القائمة الرئيسية
EN
قوات الاحتلال والمستوطنون يواصلون ارتكاب جرائمهم في الضفة الغربية ونظام العدالة الدولي على المحك
16، ديسمبر 2023

تواصل قوات الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنون الاسرائيليون ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين/ات وممتلكاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة منذ بداية العام، وبوتيرة أعلى منذ بدء الهجوم العسكري على قطاع غزة بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023 ، حيث كثفت سلطات الاحتلال من عمليات القتل، وتدمير الممتلكات، والاعتقالات، والتهديد وغيرها من الجرائم.

  تتصاعد جرائم الاحتلال في الضفة الغربية في وقت تتواصل فيه جرائمه في قطاع غزة المحتل، بما فيها الجريمة الأخطر، وهي جريمة الإبادة الجماعية، التي بدأت تتكشف فصولها منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر، والتي أخذت أكثر من شكل بما في ذلك القتل، وإلحاق أذى جسدي ونفسي خطير، وإخضاع  عمدي لظروف معيشية،  بهدف تدمير الفلسطينيين/ات كجماعة وطنية، جزئيًا، بصفتهم هذه، وما رافقة مع تصريحات صادرة عن جهات رسمية إسرائيلية تعبر عن توفر النية لذلك.

تعمد القتل واعتراض سيارات  الإسعاف:

صعدت قوات الاحتلال والمستوطنون جرائم القتل ضد الفلسطينيين/ات في الضفة الغربية. فوفقًا لمتابعات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق فقد قتلت قوات الاحتلال والمستوطنون 486 فلسطينيًا منذ بداية العام، منهم شهيد من سكان قرية حورة في النقب، وشهيد من سكان قطاع غزة، ومنهم 286 استشدوا منذ السابع من أكتوبر، من بينهم هناك 72 طفلًا وامرأة. كما أن من بين من استشهدوا منذ بداية العام سبعة عشر فلسطينيًا قتلوا على أيدي مستوطنين، منهم تسعة قتلوا بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023.

ومن الشهداء من تركوا ينزفون بعد إصابتهم بجروح، أو تم احتجاز سيارات الاسعاف التي تقلهم، ما أدى لاستشهادهم. كما حاصرت قوات الاحتلال مستشفى جنين الحكومي وتواجدت بشكل متقطع في محيط مستشفى ابن سينا خلال هجومها على مخيم ومدينة جنين في الأيام القليلة الماضية، ما تسبب بتأخر وصول العديد من الجرحى للمشافي لتلقي العلاج، وأفقد بعضهم فرصة تلقي العلاج في الوقت المناسب، وأدى لاستشهادهم. ووفقًا للمسعفين وشهود العيان فإن سيارات الإسعاف كانت تتعرض للتفتيش بحجة التحقق من هويات المصابين. فعلى سبيل المثال، عند حوالي الساعة الرابعة عصرًا من يوم الثلاثاء الموافق 12 كانون الأول/ديسمبر أطلق جنود الاحتلال النار على الشاب فؤاد عماد فايز عباهرة البالغ من العمر 24 عامًا، من سكان منطقة جبل أبو ضهير في مدينة جنين، وذلك أمام مسجد القاضي في وسط مدينة جنين بالقرب من مستشفى جنين الحكومي، فأصيب في الفخذ الأيسر، حسب المصادر الطبية، فسقط أرضا. وتصادف ذلك مع مرور مركبتي أسعاف في المكان. فقام المسعفون بنقله للمركبة من أجل التوجه به للمستشفى في محاولة لإنقاذ حياته، لا سيما أنه كان يعاني من نزيف شديد، ولكن قام جنود الاحتلال المتواجدون في المكان بمحاصرة سيارة الإسعاف ومنعها من التحرك، بحجة الحاجة للتحقق من هوية المصاب، ولكن الشاب لم يكن يحمل بطاقة هويته، فأصر جنود الاحتلال على ضرورة توفير معلوماته الشخصية، وقد استغرق ذلك 10-15 دقيقة. وبعد التأكد من هويته وأنه غير "مطلوب" لسلطات الاحتلال سمح الجنود لسيارة الإسعاف بالمغادرة، حيث تم نقله إلى مستشفى الرازي الواقع على بعد حوالي 3-4 دقائق، على الرغم من أن مستشفى جنين الحكومي كان يبعد حوالي 200 متر عن المكان، لتجنب تعرضه للتفتيش مرة أخرى من قبل قوات الاحتلال التي تحاصر المستشفى وتتمركز على مدخله الرئيسي. وفور وصوله لمستشفى الرازي أعلن الأطباء عن استشهاده، في وقت كان بالإمكان أنقاذ حياته لو لم يتم احتجازه ولم تكن قوات الاحتلال تحاصر مستشفى جنين الحكومي.

