القائمة الرئيسية
EN
أربعة أشهر وجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة مستمرة
07، فبراير 2024

يدخل الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة اليوم الأربعاء 7 فبراير/ شباط 2024 شهره الخامس (124 يومًا)، وسط ارتفاع غير مسبوق لأعداد الضحايا، 70% بينهم من الأطفال والنساء، واستمرار أوامر التهجير القسري التي تفاقم الوضع الإنساني نتيجة نزوح قرابة 90% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، 65% منهم داخل مدينة رفح، التي تلوّح إسرائيل بهجوم بري وشيك عليها، واستمرار اقتراف الاحتلال لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والجريمة الأخطر وهي جريمة الإبادة الجماعية، مع التجاهل التام لقرارات محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع هذه الجريمة.

وفي أحدث أشكال التهجير، أجبرت قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم الاثنين 5 فبراير/ شباط 2024، ثمانية آلاف نازح/ة كانوا قد نزحوا إلى مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، الذي يضم أيضاً مستشفى الأمل، ويقع في حي الأمل غرب مدينة خانيونس، للنزوح مجددا باتجاه مواصي خانيونس، بعد 15 يومًا من الحصار الخانق والقصف المتكرر على مقر الجمعية والمستشفى.

كما أجبر النازحون/ات على المرور عبر شارع محدد يوجد به حاجز تفتيش لقوات الاحتلال قرب مقر وزارة التنمية الاجتماعية غرب خانيونس، وأجبر جنود الاحتلال العشرات من الرجال على التعري التام، وطلب من بعضهم الالتفاف (الدوران) عدة مرات على مرأى باقي النازحين/ات بشكل مهين، كما تعرض العديد منهم للاعتقال والاحتجاز، وسمح للبقية بالتوجه نحو منطقة المواصي، وجزء منهم توجه إلى رفح.

وتشير المعطيات التي وثقتها طواقمنا، إلى استشهاد نحو 44 فلسطينياً/ة، وإصابة العشرات من النازحين/ات والسكان داخل ومحيط مقر جمعية الهلال، خلال الأسبوعين الماضيين، إلى جانب اقتحام مدخل المستشفى عدة مرات، وإرسال طائرات مسيّرة تطالب النازحين/ات بالإخلاء خلال الأيام الماضي، في حين اعتقلت قوات الاحتلال صباح أول أمس الاثنين، 5 فبراير/ شباط 2024، الدكتور حيدر القدرة، المدير العام لمستشفى الأمل، والمدير الإداري للمستشفى، ماهر عطا الله، واحتجزتهما لساعات قبل أن تفرج عنهما.

ومن بين الشهداء، ثلاثة من الأفراد العاملين في جمعية الهلال، حيث استشهد أحد موظفي الهلال الأحمر وأحد المتطوعين فيه قرب بوابة مستشفى الأمل في 31 يناير/ كانون الثاني 2024، واستشهدت موظفة في 2 فبراير/ شباط في مقر الجمعية.

ووفق ما أعلنت جمعية الهلال الأحمر فقد بقي داخل المستشفى 40 نازحًا/ة فقط من كبار السن، بالإضافة إلى حوالي 80 مريضاً/ة وجريحاً/ة، و100 من الطواقم الإدارية والطبية.

هذا وتستمر القيود والمخاطر على طواقم الاسعاف أثناء أداء عملهم في مجمع ناصر الطبي في خانيونس، والذي يتعرض محيطه للقصف بشكل مستمر، ويعاني من نقص حاد في أدوية التخدير والعناية المركزة ومستلزمات وخيوط العمليات الجراحية. يذكر أن عدد النازحين/ات داخل المجمع يقدر بحوالي 10 آلاف نازح/ة، بالإضافة إلى 450 جريح/ة، و300 من الطواقم الطبية. وبات المستشفى ومن هم داخله في مرمى نيران قناصة الاحتلال الذين يطلقون النار بشكل عشوائي، حيث استشهدت طفلة تبلغ من العمر 14 عامًا، صباح اليوم الأربعاء خلال وجودها في باحة المستشفى.

كما استمرت قوات الاحتلال في الأيام الماضية، في محاولة تفريغ غرب مدينة غزة من السكان الذين تبقوا هناك، عبر مداهمة مراكز الإيواء والمنازل، واعتقال العديد من المدنيين/ات وإجبار البقية على التوجه نحو دير البلح.

