يدخل الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة اليوم الأحد 14 يناير/كانون الثاني يومه المائة، وسط ارتفاع غير مسبوق لأعداد الضحايا، ومنهم أكثر من 70% من الأطفال والنساء، في ظل أوضاع إنسانية تفوق الكارثية نتيجة نزوح قرابة 90% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة؛ بفعل أوامر تهجير إسرائيلية متلاحقة، واستمرار اقتراف الاحتلال لجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والجريمة الأخطر وهي جريمة الإبادة الجماعية، التي بدأت تتكشف فصولها منذ السابع أكتوبر/ تتشرين الأول 2023.
وتصر إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على الاستمرار في هجماتها العسكرية ضد المدنيين والمدنيات والأعيان المدنية في إطار جريمة الإبادة الجماعية، وذلك بعد يومين من انعقاد محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى قدمتها جمهورية جنوب أفريقيا، تتضمن التماسا باتخاذ المحكمة تدابير مؤقتة لحماية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من المزيد من الأذى، وضمان امتثال إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية، ووقف عملياتها العسكرية في قطاع غزة فورا.
وتؤكد مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان والحق أن استمرار إسرائيل في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، بدعم أميركي عسكري ودوبلوماسي، إضافة إلى دعم عدد من الدول الأوروبية، وبالنظر إلى ما يدفعه المدنيون/ات في غزة من ثمن جراء ذلك، يستوجب التحرك العاجل من المجتمع الدولي للوقف الفوري لإطلاق النار، واتخاذ جميع التدابير التي تضمن عدم استمرار إسرائيل في ارتكاب جرائمها، وحماية المدنيين/ات وصولاً لتحقيق المساءلة والإنصاف.
وتظهر المتابعة الميدانية لطواقمنا، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي واثناء انعقاد جلسات محكمة العدل الدولية في الأيام الماضية، بما فيها قبل وأثناء وبعد الجلسات، استمرت في شن هجماتها العسكرية ضد سكان قطاع غزة المدنيين/ات في حالة عدم اكتراث وتعنت لمنظومة العدالة الدولية.
فعلى صعيد جرائم قتل الفلسطينيات والفلسطينيين، استمرت قوات الاحتلال قصفها للمنازل على رؤوس قاطنيها، وقصف التجمعات التي تضم آلاف النازحين/ات، بمعدل يومي يصل إلى قرابة 135 شهيدًا/ة وإصابة 350 جريحا/ة، وهو ما رفع حصيلة الضحايا، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حتى ظهر يوم 12 يناير/كانون الثاني 2024، إلى 23,843 شهيدًا/ة، و60,317 جريحًا/ة، 70% منهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة.
وبين الشهداء، 10,400 من الأطفال، و7,100 من النساء و337 من الطواقم الطبية و45 من الدفاع المدني، و117 من الصحفيين، وفق الجهات الحكومية في غزة.
وتؤكد طواقمنا، أن العدد الفعلي للشهداء هو أكبر بكثير من الرقم المعلن من وزارة الصحة؛ بالنظر لوجود أعداد كبيرة من الضحايا وهم بالآلاف تحت الأنقاض أو في الشوارع، وفي الكثير من الحالات يضطر الأهالي لدفنهم لتعذر نقلهم للمشافي. وضمن هؤلاء هناك أعداد كبيرة تحللت جثثهم، ما ينذر بانتشار الأمراض والأوبئة الصحية، فضلا عن انتهاك كرامة الميت.
كما تسببت الهجمات الإسرائيلية بأذى جسدي ومعنوي خطير للفلسطينيين/ات في غزة، بما في ذلك الأطفال؛ فمن بين المصابين/ات، هناك الالاف من الأطفال ممن بتر لهم طرف أو أكثر، وهناك أعداد كبيرة فقدوا أعينهم، ويوجد ما لا يقل عن 6,200 حالة خطيرة، تستدعي السفر للعلاج في الخارج، ويستمر الاحتلال إعاقة سفرهم بإجراءاته.
وتستمر معاناة نحو 2 مليون نازح/ة، مئات الآلاف منهم اضطروا للنزوح أكثر من مرة نتيجة أوامر التهجير والقصف الإسرائيلي المستمر، والناجمة أيضًا عن توسع الهجوم البري لقوات الاحتلال خاصة في المحافظة الوسطى، وخانيونس.
وباتت هذه المعاناة تفوق الوصف وتمثل وصمة عار في جبين العالم، حيث يضطر السكان للانتقال من مكان لآخر دون أمتعة ودون مواد غذائية وسط أمطار وبرد قارس، ويتكدسون في مناطق جغرافية محدودة، دون رعاية صحية في وقت تتفشى فيه الأمراض المعدية والأوبئة، ويواجهون الجوع والعطش، ليلاحقهم القصف الإسرائيلي في خيامهم ومراكز الإيواء.
وتشير مؤسساتنا إلى الواقع الكارثي الذي يعيشه مئات آلاف النازحين/ات الذين بقوا في شمال وادي غزة، حيث تمنع قوات الاحتلال وصول المساعدات الكافية لهم، ولم تسمح سوى بمرور عدد محدود من الشاحنات، وأطلقت النار على المدنيين/ات خلال محاولتهم الوصول لتلك الشاحنات لاستلام بعض المساعدات منها في الأيام الماضية.
ورغم تراجع قوات الاحتلال من مناطق متفرقة من غزة وشمالها، إلاّ أنها مستمرة في عمليات القصف المدفعي والجوي، موقعة خسائر في أرواح المدنيين/ات.
