يأتي هذا المشروع، في ظل محاولات مستمرة للسلطة التنفيذية لإحكام سيطرتها على المنظمات الأهلية والشركات غير الربحية في آن معاً؛ من خلال محاولات تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية بعد أن نجحت بتعديل نظام الشركات غير الربحية التي تعمل على تحقيق ذات الأهداف وأحكمت سيطرتها عليها، الأمر الذي يدلل على توجه مستمر لدى السلطة التنفيذية لإخضاع مؤسسات المجتمع المدني وتقويض دورها في الرقابة على الأداء العام وتحقيق سبل العدالة والإنصاف، ويدلل بذات الوقت على عدم ثقة السلطة التنفيذية بالأجهزة الرقابية الرسمية التي تراقب أداء المنظمات والشركات غير الربحية بموجب القوانين والأنظمة الناظمة لها رغم كثرة تلك الجهات وتعدد قوانينها وأنظمتها، ويفسر سعي السلطة التنفيذية المتواصل لخلق أجسام رقابية بديلة والسيطرة على العنوان المالي للجمعيات والشركات غير الربحية على حساب القانون الأساسي والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات والمعايير الدولية ذات الصلة.
وبحصيلة المناقشات التي أجراها الائتلاف الأهلي للرقابة على العملية التشريعية على مشروع القرار بقانون المعدل لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لسنة 2000 وتعديلاته؛ فإن الائتلاف يؤكد على ما يلي:
- يهدد مشروع القرار بقانون استدامة عمل المنظمات الأهلية من خلال تقييد تملكها للأموال المنقولة وغير المنقولة باشتراط أن لا يكون هذا التملك بغرض "الإحراز أو الإتجار" ما يعني أن استثمار أموال المنظمات الأهلية للاعتماد على الذات وتحقيق الاستدامة يصبح عملاً غير مشروع بموجب هذا التعديل، وكذلك من خلال منح السلطة التنفيذية صلاحية بيع الأموال غير المنقولة للمنظمات الأهلية في المزاد العلني حال لم تقم باستغلالها خلال ثلاث سنوات بما من شأنه أن يلحق بها أضراراً فادحة بالمنظمات الأهلية ويهدد استدامة عملها.
- يمنح المشروع وزارة الداخلية صلاحيات واسعة للهيمنة على المنظمات الأهلية باشتراط أن تجري انتخابات مجلس إدارتها، تحت إشراف وزارة الداخلية، ومصادقتها على نتيجة الانتخابات، وعلى توزيع المناصب داخل مجلس الإدارة، وهذا النص كفيلٌ بشل عمل المنظمات الأهلية إذا لم تحصل على مصادقة وزارة الداخلية.
- يمنح المشروع وزارة الداخلية صلاحيات واسعة تخولها عزل مجلس إدارة المنظمات الأهلية في حال مخالفتها أي حكم من أحكام قانون الجمعيات ولائحته التنفيذية والقرارات والتعليمات الحكومية الصادرة بمقتضاه، بشكل فوري ودون إنذار مسبق، كما ومنح وزارة الداخلية صلاحية عزل مجلس إدارة المنظمات الأهلية حال مخالفتها أحكام نظامها الأساسي أياً كانت طبيعة هذه المخالفة في حال لم تقم بإزالتها خلال مدة شهرين من تاريخ إنذارها خطياً بتلك المخالفة، وبالتالي فإن مشروع القرار بقانون يمنح وزارة الداخلية سيطرة كبيرة على أداء المنظمات الأهلية خلافاً لأحكام القانون الأساسي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللذان أكدا على وجوب احترام وكفالة الحق في حرية تكوين المنظمات الأهلية وحرية ممارسة أنشطتها دون تدخل.
- ينطوي مشروع القرار بقانون على اعتداء على صلاحيات الهيئة العامة للمنظمات الأهلية باشتراطه حضور وزارة الاختصاص لاجتماعات الهيئة العامة، تحت طائلة بطلان اجتماعاتها وما يتخذ فيها من قرارات في حال جرت بغياب وزارة الاختصاص، وبالتالي فإن هذا النص المقترح كفيلٌ بإفشال اجتماعات الهيئة العامة لأي منظمة أهلية في حال قررت وزارة الاختصاص عدم حضور اجتماعاتها. علماً أن مخالفة أي نص قانوني يمكن أن تؤدي إلى قيام وزارة الداخلية بعزل أعضاء مجلس الإدارة كما سبق القول. وبالنتيجة، نحن أمام سيطرة واضحة من قبل السلطة التنفيذية على اجتماعات وأنشطة ومصادر تمويل المنظمات الأهلية بما يخالف أحكام القانون الأساسي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن الحق في حرية تكوين الجمعيات.
- يستمر المشروع في نهج السيطرة على المنظمات الأهلية من خلال اشتراط موافقة وزارة الاختصاص على أي نشاط يهدف إلى جمع التبرعات من الجمهور أو من خلال إقامة الحفلات والأسواق الخيرية وغير ذلك من وسائل جمع الأموال للأغراض الاجتماعية، التي كفلها القانون الأصلي باعتبارها حق للمنظمات الأهلية لضمان استدامة عملها، وبالتالي فإن هذا النص يتيح تدخلات غير مشروعة من قبل السلطة التنفيذية في عمل الجمعيات، في ظل من تتعرض له المنظمات الأهلية العاملة في فلسطين من صعوبات تمويلية تهدد استدامتها.
