صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجماتها العسكرية الواسعة على قطاع غزة لليوم الـ 108 على التوالي، ووسعت هجومها البري في خانيونس، وسط قصف جوي ومدفعي على مدار ساعات طويلة، لتجبر عشرات الالاف من الفلسطينيين/ات على النزوح مجددًا، وفرضت حصارًا على 3 مستشفيات فيها، وسط أوضاع إنسانية تفوق الكارثية نتيجة نزوح قرابة 90% من سكان القطاع؛ بفعل أوامر تهجير إسرائيلية متلاحقة، واستمرار اقتراف الاحتلال جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والجريمة الأخطر جريمة الإبادة الجماعية.
ويفيد باحثونا، أن طائرات الاحتلال بدأت مساء الأحد 21 يناير/كانون الثاني 2024، بشن عشرات الغارات بالتزامن مع قصف مدفعي على شكل أحزمة نارية تجاه الأطراف الجنوبية والغربية من مخيم خانيونس، وحي الأمل، ومنطقة المقابر وبطن السمين في خانيونس، وبعد منتصف الليل بدأت الآليات تتقدم من جهة بطن السمين ومنطقة المقابر تجاه الأطراف الغربية لمخيم خانيونس، والتفت لتحاصر المخيم.
واقتربت الآليات الإسرائيلية من المحيط الجنوبي لمجمع ناصر الطبي في خانيونس، وهو أكبر المستشفيات العاملة في قطاع غزة حاليا، ويؤوي آلاف النازحين/ات، وكذلك محيط مستشفى الأمل (غرب خانيونس) ومقر جمعية الهلال الأحمر الذي يضم آلاف النازحين/ات، ويضم مركز الإسعاف، إضافة إلى مستشفى الخير وجامعة الأقصى التي تضم آلاف النازحين/ات، غرب مخيم خانيونس.
وأعلنت جمعية الهلال الأحمر أن الدبابات الاسرائيلية اقتربت من مستشفى الأمل، مؤكدة فقدان الاتصال بشكل كلي مع طواقمها في خانيونس جراء الهجوم البري. وذكرت أنها تلقت مناشدات من مدنيين باستهداف مدرسة المواصي لإيواء النازحين في منطقة البحر وأن هناك عددًا من الشهداء والمصابين/ات، مؤكدة أن مركبات الإسعاف تعجز عن الاستجابة لنداءات المصابين/ات في خانيونس جراء حصار قوات الاحتلال لمدينة الأمل، حيث يقع مقر الجمعية ومستشفى الأمل واستهدافها كل من يحاول التحرك في المكان.
ووصل إلى مجمع ناصر الطبي ما لا يقل عن 43 شهيدًا/ة منهم أطفال ونساء، إضافة لعشرات الإصابات، على عربات كارو أو سيارات مدنية، ولا تزال هنالك أعداد كبيرة من الشهداء في أماكن الاستهداف وتمركز آليات الاحتلال تعذر نقلهم كما جرى دفن بعض الشهداء في ساحة المستشفى لتعذر نقلهم إلى المقابر التي تتمركز فيها قوات الاحتلال.
كما وصل 10 شهداء وعدد من الإصابات إلى مستشفيات رفح جراء القصف على خانيونس، بعد تعذر نقلهم إلى مستشفيات المدينة.
واستخدمت قوات الاحتلال طائرات مسيرة من نوع كواد كابتر، في إطلاق النار نحو جامعة الأقصى التي تؤوي آلاف النازحين/ات، واستشهد داخلها ما لا يقل عن 4 مدنيين، منهم طفلان، كما وأطلق الاحتلال النار نحو تجمعات للنازحين/ات في منطقة المواصي غرب خانيونس.
ويؤكد باحثونا أن آلاف المدنيين/ات محاصرين في منازلهم وفي مراكز الإيواء وسط إطلاق النار وتقدم الآليات الإسرائيلية، وسط معلومات أولية بتوجه قوات الاحتلال لإحكام عزل خانيونس عن رفح.
تفيد المعلومات المتوفرة من خانيونس بنزوح مئات العائلات، بينهم نساء وأطفال، ومشاهدتهم وهم يهربون من المنازل ومراكز الإيواء بالقليل من أمتعتهم، بسبب شدة القصف المدفعي وإطلاق النار من الرشاشات الثقيلة في المناطق التي تقدمت بها قوات الاحتلال، خصوصاً في منطقة المواصي التي لطالما صنفتها قوات الاحتلال بأنها منطقة آمنة، تجاه محافظة رفح التي تؤوي نحو 1.3 مليون من النازحين/ات وسكانها.
