تدين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق بأشد العبارات استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهداف الصحفيات والصحفيين وقتلهم المتعمد خلال هجومها العسكري المتواصل منذ 71 يومًا على قطاع غزة، وأسفر أحدث هذه الاستهدافات عن استشهاد مصور قناة الجزيرة سامر أبو دقة مع ثلاثة من طواقم الدفاع المدني، أحدهم يعمل مصورًا، وإصابة مراسل القناة وائل الدحدوح، خلال تغطيتهما الميدانية في خانيونس جنوب قطاع غزة.
ووفق المعلومات التي توفرت لباحثينا، ففي حوالي الساعة 2:27 مساء يوم الجمعة 15 دسيمبر/كانون الأول 2023، أطلقت طائرة مسيرة إسرائيلية صاروخًا تجاه مصور قناة الجزيرة سامر أبو دقة، ومراسل القناة وائل الدحدوح، خلال وجودهما برفقة طاقم من الدفاع المدني لإجلاء عائلة محاصرة في أحد المنازل المستهدفة قرب مدرسة فرحانة وسط خانيونس. أسفر ذلك عن إصابة الصحفيين أبو دقة والدحدوح اللذان كانا يرتديان الخوذة وملابس مميزة لعملهما الصحفي، وكذلك أفراد من الدفاع المدني. تحامل الصحفي الدحدوح على نفسه، وتمكن من مغادرة المنطقة سيرًا على الأقدام، وتبين أنه مصاب بشظايا في ذراعه وخاصرته، فيما بقي زميله سامر والعاملون في الدفاع المدني في المكان ينزفون. ولاحقا عاودت طائرات الاحتلال ومدفعيته قصف المنطقة نفسها بعدة قذائف. وبعد حوالي 5 ساعات من عدم قدرة طواقم الإسعاف الوصول للمكان نتيجة القصف المتكرر ومماطلة قوات الاحتلال في التنسيق للوصول للمكان، وصلت الطواقم بعد تنسيق خاص عبر الصليب الأحمر، ولكن تبين أن سامر أبو دقة و3 من العاملين في الدفاع المدني قد استشهدوا، وهم حسني خليل نبهان، ونور الدين محمد صقر،ورامي هشام بدير وهو مصور صحفي ضمن فريق الدفاع المدني.
وأفاد الصحفي المصاب وائل الدحدوح في إفادته بما يلي:
"رافقت أنا وزميلي المصور سامر أبو دقة، الدفاع المدني بعد حصوله على تنسيق للوصول إلى عائلة محاصرة في منزلها قرب مدرسة فرحانة في خانيونس، بعد استهداف إسرائيلي، وقمنا بتصوير المناطق وصورنا حالة الدمار الكبيرة، ووصلنا إلى نقطة لم تصلها أي كاميرا، وحاولنا من خلال التنسيق الموجود أن ننقل هذه المشاهد للعالم، وانتهينا من التصوير، وبينما نحن في طريق العودة من المهمة، وأثناء مشينا سيرا على الأقدام عشرات الأمتار فجأة حصل شيء ما، شعرت أن شيئا كبيرا حدث وسقطت على الأرض وسقطت الخوذة والمايك، حاولت أن أستجمع قواي وبالكاد تمكنت من الوقوف، وكنت أشعر بالدوار وعدم الاتزان. توقعت حدوث ضربة ثانية، وقدَرت أن بقائي بالمكان لن يُمكن أحدا من الوصول إليّ. لذلك قررت وبالرغم من حالة عدم الاتزان التي أشعر بها ومع وجود نزيف حاد في ذراعي أن أغادر المكان. ضغطت بيدي على أحد الجروح وبدأت أسير حتى اقتربت من نهاية الشارع ومن ثم وصلت طاقم إسعاف تعامل معي ميدانيا، وأبلغتهم أن علينا أن نرجع لزميلنا سامر أبو دقة الذي سمعته يصرخ وكان واضح أنه أصيب، وكنت أقدر أن إصابته في الجزء الأسفل من جسمه. أوقفت الطواقم الميدانية النزيف وأبلغوني ضرورة المغادرة الآن وأنه سيعود طاقم آخر لإخراج سامر والبقية."
ووفق المعلومات التي توفرت لطواقمنا، فإنه لم يكن هناك تمركز لقوات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة التي تواجد فيها الصحفيان أبو دقة والدحدوح وطاقم الدفاع المدني، وهي تقع في مركز مدينة خانيونس، في لحظة الاستهداف أو بعده، ولكن المنطقة تقع على بعد مئات الأمتار من تمركز لقوات الاحتلال وفي مرمى نيرانها. علمًا أن هذه المنطقة تكررت فيها الغارات الإسرائيلية والقصف المدفعي خلال الأيام الماضية، إلى جانب التوغل قربها قبل عدة أيام، وهي من الأحياء التي أصدرت قوات الاحتلال أوامر بتهجير سكانها.
واستنادًا لهذه المعطيات فإنه يعتقد أن ما حدث هو هجوم إسرائيلي متعمد ضد طاقم صحفي، لا سيما أن قوات الاحتلال لديها ولدى طائراتها القدرات الفنية في التصوير والرؤية وتحديد الأهداف، ما يمكنها من التأكد أن المستهدفين هم من الصحفيين وطواقم الدفاع المدني، كما أن تكرار القصف خلال محاولة الصحفي أبو دقة الابتعاد عدة أمتار عن المكان وفق المعلومات الأولية يؤكد وجود عملية استهداف متعمدة.