يذكر أنه في الحالات التي يتبين فيها أن المصاب بأنه "مطلوب" لقوات الاحتلال يتم اعتقاله، دون مراعاة لحالته الصحية، وهذا ما تم رصده وتوثيقه خلال معظم الهجمات العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال لمدينتي جنين وطولكرم ومخيماتها، خلال العام.   

هدم الممتلكات وتخريبها:

كما واصلت سلطات الاحتلال والمستوطنون هدم منازل الفلسطينيين/ات وتخريب ممتلكاتهم، فمنذ بداية العام ولغاية 14 كانون الأول/ديسمبر 2023، تعرّضت 387 منشأة وحوالي 330 مسكنًا للتضرر والهدم على أيدي سلطات الاحتلال والمستوطنين، ما أدى لتهجير 1375 فلسطيني/ة قسرًا، بينهم 636 طفلًا/طفلة. ومن بين  المنازل المهدومة 32 منزلًا تم هدمها كإجراء عقابي لسكانها، و33 منزلًا تم تدميرها أثناء تنفيذ هجمات عسكرية إسرائيلية على مخيمات شمال الضفة الغربية. كما أن من بين المنشآت المدمرة 24 تم تدميرها من قبل مستوطنين، منها 18 تم تدميرها بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر2023. 

 يذكر أنه في الفترة بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى 14 كانون الأول/ديسمبر 2023، تم تدمير وهدم (66) منشأة ومصلحة تجارية و (91) مسكنًا، ما أدى إلى تهجير (450) فلسطينيًا وفلسطينية، بما في ذلك (205) طفل/ة . من بين المنازل المهدومة هناك 17مسكنًا هدمت بشكل عقابي، و 13مسكن تدمرت أثناء هجوم عسكري، وأكثر من 18 منشأة هدمت على أيدي المستوطنين. 

الاعتقالات:

بالإضافة لذلك فقد صعدت قوات الاحتلال من سياسة الاعتقال ضد الفلسطينيين/ات في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلةـ فمنذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 4400 فلسطيني،[1] من بينهم أطفال ونساء وصحفيين، ويتم اعتقال نصفهم تقريبًا اعتقالا إداريا أي دون تهمة ومحاكمة. وقد يكون الدافع وراء هذه الاعتقالات الجماعية، بالإضافة للدافع الانتقامي، هو استخدام المعتقلين كورقة ضغط في أي مفاوضات سياسية لاحقة. 

تقييد حرية الحركة:

كما كثفت قوات الاحتلال من أعداد الحواجز ونقاط التفتيش في الضفة، وشددت القيود على حرية الحركة والتنقل بين مدن وقرى الضفة الغربية، وعزلت مدن وقرى الضفة الغربية عن بعضها البعض. ويلاقي المدنيون الفلسطينيون/ات معاملة لاإنسانية وحاطة بالكرامة على حواجز التفتيش، ووثقت مؤسساتنا عدد من الحالات التي يقوم بها جنود الاحتلال بإساءة معاملة الفلسطينيين/ات على الحواجز بعد أن فتحت هواتفهم النقالة، ووجدت أنهم يرتادون مواقع إلكترونية تعتبرها سلطات الاحتلال تحريضية،  كما لاحظت مؤسساتنا أن قوات الاحتلال تتعامل مع المعتقلين/ات وذويهم ومقتنيات منازلهم بشكل عدواني أثناء الاعتقال، حيث يقومون في العديد من الحالات بالاعتداء بالضرب على من قدموا لاعتقالهم، وذويهم، كما يقومون بتكسير الأثاث في منازل المعتقلين/ات.

 

جرائم المستوطنين:

 صعد المستوطنون من جرائمهم ضد الفلسطينيين/ات، وخصوصًا أثناء موسم قطاف الزيتون، حيث نفذ المستوطنون مثات الهجمات على الفلسطينيين/ات في الضفة الغربية خلال العام، حيث تراوحت  بين منع المزارعين من الوصول لمزارعهم وكرومهم، إلى الاعتداء عليهم بالضرب، وإطلاق النار باتجاههم، ما أدى لاستشهادهم، حيث قتل المستوطنون منذ بداية العام ثمانية فلسطينيين.

وتلعب سلطات الاحتلال دورًا مهمًا في تشجيع جرائم المستوطنين ضد المدنيين/ات الفلسطينيين/ات، فبالإضافة لغياب المساءلة عن الجرائم المرتكبة بما فيها جرائم القتل والحرق، قامت سلطات الاحتلال مؤخرًا بتعزيز المستوطنين بالمزيد من الأسحلة، حيث تقدم أكثر من 260 ألف إسرئيلي بطلبات للحصول على سلاح بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023،[2] والذي يستخدم غالبًا في قتل الفلسطينيين/ات.

ويمارس المستوطنون  ضغوطات على التجمعات البدوية تحديدًا، لإجبار سكانها على الرحيل.  ومن بين وسائل التخويف والتهديد قيام المستوطنين بمهاجمة تجمعات بدوية وسرقة الأغنام. ففي أحد الحوادث قام مستوطن يعرف باسم "موسى" بتهديد جمال سليمان مليحات المقيم في تجمع المعرجات بالقرب من أريحا بالقول له " بعدك ما خفت علشان ترحل". وتساهم قوات الاحتلال في تعزيز حالة التخويف والترهيب للمدنيين/ات الفلسطينيين/ات أيضًا. فعلى سبيل  المثال، قام جنود الاحتلال برمي ساق صناعية بالقرب من قرية حزما شمال القدس- بعد مهاجمتها- كتب عليها عبارة "من يلعب بالسيف قد يقطع رجله" بالعربية. ومن بين الوسائل الأخرى توزيع منشورات تطلب من سكان الضفة الغربية المغادرة للأردن، وقد تم تويثق عدد من هذه الحالات.

وعلى صعيد آخر أطلق مستوطنون مجموعة على الانترنت تحت اسم "صيادوا النازية"، ينشر فيها صور نشطاء فلسطينيين/ات في الضفة وأراضي عام 1948، منهم صحفيين/ات، وفنانين/ات، ورجال دين، وغيرهم كشكل من أشكال التهديد.

وفي ذات الوقت استمرت دولة الاحتلال بتعزيز الاستيطان وبناه التحتية في الضفة الغربية، فعلى سبيل المثال تم تخصيص مليار دولار هذا العام لتعزيز البنية التحتية للمستوطنات.[3]

ترى مؤسساتنا أن المستهدف من وراء الجرائم الإسرائيلية في الضفة الغربية هو وجود الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين الانتدابية، لتكريس وتعميق المشروع الاستيطاني الاستعماري على أنقاض الشعب الفلسطيني. ولعل ما تقوم دولة الاحتلال الإسرائيلي به حاليًا في قطاع غزة، والضفة الغربية، ودفع للغزيين لمغادرة القطاع، ولسكان الضفة لمغادرتها، يمثل أوضح تمظهرات وتجليات هذا المشروع، الذي بدأ منذ أكثر من مئة عام وتتم الآن محاولة استكماله، في غياب لأدنى حد من سيادة القانون الدولي، والمساءلة،وسكوت المجتمع الدولي، لا وبل انخراطه في هذه المشروع. فالأطراف الثالثة أعفت نفسها من أي التزامات قانونية، وبرر بعضها الجرائم تحت مسميات لا أساس لها بموجب القانون الدولي في هذا السياق، كحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، كما أن مؤسسات العدالة، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية ممثلة بالمدعي العام، السيد كريم خان، تلجأ للمراوغة في استخدام اللغة للتهرب من التزاماتها، حيث تكون اللغة جازمة وحازمة عند توصيف ما وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتكون مائعة متشككة عندما يتم التطرق لما يتم ارتكابه من جرائم الآن في قطاع غزة والضفة الغربية، والتركيز على أعراض المشكلة، وليس جذر القضية، بإعطاء بعض من الاهتمام لما يسميه المدعي العام "عنف المستوطنين"، وليس الاستيطان، الذي يشك عصب المشروع الاستعماري، مثلًا.

وعليه فإن مؤسساتنا تجدد التأكيد على أن التعامل مع الحالة في فلسطين لا يتأتى إلا بمعالجة جذورها، وأن هذه هي مسؤولية المجتمع الدولي ومؤسساته، وخلافًا لذلك فإن القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، الذي يصنف بالقانون الدولي على أنه حجة على الكل erga omnes obligationـ يتم تصفيته بأياد إسرائيلية وبتواطؤ دولي تارة، ومشاركة نافرة تارة أخرى. فلتتحمل هذه الجهات مسؤولياتها إذا ما أرادت لهذه المنظومة أنه تنجح في اختبارها الأخير بحق.      

 

 

[1]  هيئة شؤون الأسرى والمحررين، متوفر على الرابط التالي: https://cda.gov.ps/index.php/ar/ ، تمت زيارة الموقع بتاريخ 16/12/2023

[2]  عربية سكاي نيوز، أزمة تسليح المستوطنين تحاصر بن غفير.. ومسؤول يستقيل، متوفر على الرابط https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1675289-%D8%A7%D9%94%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D8%A8%D9%86-%D8%BA%D9%81%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D9%85%D8%B3%D9%88%D9%94%D9%88%D9%84-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%8A%D9%84 ، تم الدخول له بتاريخ 15/12/2023