ورغم أن الاحتلال حدد دير البلح ورفح، كمناطق آمنة، إلاّ أنه كثف هجماته الجوية على المنازل السكنية والتجمعات التي تأوي نازحين/ات، ما أدى إلى وقوع عشرات الشهداء، بما فيهم أطفال ونساء.

ومنذ السبت الماضي وحتى فجر اليوم الأربعاء، شنت طائرات الاحتلال عشرات الغارات على رفح، قصفت خلالها 8 منازل على رؤوس ساكنيها دون أي إنذار مسبق، إلى جانب قصف مدنيين خلال تحركهم، ما أسفر عن استشهاد 40 فلسطينيًّا/ة، منهم 14 طفلاً، و7 نساء، وصحفي، وإصابة عشرات آخرين بجروح، بعضهم بترت أطرافهم.

ومن بين هجماتها الأخيرة على مدينة رفح، قصفت طائرات الاحتلال فجر اليوم الأربعاء، شقة سكنية في مدينة رفح، ما أدى إلى استشهاد السيدة دعاء وليد محمود عرسان وطفلتها رغد أحمد محمد عرسان، وإصابة آخرين بجروح مختلفة.

ومساء أمس الثلاثاء، قصفت شقة سكنية في حي تل السلطان غرب مدينة رفح، ما أدى إلى استشهاد الصحفي في صحيفة الاستقلال وقناة القدس اليوم الفضائية زكريا فتحي مصلح ابو غالي، ووالدته وشقيقته وإصابة آخرين بجروح.

ومساء اليوم نفسه، شنت طائرات الاحتلال 5 غارات على امتداد الحدود المصرية الفلسطينية جنوب مدينة رفح ما أدى إلى تدمير الطريق الممتد من معبر رفح شرقاً وحتى المواصي غرباً والذي تستخدمه حالياً شاحنات المساعدات. كما قصفت طائرة مسيرة إسرائيلية مركبة للشرطة في حي خربة العدس في مدينة رفح ما أدى إلى استشهاد 6 من أفراد الشرطة الفلسطينية وبعضهم متطوعين ويتركز عملهم في تأمين شاحنات المساعدات التي تتعرض للسرقة. كما شنت عدة غارات أخرى على منازل وسكان ما أدى إلى استشهاد عدد منهم وإصابة آخرين.

وخلال يومي السبت والأحد الماضيين قتلت قوات الاحتلال 30 فلسطينيا/ة على الأقل في غارات شنتها على دير البلح، واستهدفت منزلين ومسجد.

ويأتي تصعيد الهجمات في إطار إصرار إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، على اقتراف المزيد من جرائم الحرب وجريمة الإبادة الجماعية، متجاهلة قرارات محكمة العدل الدولية التي ألزمتها باتخاذ تدابير لمنع هذه الجريمة.

ومنذ قرار المحكمة الصادر في 26 يناير/كانون الثاني 2024، قتلت قوات الاحتلال حتى ظهر اليوم الأربعاء 1,625 فلسطيني/ة، وارتكبت 175 مجزرة، في استهداف مُركز على منازل تأوي عدد كبير من المدنيين/ات، كما وأصابت 2,452 آخرين بجروح، علمًا أن جزءا كبيرا من الضحايا هم من الأطفال والنساء.

وبذلك ترتفع حصيلة ضحايا العدوان منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حتى ظهر اليوم، إلى 27,708 شهيدًا/ة، بالإضافة إلى 67,147 جريحًا/ة، 70% منهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة الفلسطينية في غزة. وهناك 11 ألف جريح/ة ومريض/ة بحاجة ماسة لمغادرة قطاع غزة للعلاج من أجل إنقاذ حياتهم وفق وزارة الصحة.

وتؤكد طواقمنا، أن العدد الفعلي للشهداء هو أكبر بكثير من الرقم المعلن؛ بالنظر لوجود أعداد كبيرة من الضحايا وهم بالآلاف (بين 7-8 آلاف مفقود/ة) تحت الأنقاض أو في الشوارع، وفي كثير من الحالات يضطر الأهالي لدفنهم لتعذر نقلهم للمشافي. وضمن هؤلاء هناك أعداد كبيرة تحللت جثثهم، ما ينذر بانتشار الأمراض والأوبئة الصحية، فضلا عن انتهاك كرامة الميت.

وتتفاقم المعاناة الإنسانية الصعبة نتيجة نزوح نحو مليوني فلسطيني/ة، بينهم قرابة أكثر من 1.5 مليون في رفح، التي تحولت إلى مدينة خيام، بلا بنية تحتية ولا خدمات قادرة على تلبية هذه الأعداد الهائلة من النازحين/ات، مع استمرار المخاوف من تردي الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض والأوبئة التي أصابت مئات الآلاف مع غياب الرعاية الصحية.

كما تتفاقم أزمة المجاعة التي تتفشى بشكل خاص شمال وادي غزة، إذ لا يزال يوجد قرابة 400 ألف نسمة (وفق تقديرات الجهات الحكومية في غزة) مع محدودية وصول المساعدات إليهم، ويتكرر هناك استهداف الاحتلال للمدنيين/ات الذين يأتون من مناطق بعيدة إلى المنطقة القريبة من الحواجز الإسرائيلية التي تقع على شارع صلاح الدين، حيث تتوقف الشاحنات القليلة التي يسمح بوصولها لتلك النقطة، على أمل استلام الطحين أو أي مساعدات أخرى، وأدى ذلك بشكل متكرر لوقوع شهداء وجرحى.

وفي 5 فبراير/ شباط 2024، أُصيبت قافلة معونات بنيران قوات الاحتلال عندما كانت تنتظر التوجه إلى شمال غزة، ولم تسفر عن وقوع ضحايا، حسبما أفاد نائب منسق الشؤون الإنسانية.

وفي كانون الثاني/ يناير، رفضت السلطات الإسرائيلية وصول 56% من البعثات التي كانت مقرّرة لإيصال المعونات الإنسانية إلى شمال غزة (34 من أصل 61 بعثة) و25% من البعثات التي كانت مقرّرة لإيصال المعونات الإنسانية إلى المنطقة الوسطى (28 من أصل 114 بعثة)، وفق بيان لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة.

كما تتواصل المآسي الناجمة عن الحرب والنزوح، لا سيما على صعيد الفئات الأكثر هشاشة مثل النساء والأطفال، حيث تزيد الأعباء عليهم مع ارتفاع أعداد الأرامل والأيتام، وفقدان المعيلين إما بسبب القتل أو الاعتقال أو الفقد، أو التشتت نتيجة النزوح. ووفقًا لليونيسف، يُعدّ جميع الأطفال في غزة تقريبًا، والبالغ عددهم 1.2 مليون طفل، في حاجة إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي، وهو ما يُمثّل ضعف عدد الأطفال بالمقارنة مع التقديرات التي كانت قائمة قبل الحرب. من بين هؤلاء نحو 17,000 طفل لا يرافقهم أحد أو مفصولين عن أسرهم، ولكل طفل/ة منهم قصته فقدانه لأسرته.

تجدد مؤسساتنا، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان ومؤسسة الحق، تحذيراتها أمام استمرار التهديد الإسرائيلي بالهجوي البري على رفح، بأنه سوف يشكل ذروة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وأن الهدف منه هو إيقاع أكبر قدر من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين/ات وإجبارهم على النزوح جنوباً باتجاه الحدود المصرية التي لا تبعد عنهم سوى عشرات الأمتار، وعندئذ ستفرض نكبة جديدة على الشعب الفلسطيني وتصبح أمراً واقعاُ لا محالة.

تحذر مؤسساتنا المجتمع الدولي، خصوصاً الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والمفوض السامي لحقوق الإنسان، من خطورة الوضع القائم في قطاع غزة وتطالبهم باتخاذ تدابير فورية لمنع النكبة الجديدة في فلسطين ووقف الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة.

كما تحذر مؤسساتنا شركاء إسرائيل في جريمة الإبادة الجماعية، سواء بدعمهم العسكري والسياسي غير المحدود لدولة الاحتلال أو بصمتهم، وتطالبهم بالوفاء بالتزاماتهم القانونية قبل فوات الأوان، وتطالبهم باتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين/ات الفلسطينيين/ات ووقف عمليات القتل الجماعي ومنع استكمال جريمة الإبادة الجماعية المستمرة التي تدخل شهرها الخامس. 

ونجدد مطالبتنا المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، وإلزام إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بالتوقف عن سياسة استهداف المدنيين/ات والأعيان المدنية كأداة انتقام وعقاب وضغط سياسي، واتخاذ إجراءات فعالة لضمان المساءلة على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة. ونؤكد على المجتمع الدولي ضرورة إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وإلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات التمييزية واللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وعودة اللاجئات واللاجئين دون قيد أو شرط .