يذكر أن غالبية طواقم قناة الجزيرة العاملة في قطاع غزة، إضافة لصحفيين آخرين، تعرضوا لتهديدات مباشرة وطلب منهم الصمت عبر اتصالات ورسائل يرجح أن مصدرها إسرائيلي، كما أن العديد من أفراد عائلاتهم قد استشهدوا، ومنهم الصحفي وائل الدحدوح الذي سبق أن استشهدت زوجته وابنه وابنته وحفيدته مع آخرين في قصف إسرائيلي استهدف منزلا نزحوا إليه في مخيم النصيرات في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكذلك قُتل والد الصحفي في قناة الجزيرة أنس الشريف في غارة إسرائيلية على منزله في 11 ديسمبر/كانون الأول 2023، علمًا أنه واحد من الصحفيين القلائل الذين بقوا في شمال غزة ويقومون بتغطية الأحداث فيها، وسبق أن أعلن عن تلقيه تهديدات أمرته بالصمت ومغادرة المنطقة.
تؤكد مؤسساتنا، أن هذا الاستهداف للصحفيين، نموذج لحالة متكررة، منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي؛ إذ حولت إسرائيل -القوة القائمة بالاحتلال- الصحفيين/ات ومؤسساتهم إلى أهداف مشروعة ومستباحة، ضمن سياسة ممنهجة هدفت إلى ترهيب الصحفيين/ات واسكات صوتهم ضمن محاولاتها التعتيم وإخفاء الفظائع الإنسانية التي تقترفها وجريمة الإبادة المتواصلة في قطاع غزة.
فقد قتلت قوات الاحتلال منذ بدء الهجوم الإسرائيلي أكثر من 90 صحفيًّا/ة، منهم 10 صحفيات على الأقل، بعضهم استشهدوا خلال عملهم الميداني، وبعضهم استشهد مع أفراد من عائلاتهم في استهدافات إسرائيلية لمنازلهم. هذا عدا عن نشطاء التواصل الاجتماعي الذين استهدف الاحتلال عددا كبيرًا منهم ودأب على التحريض عليهم وتهديدهم بالقتل إذا لم يصمتوا.
كذلك اعتقلت قوات الاحتلال ما لا يقل عن 7 صحفيين خلال هجومها البري في قطاع غزة، وتواصل إخفاء أي معلومات عن ظروف احتجازهم مع مئات المعتقلين/ات الفلسطينيين من القطاع.
كما استشهد عدد كبير من عائلات الصحفيين/ات في عمليات قصف مباشرة لمنازلهم ومنازل ذويهم، وهناك شكوك أن العديد من هذه الاستهدافات لم تكن ذات هدف هدف واضح أو له أي مببرات.
وتسعى إسرائيل عبر قتل الصحفيين/ات وتغييبهم إلى احتكار الرواية حيث لا تريد أن يرى العالم وجهها الحقيقي، وتريد إسكات الصحافة الحرة في وقت تمنع فيه الطواقم الصحفية الدولية من الوصول إلى غزة والتغطية الحرة، وكل ذلك في إطار علمية شاملة تمارس فيها الإبادة الجماعية (الجينوسايد) وتسعى لفرض النكبة الثانية ضد 2.3 مليون فلسطيني/ة في قطاع غزة.
تعيد مؤسساتنا التذكير بأن الصحفيين/ات يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني شأنهم في ذلك شأن المدنيين/ات. فوفقًا للمادة 79 من البروتوكول الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربع، والتي وصلت لمستوى القانون العرفي الدولي، " يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50". كما يتمتع هؤلاء بحماية القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي، وترفض الاعتراف بانطباقه على سكان الإقليم المحتل، تمامًا كما تنكر انطباق القانون الإنساني الدولي عليهم.
وتؤكد مؤسساتنا أن القتل العمد للصحفيين/ات، يعد جريمة حرب تقع ضمن اختصاص المحكمة الدولية، وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. كما يعد حرمانًا تعسفيًّا من الحياة وفقًا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويستوجب مساءلة مرتكبيه. كما أنه اعتداء على الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير المكفولة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإزاء ذلك، تطالب مؤسساتنا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتسريع باتخاذ إجراءات عملية لإنجاز التحقيق بالجرائم المرتكبة على إقليم دولة فلسطين، بما فيها جرائم قتل الصحفيين/ات، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لإظهار الحقيقية، والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والانصاف.
كما تدعو مؤسساتنا مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالحق في حرية الرأي والتعبير أن تكرس تقرييرها القادم لمسألة قتل الصحفيين/ات الفلسطينيين/ات، ليتم الاستفادة منه من قبل جهات مختلفة من بينها مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وتدعو مؤسساتنا الدول الأطراف الثالثة على تحمل مسؤولياتها لحماية الفلسطينيين/ات عمومًا والصحفيين/ات خصوصًا، والكف عن ازدواجية المعايير، ونؤكد أنه آن الأوان لتحرك جدي وعاجل لوقف إطلاق النار والهجوم الإسرائيلي العسكري الذي استباح كل شيء في قطاع غزة.
وتشدد مؤسساتنا على ضرورة اتخاذ إجراءات عملية للتعامل مع المسببات الحقيقة للصراع والمتمثلة في الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد والاستعمار الاستيطاني القائم على الفصل العنصري، من خلال تفكيك منظمومة الاستعمار وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير.