تحت مقرها الرئيس في غزة. وأن طاقم الأونروا غادر المقر في غزة في ١٢ أكتوبر/تشرين الأول تبعاً لأوامر إخلاء إسرائيلية ومع اشتداد القصف في المنطقة". ومع ذلك رد وزير الخارجية الإسرائيلي في تغريدة على إكس بـ "الكشف عن انخراط عميق لمقر الأونروا في غزة مع حماس، بما في ذلك استخدامه لنشاطات إرهابية وكمركز دخول لأنفاق إرهابية، يتطلب عملاً فورياً".
وسبق ذلك ادعاء آخر من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي بضلوع عدد من موظفي الأونروا في الهجوم الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ عدد من الدول المانحة القرار بتعليق تمويلها للأونروا، على الرغم من اتخاذها تدابير فورية للتعامل مع الادعاءات الإسرائيلية، بما في ذلك فتح تحقيق فوري. علماً بأن دولة الاحتلال لم تتعاون مطلقاً مع المطالب الملحة من قبل الأونروا لاطلاعها على المعلومات والبينات بشأن ادعاءاتها، كما لم تتعاون مع لجنة التحقيق التي شكلت على إثر ذلك.
وتحذر مؤسساتنا من اجراءات الاحتلال الهادف لحظر عمل الأونروا وتقويض وجودها. وقد صادقت الجلسة العامة في الكنيست مؤخراً بقراءة أولية على مشروع قانون بحظر نشاط الأونروا وإصدار أمر للشرطة الإسرائيلية بفرضه، وستتم إحالته للجنة الشؤون الخارجية والأمن لمناقشته. ووجهت سلطة الأراضي الإسرائيلية مؤخراً كتاباً للأونروا تطالبها بإخلاء معهد قلنديا للتدريب المهني، شمال القدس، ودفع تعويضات عن استخدام قطعة الأرض المقام عليها، بادعاء أنه تم شراؤها قبل نحو قرن من مانحين يهود.
كما تلاحظ مؤسساتنا أن التهديدات المتزايدة للأونروا تتزامن مع الدعوة التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية. وفي مداولات المحكمة وفي قرارها الأخير الذي أمر إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين/ات في قطاع غزة، اقتبست تصريحات المفوض العام للأونروا مراراً للدلالة على وقوع أفعال الإبادة الجماعية. وترى مؤسساتنا أن الهجوم على الأونروا يهدف أيضاً إلى تقويض مصداقيتها ومعاقبتها على المساهمة في كشف الإبادة الجماعية الجارية في القطاع.
وتجدد مؤسساتنا التأكيد على دعمها الكامل لعمل الأونروا، وتحذر من أي مساس بوضعها القانوني وبعملها حيث تقدم خدمات إغاثية لملايين اللاجئين/ات الفلسطينيين/ات في مراكز عملياتها في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي الشتات، تشمل خدمات تعليمية وصحية وغيرها. وفي قطاع غزة تقدم الأونروا خدماتها لنحو 70٪ من السكان، وهم من اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم عام 1948. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، باتت الأونروا المعيل الرئيس الذي يقدم خدمات إغاثية لكافة سكان القطاع البالغ تعدادهم نحو 2.3 مليون نسمة، والذين تحول أكثر من 85٪ منهم إلى نازحين/ات.
وتحذر مؤسسات حقوق الإنسان بأن اضعاف أو إنهاء عمل الأونروا يعني ببساطة وقف تزويد أهالي قطاع غزة بالمواد الغذائية والتي يدخل منها إلى القطاع حوالي 5٪ من احتياجاته، كما يلغي الدور التحذيري من المجاعة الحقيقية الواقعة في شمال غزة، وسيعني أيضاً غياب الصوت الأممي صاحب المصداقية في توصيف الحالة الإنسانية الكارثية في القطاع وما يحدث من جريمة إباده وتجويع وترحيل قسري واستهداف للمدنيين/ات حتى في أماكن اللجوء ومراكز الإيواء.
إننا نعتبر أن غياب الأونروا يعني سقوط الجدار الأخير قبل النكبة الجديدة والتهجير القسري الى سيناء لأكثر من مليون ونصف فلسطيني/ة. إن إنهاء الاونروا هو إمعان في جريمة الإبادة الجماعية.