تدين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق بأشد العبارات القصف الإسرائيلي على مجمع ناصر الطبي في خانيونس، الذي أفضى إلى استشهاد طفلة ناجية من قصف سابق أدى في حينه لبتر ساقها وفقدانها والديها وشقيقيها. وذلك ضمن عملية استهداف واسعة شملت العديد من المستشفيات خلال الساعات الأخيرة، في مسعى متعمد لتدمير شامل لنظام الرعاية الصحية في قطاع غزة، وضمن جريمة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ووفق المعلومات التي توفرت لباحثينا، ففي حوالي الساعة 10:05 مساء الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، سقطت قذيفة مدفعية كبيرة الحجم على مستشفى مبارك للأطفال الذي يقع في مجمع ناصر الطبي في خانيونس. أسفر ذلك عن استشهاد الطفلة دينا إياد أبو محسن، 13 عامًا، التي كانت تتواجد في إحدى الغرف بالقسم للعلاج بعد إصابتها بجروح وبتر في ساقها اليمنى إثر قصف إسرائيلي سابق. كما أصيب 5 مدنيين/ات آخرين جراء سقوط القذيفة التي لم تنفجر على الغرفة والتي تسببت أيضاً بإحداث فتحة في الجدار وإلحاق أضرار في المكان.
ووفق المعلومات التي جمعها باحثونا، فإن الطفلة دينا، كانت قد أصيبت بجروح في أنحاء متفرقة من جسدها، وبتر في ساقها، في قصف نفذته طائرات الاحتلال في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على منزل أحد أقاربها في حي الأمل بخانيونس، واستشهد 6 من أقاربها، منهم والدها ووالدتها، واثنان من أشقائها، ونجا أيضًا طفلان آخران من أشقائها أصغر عمرًا منها. وفي حينه نقلت للعلاج في مجمع ناصر الطبي وبقيت تتلقى العلاج فيه حتى سقوط القذيفة الجديدة التي أدت لاستشهادها.
وعقب إصابتها الأولى، قالت دينا في مقابلات صحفية: أنها استيقظت من نومها بعد حدوث قصف، وجاء والداها وحضناها، ثم حدث انفجار وغابت عن الوعي ولاحقًا أفاقت لتجد نفسها في المستشفى وعرفت أنها فقدت ساقها وكذلك والديها وشقيقيها. وعبرت الطفلة عن أحلام كبيرة بأن تكبر وتصبح طبيبة لتعالج الأطفال.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها طواقمنا، أن عائلة الطفلة دينا كانت تقطن في القرارة بخانيونس، وبعد أوامر التهجير الإسرائيلية، لجأت إلى منزل أحد أقاربها، في حي الأمل بخانيونس، ثم جاء القصف الإسرائيلي ليلاحقها مرة أخرى، مجسدًا ما سبق أن أعلناه سابقًا أنه لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة، بما في ذلك المستشفيات التي تتوفر لها حماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي.
من الجدير بالذكر أن هذه القذيفة هي الثانية التي سقطت في اليوم نفسه على مجمع ناصر الطبي؛ إذ سقطت قذيفة في وقت مبكر ولم تنفجر أيضًا على إحدى خيام النازحين/ات في المستشفى وتسببت بإصابتين.
وتطلق دبابات الاحتلال الإسرائيلي التي تتمركز في منطقة السطر الغربي وبلدة القرارة شمال خانيونس، القذائف عشوائيا بين الحين والآخر، حيث تتساقط على المنازل والشوارع مسببة وقوع ضحايا في مركز المدينة وبعض مناطق حي الأمل والمخيم.
ومساء اليوم نفسه، داهمت قوات الاحتلال مستشفى العودة في منطقة تل الزعتر شمال مدينة غزة، بعد 12 يومًا من حصارها، وطلبت من الطواقم الطبية وعددهم 21 الخروج من المستشفى وأمرتهم بخلع ملابسهم واحتجزتهم 3 ساعات على الأقل قبل أن تعيدهم للمستشفى واعتقلت مديره الدكتور أحمد مهنا، واقتادته إلى جهة مجهولة.
وبمداهمة قوات الاحتلال هذا المستشفى، تكون جميع المستشفيات شمال غزة خرجت عن الخدمة تمامًا، فيما يجري استقبال الضحايا من شهداء وإصابات في عيادات صغيرة أغلبها مستحدث لا يتوفر لديها أي إمكانات طبية تقريبًا.
ومنذ ساعات صباح اليوم الاثنين، 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، تواصل قوات الاحتلال إطلاق النار والقذائف تجاه مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، الذي لجأ إليه عشرات الآلاف من السكان بعد أوامر إسرائيلية هجرتهم عن منازلهم من أحياء متفرقة من غزة خاصة شرقها. وأسفر ذلك عن استشهاد 5 مدنيين على الأقل وإصابة آخرين، وفق مصادر إعلامية، وتحاول طواقمنا التحقق من أعداد الضحايا حيث يدور الحديث عن استشهاد أعداد إضافية.
تؤكد مؤسستنا أن المستشفيات والمرافق الطبية هي أعيان مدنية وتحظى بالحماية الخاصة بموجب القانون الإنساني الدولي، مشددة على أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة والتي تفتقر للضرورة ضد المستشفيات تستوجب التحقيق فيها كجرائم حرب.
ونجدد مطالبتنا بالوقف الفوري لإطلاق النار والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وإنهاء المآسي المختلفة التي أصابت كل أوجه الحياة فيه ووقف كافة ممارسات جريمة الإبادة بحق شعبنا في قطاع غزة.
كما تطالب مؤسساتنا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتسريع في اتخاذ إجراءات عملية لإنجاز التحقيق بالجرائم المرتكبة على إقليم دولة فلسطين، بما فيها الجرائم ضد المستشفيات، وإظهار الحقيقة والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والانصاف.
ونطالب المدعي العام للمحكمة الجنائية بالتوقف عن ازدواجية المعايير والتعامل بأجندة سياسية انتقائية في القضايا المتعلقة بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، واتخاذ آليات ملائمة للتحقيق في هذه الجرائم ومساءلة مقترفيها.