- يتوسع المشروع في منح وزير الداخلية صلاحية حل المنظمات الأهلية من خلال إضافة عبارة "مخالفة أحكام القانون" إلى النص الأصلي الذي يسمح لوزير الداخلية حل المنظمات الأهلية في حال مخالفتها لنظامها الأساسي مخالفة جوهرية وعدم قيامها بتصحيح أوضاعها خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر من تاريخ إنذارها خطياً بذلك، ودون توضيح المقصود بالمخالفة الجوهرية، وبالتالي فإن مخالفة أي نص من نصوص قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لسنة 2000 وتعديلاته من شأنها أن تؤدي إلى حل الجمعية أو المنظمة الأهلية في حال اعتبرها وزير الداخلية مخالفة جوهرية ولم تقم الجمعية أو المنظمة الأهلية بتصويبها خلال المدة المحددة.
- يُلزم مشروع القرار بقانون جميع المنظمات الأهلية المسجلة رسمياً قبل نفاذه "بتصويب أوضاعها" وفق أحكام هذا القرار بقانون خلال مدة أقصاها تسعة أشهر من تاريخ النفاذ. ما يعني أنه يتوجب على كافة المنظمات الأهلية المسجلة في فلسطين أن تقوم بإجراء تعديلات جوهرية على نظامها الأساسي الذي يحكم عملها كي يتواءم مع التعديلات التي جاء بها هذا القرار بقانون، وتقديم النظام الأساسي المعدل إلى وزارة الداخلية لاعتماده وفقاً لأحكام قانون الجمعيات، وفي حال عدم القيام بذلك خلال المدة المبينة في المشروع فإن هذا الامتناع من شأنه أن يؤدي بحسب النصوص التي جاء بها مشروع القرار بقانون إلى اتخاذ قرار من وزير الداخلية بحلها.
وعليه، فإن الإئتلاف الأهلي للرقابة على العملية التشريعية يؤكد على ما يلي:
- مطالبة الرئيس محمود عباس بوقف إصدار القرارات بقوانين لمخالفتها القانون الأساسي بانتفاء الضرورة التي لا تحتمل التأخير اللازمة لصحتها من الناحية الدستورية، وانتهاكها للحقوق الواردة في الاتفاقيات الدولية التي انضمت اليها دولة فلسطين واستحقاقاتها، والبدء بترميم النظام السياسي وإعادة الاعتبار للمبادئ الدستورية، والشروع بالتحضير للانتخابات العامة وتمكين المواطنين من ممارسة حقهم الدستوري في اختيار ممثليهم بحرية.
- مطالبة الرئيس محمود عباس بعدم إقرار مشروع قرار بقانون الجمعيات لانتهاكه أحكام القانون الأساسي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعايير الدولية ذات الصلة التي تكفل الحق في حرية تكوين الجمعيات وحرية أنشطتها.
- تفعيل الأجسام الرقابية الرسمية على أداء المنظمات الأهلية العاملة في فلسطين على أساس احترام مبدأ سيادة القانون على الجميع، واحترام الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين واستحقاقاتها، ووقف المحاولات المستمرة من قبل الحكومة ووزارة الداخلية للهيمنة على المنظمات الأهلية وأنشطتها ومصادر تمويلها بما يهدد استدامتها؛ وبخاصة في ظل البيئة المعقدة والإشكاليات التمويلية الكبيرة التي تعاني منها المنظمات الأهلية، وبناء العلاقة مع المنظمات الأهلية على أساس الشراكة والتكامل وصيانة الحقوق والحريات.
- ضرورة قيام السلطة التنفيذية بمراجعة نهج تعاطيها مع المنظمات الأهلية القائم على الشك والريبة، والتعامل مع المنظمات الأهلية كشريك حقيقي، وليس منافس، في العملية التنموية ورسم السياسات وصناعة القرار. وضرورة احترام تعهداتها التي قطعتها لمؤسسات المجتمع المدني بعدم إجراء تعديلات على قانون الجمعيات قبل الرجوع إليها باعتبارها الجهة المخاطبة بأحكام هذا القانون الذي ينظم مختلف شؤونها.
- تؤكد مؤسسات المجتمع المدني أنها ستقوم باتخاذ سلسلة إجراءات تصعيدية في مواجهة التعديلات التي اقترحتها السلطة التنفيذية على قانون الجمعيات؛ محلياً وباستخدام أدوات الأمم المتحدة حال مضت السلطة التنفيذية قدماً بتلك التعديلات المخالفة للقانون الأساسي والمعايير الدولية واستمرت بتجاهل المجتمع المدني.
مؤسسات الائتلاف الأهلي للرقابة على العملية التشريعية
مؤسسة الحق، مركز القدس للمساعدة القانونية، نقابة المحامين النظاميين الفلسطينيين، مرصد السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مجلس منظمات حقوق الإنسان، مركز الميزان لحقوق الإنسان، المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء مساواة، جمعية الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، شبكة المنظمات الأهلية، طاقم شؤون المرأة، الاتحاد العام للأشخاص ذوي الاعاقة، الائتلاف من أجل النزاهة والمسائلة أمان، مؤسسة مواطن، اتحاد النقابات المستقلة، مؤسسة مفتاح، الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، مركز إعلام حقوق الإنسان شمس، مؤسسة قادر للتنمية المجتمعية، معهد الحوكمة الفلسطيني، مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية حريات، الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون استقلال، جمعية نجوم الأمل، مركز تطوير الإعلام في جامعة بيزيت.