بعد مرور 108 يوم على بدء هجومها العسكري الواسع على قطاع غزة، أصدرت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أوامر تهجير جديدة استهدفت تجمعات سكنية واسعة في خانيونس، بعد أيام من تهجيرها القسري مئات المدنيين والمدنيات من غرب غزة إلى وسط القطاع، ما يؤكد أن دولة الاحتلال ماضية في تنفيذ النكبة الثانية بحق الشعب الفلسطيني وتهجيره قسرًا في إطار جريمة الإبادة الشاملة ضده.
ونشر جيش الاحتلال على صفحة المتحدث باسمه على منصة اكس (تويتر)، خريطة جديدة تتضمن أوامر جديدة تشمل كل المتواجدين في بلوكات 107، 108، 109، 110، 111، 112، في أحياء مركز المدينة والأمل، ومخيم خانيونس، وهي تجمعات تضم أكثر من 100 ألف نسمة، وتضم مراكز إيواء تؤوي آلاف النازحين/ات، ومستشفى ناصر ومستشفى الأمل، وبهما آلاف النازحين/ات أيضًا، علمًا أن جزءًا من سكان هذه التجمعات نزحوا فعليا بعد توسيع قوات الاحتلال هجومها البري أمس، في حين لا يزال عشرات الآلاف منهم موجودين بداخلها.
كما أرسلت قوات الاحتلال رسائل مماثلة على الهواتف النقالة للسكان في هذه المنطقة تطلب منهم "الانتقال فورًا إلى المنطقة الإنسانية في المواصي عن طريق شارع البحر".
ووفق متابعة باحثينا، فإنه في الوقت الذي توجه قوات الاحتلال السكان والنازحين/ات إلى منطقة المواصي غرب خانيونس، فهي تواصل منذ أمس قصف المنطقة بغارات جوية وقصف مدفعي، بما في ذلك استهداف خيام النازحين/ات هناك، ما أدى إلى وقوع عدد من الشهداء والجرحى.
وعلى سبيل المثال، قصفت قوات الاحتلال عبر زوارقها في حوالي الساعة 12:30 ظهر اليوم، استراحات وخيام نازحين/ات على شاطئ بحر خانيونس قبالة المواصي، ما أدى إلى 4 شهداء، منهم 3 نساء وطفل.
وفي حوالي الساعة 01:34 من فجر يوم الثلاثاء، 23 يناير/ كانون الثاني 2024، نقلت سيارات الإسعاف إلى مستشفى النجار في مدينة رفح جثامين 5 شهداء من عائلة أبو خضير، من بينهم 3 أطفال وامرأة، إثر استهدافهم في حوالي الساعة 7:45 مساء أمس الإثنين، 22 يناير/ كانون الثاني 2024، من قبل طائرات الاحتلال في منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس. كما اشتعلت النيران بخيام تؤوي النازحين/ات بسبب القصف الإسرائيلي المستمر في المنطقة، ما تسبب بوقوع شهداء وإصابة آخرين بحروق شديدة.
بلغ عدد الشهداء الذين وصلوا مسشتفيات رفح من خانيونس منذ صباح يوم الإثنين، الموافق 23 يناير/كانون الثاني 2024، حتى مساء اليوم 23 شهيد/ة.
وتتابع طواقمنا، العديد من البلاغات، عن قصف قوات الاحتلال منازل وخيام ومراكز تجمع للنازحين/ات، تسبب آخرها بوقوع 8 شهداء صباح اليوم، في منطقة المواصي، في وقت يتعذر فيه تحرك سيارات الإسعاف لنقل الضحايا.
ومنذ أمس لجأ المزيد من السكان إلى محافظة رفح، التي تحولت إلى مدينة خيام، حيث يُحشر أكثر من 1.3 مليون شخص في مساحة مكتظة للغاية وسط وضع إنساني كارثي.
وعادت قوات الاحتلال مساء أمس 22 يناير/كانون الثاني لقطع الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة، للمرة العاشرة منذ بدء الهجوم العسكري على قطاع غزة، ويتزامن القطع، مع تصاعد وتيرة هجومها العسكري على خانيونس، والذي أوقع أكثر من 80 شهيدًا/ة وعدد كبير الجرحى، في وقت لا يزال الحديث يدور عن شهداء وجرحى لم تتمكن الطواقم الطبية من إخلائهم.
وتأتي أوامر التهجير الجديدة في خانيونس، بعد أن أجبرت قوات الاحتلال المئات من سكان غزة المدنيين، بما فيهم النساء والأطفال، على النزوح إلى دير البلح وسط القطاع، في 17 و18 يناير/كانون الثاني الجاري. جاء ذلك بعد أن داهمت قوات الاحتلال مدارس إيواء ومنازل في حي تل الهوا غرب غزة، ونكلت بالنازحين/ات فيها، قبل أن تجبرهم على التوجه نحو وسط القطاع.
وتدلل هذه التطورات، أن دولة الاحتلال ماضية في إحداث النكبة الثانية بحق الفلسطينيين والفلسطينيات في قطاع غزة، وتهجيرهم القسري وحشرهم في منطقة صغيرة ومن ثم استهدافهم وتدمير كل مكونات ومقاومات الحياة وحرمانهم من الطعام والماء.
وتشير إلى أن التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بشن هجوم عسكري على رفح في المرحلة القادمة يضع مخاطر جدية على حياة مئات آلاف السكان، ويعيد المخاوف من إعادة طرح مخطط تهجير السكان خارج قطاع غزة، مع الرفض الإسرائيلي لعودة السكان إلى شمال غزة، بل وإجبار المزيد ممن بقي هناك على النزوح للجنوب.
وتؤكد مؤسساتنا، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق، أنه مع توالي أوامر التهجير الصادرة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع نزوح فعلي لقرابة 2 مليون نسمة، اضطر مئات الآلاف إلى النزوح أكثر من مرة، ولم يعد هناك أي مكان يمكن اللجوء إليه كمأوى، وكل عملية نزوح جديدة تفقد المدنيين/ات الغالبية العظمى من الأمتعة والمواد التموينية القليلة التي تبقت معهم، فضلاً عن أنه لا يوجد أي مكان آمن في قطاع غزة، فالأماكن التي تصنفها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، كمناطق آمنة تتعرض لهجمات جوية ومدفعية متكررة توقع شهداء وجرحى.
ووفقا لتقرير جديد صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن «التهجير يؤدي إلى تفاقم ضعف الناس، ويؤدي إلى تآكل آليات التكيف لديهم، ويؤثر عليهم بشكل مختلف على أساس النوع الاجتماعي. وواجه الرجال الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري منذ بداية الهجوم البرّي في غزة، وواجهت النساء أيضًا مخاطر الاعتقال التعسفي والمضايقات أثناء التهجير. وبالنسبة للعائلات التي لديها أقارب مسنّين أو أفراد أسرة من ذوي الإعاقة الذين لا يستطيعون التنقل، فإن النساء، أكثر من غيرهن، يبقين لتقديم الرعاية".
وتحث مؤسساتنا محكمة العدل الدولية، على الإسراع في اتخاذ تدابير تضمن عدم استمرار إسرائيل في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وحماية المدنيين/ات والأعيان المدنية، كما وتحث مؤسساتنا الدول الداعمة للعدالة بالإعلان عن دعمها وتقديم طلبات للمحكمة لدعم دعوى جمهورية جنوب افريقيا في محكمة العدل الدولية.
تجدد مؤسساتنا مطالبتها للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتسريع في اتخاذ إجراءات عملية لإنجاز التحقيق في الجرائم المرتكبة، بما فيها جرائم القتل الجماعي ضد المدنيين وضمنهم النساء والأطفال، وتهجيرهم القسري وإظهار الحقيقة والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والانصاف.
ونطالب المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، وإلزام إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بالتوقف عن سياسة استهداف المدنيين/ات والأعيان المدنية كأداة انتقام وعقاب وضغط سياسي، واتخاذ إجراءات فعالة لضمان المساءلة على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة.
كما نطالب المجتمع الدولي ضمان إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وإلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات التمييزية واللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير دون قيد أو شرط.