ولا تزال قوات الاحتلال تمنع مئات الآلاف من النازحين/ات من شمال قطاع غزة، الذين هجرتهم لجنوبه، من العودة لمناطق سكنهم التي شهدت تدميرًا شبه كلي، طال أكثر من 70% من المباني والبنى التحتية، كما وإن بعض البلدات والأحياء الكبيرة دمرت بشكل كامل، مثل بلدة بيت حانون وأحياء في جباليا والشجاعية والرمال في غزة.
ويعاني أغلب سكان قطاع غزة، بسبب قلة حصولهم على الرعاية الصحية، نتيجة الهجمات الإسرائيلية المتعمدة ضد المؤسسات الصحية.
وتسبب تكدس مئات آلاف النازحين/ات جنوب قطاع غزة، بانتشار عدة أمراض وبائية، وباتت الأمراض الموسمية تشكل خطورة كبيرة على حياة السكان في ظل انهيار المنظومة الصحية في مناطق شمال ووسط قطاع غزة، علمًا أن بعض الأمراض التي رصدت في مآوي النازحين/ات تم القضاء عليها عالمياً في القرن الماضي.
ووفقاً للمصادر الطبية فقد رصد نحو 626 ألف حالة مرضية في مناطق جنوب قطاع غزة، مع تعذر الحصول على إحصائيات الحالة الوبائية في شمال قطاع غزة.
يشار إلى أن 30 مستشفى من أصل 36 في قطاع غزة، خرجت عن العمل جراء القصف أو التدمير أو غياب الإمكانات، وحاليا جميع النازحين/ات شمال وادي غزة يعانون من عدم وجود فعلي للخدمات الصحية رغم إعادة تشغيل بعض المستشفيات والمراكز الصحية بشكل جزئي.
وتسبب الهجوم الإسرائيلي بتدمير أو تعطل نحو 80٪ من عيادات الرعاية الصحية الأولية في قطاع غزة، وتبقى 7 عيادات عاملة في حين خرجت عن الخدمة 53 عيادة، وهو ما يفاقم انتشار الأمراض ويحد من محاربتها في مراكز الإيواء.
وفي 12 يناير/كانون الثاني 2024، انقطعت شبكات الاتصالات والإنترنت عن غالبية مناطق قطاع غزة، للمرة السابعة منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؛ ويوم أمس السبت 13 يناير/كانون الثاني 2024، استهدف الاحتلال طاقمًا لشركة الاتصالات الفلسطينية خلال محاولته القيام بأعمال صيانة لشبكة الاتصالات في خانيونس حيث تم استهداف سيارة شركة الاتصالات بقذيفة مباشرة حسب بيان الشركة، مما أدى إلى استشهاد اثنين من أفراد الطاقم، وهما نادر أبو حجاج، وبهاء الريس.
ويفاقم انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت من معاناة السكان لعدم تمكنهم من التواصل مع بعضهم البعض أو مع العالم الخارجي لنقل أخبار قطاع غزة وفضح جرائم الاحتلال، وكذلك يعيق قدرة طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن تلقي الاتصالات عن الأماكن المستهدفة والحرجى وبالتالي تعيق قدرة الطواقم على تقديم الخدمة في الوقت المناسب.
ونتيجة لاستمرار الهجوم الإسرائيلي، فإن جميع مقومات الحياة في قطاع غزة دمرت بالكامل، فقد توقفت الحياة التعليمية ودمرت الغارات الإسرائيلية (95) مدرسة وجامعة بشكل كلي، و(295) مدرسة وجامعة دمرت بشكل جزئي، وفق الجهات الحكومية بغزة.
ودمرت الغارات الإسرائيلية 145 مسجداً بشكل كلي، و243 مسجداً بشكل جزئي، كما ودمرت 3 كنائس استهدفها الاحتلال، فضلاً عن العديد من المواقع الأثرية والتاريخية والمعالم الحضارية، وغالبية البنى التحتية في قطاع غزة.
كما تعطلت الحياة الاقتصادية والصناعية والتجارية، وبات قلق العائلات توفير الطعام والماء لهم ولأطفالهم.
وترى مؤسساتنا، أن هذا التدمير الممنهج يهدف إلى إلحاق أذى جسدي ونفسي خطير، وإخضاع عمدي لظروف معيشية، بهدف تدمير الفلسطينيين/ات كجماعة وطنية، جزئيًا، بصفتهم هذه، وما يدلل على ذلك تصريحات صادرة عن جهات وشخصيات رسمية إسرائيلية تعبر عن توفر النية لذلك.
وأمام كل ذلك، نجدد مطالبتنا المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، وإلزام إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بالتوقف عن سياسة استهداف المدنيين/ات والأعيان المدنية كأداة انتقام وعقاب وضغط سياسي، واتخاذ إجراءات فعالة لضمان المساءلة على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية التي تقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وتحث مؤسساتنا محكمة العدل الدولية، على الإسراع في اتخاذ تدابير تضمن عدم استمرار إسرائيل في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وحماية المدنيين/ات والأعيان المدنية، كما وتحث مؤسساتنا الدول الداعمة للعدالة بالإعلان عن دعمها وتقديم طلبات للمحكمة لدعم دعوى جمهورية جنوب افريقيا في محكمة العدل الدولية.
وتطالب مؤسساتنا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتسريع في اتخاذ إجراءات عملية لإنجاز التحقيق في الجرائم المرتكبة، بما فيها جرائم القتل الجماعي ضد المدنيين/ات وضمنهم النساء والأطفال، وإظهار الحقيقة والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والانصاف.
ونجدد مطالبتنا للمجتمع الدولي ضمان إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وإلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات التمييزية واللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وعودة اللاجئات واللاجئين دون قيد أو شرط.