يذكر أن قوات الاحتلال كانت قد حددت منطقة المواصي كمنطقة آمنة في منشورات سابقة ألقتها طائراتها بتاريخ 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتكرر ذلك في 3 ديسمبر/كانون أول 2023، وتوجه إليها مئات الالاف من سكان غزة وشمالها وأحياء خانيونس، خلال الأشهر الماضية، وباتت اليوم في مرمى الاستهداف والقصف، ما يؤكد من جديد عدم وجود أي مكان آمن في قطاع غزة، وأن تلك القوات توجه السكان المدنيين والمدنيات إلى أماكن محددة ثم تستهدفهم فيها بالقصف والهجوم البري.
ووفق آخر تحديث لوزارة الصحة الفلسطينية بغزة ظهر الاثنين، 22 يناير/ كانون الثاني 2024، ارتكبت قوات الاحتلال الاسرائيلي 20 "مجزرة" (استهداف) ضد العائلات في قطاع غزة راح ضحيتها 190 شهيدًا/ة وأصيب 340 آخرين خلال ال24 ساعة الماضية، فيما أسفرت الهجمات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن استشهاد 25.295 فلسطينيا/ة، وإصابة 63 ألف آخرين، 70% منهم من الأطفال والنساء.
وخلال الأيام الماضية، نسفت قوات الاحتلال مئات المنازل والمباني في جميع الأحياء التي تشهد هجومًا بريًّا في خانيونس، ونشر جنود الاحتلال مقاطع فيديو لبعضها وهم يحتفلون بذلك.
وتؤكد مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق، أن توسع الهجوم العسكري الإسرائيلي يعكس إصرار إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال الاستمرار باتركابها جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، عبر سعيها لتدمير الفلسطينيين/ات كجماعة وطنية، بعد 10 أيام من رفع محكمة العدل الدولية جلساتها للنظر بدعوى جمهورية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بشأن انتهاكها لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
يأتي كل ذلك في وقت تستمر فيه معاناة نحو 2 مليون نازح/ة فلسطيني/ة، مئات الآلاف منهم اضطروا للنزوح المتكرر المرهق نتيجة أوامر التهجير والقصف الإسرائيلي المستمر، حيث يضطر السكان للانتقال من مكان لآخر دون أمتعة ودون مواد غذائية وسط أمطار وبرد قارس، ويتكدسون في مناطق جغرافية محدودة، دون رعاية صحية في وقت تتفشى فيه الأمراض المعدية والأوبئة، ويواجهون الجوع والعطش، ورغم كل ذلك يلاحقهم القصف الإسرائيلي.
وتؤكد مؤسساتنا مجددا أنه لم يعد هناك أي مكان يمكن اللجوء إليه كمأوى، وكل عملية نزوح جديدة تفقد المدنيين/ات الغالبية العظمى من الأمتعة والمواد التموينية القليلة التي تبقت معهم، فضلاً عن أنه لا يوجد أي مكان آمن في قطاع غزة، فالأماكن التي تصنفها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، كمناطق آمنة تتعرض لهجمات جوية ومدفعية متكررة توقع شهداء وجرحى.
وتؤكد مؤسساتنا أن صمت المجتمع الدولي، الغربي على وجه التحديد، على جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يصل إلى حد التواطؤ من الدول الكبرى، وهو ما يشجع إسرائيل على ارتكاب المزيد من الانتهاكات وتجاهل كل مواثيق حقوق الإنسان، خاصة في ظل سياسة الإفلات من العقاب التي يحظى بها مجرمو الحرب الإسرائيليين.
وتشدد مؤسساتنا على أنه بات من واجب المجتمع الدولي التحرك بمسؤولية لوقف الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، والضغط الفوري والعاجل لوقف سياسة استهداف المدنيين والمدنيات والأعيان المدنية كأداة انتقام وعقاب وضغط سياسي، واتخاذ إجراءات فعالة لضمان المساءلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي تقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ونجدد مطالبتنا للمجتمع الدولي وضمير العالم الحي للتحرك لضمان وقف إطلاق للنار بشكل عاجل وسريع وضمان وصول المساعدات لجميع أهالي القطاع بأقرب وقت ممكن بدون شروط، والتحرك لضمان إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وإلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات التمييزية واللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير دون قيد أو شرط.