السيطرة على الشركات غير الربحية
أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني بتاريخ 7/7/2015 نظاماً عدل بموجبه نظام الشركات غير الربحية رقم (3) لعام 2010 الصادر بتاريخ 15/2/2010 ونص على إخضاع مصادر التمويل المالي للشركات غير الربحية للرقابة والموافقة المسبقة من الحكومة كشرط للحصول على التمويل وبيان الغاية من ورائه، ومن ثم أصبح تمويل الشركات غير الربحية يخضع لموافقة الأجهزة الأمنية خلافاً للنظام الصادر عن مجلس الوزراء بهذا الخصوص، وخلافاً للقانون الأساسي والمعايير الدولية.
عملياً، تقوم الشركة غير الربحية بتعبئة نموذج للحصول على التمويل من وزارة الاقتصاد الوطني ومن ثم يرفع الطلب عبر مسجل الشركات في وزارة الاقتصاد إلى جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات العامة للموافقة، وفي حال موافقة الجهازين الأمنيين معاً يتم إحالة الطلب إلى مجلس الوزاء لمناقشته وإقراره، وفي حال عدم موافقة أيّ من الجهازين الأمنيين يتوقف الطلب ولا يصل إلى مجلس الوزارء ولا تستطيع الشركة غير الربحية الحصول على التمويل في تلك الحالة، وقد تلقت مؤسسة الحق شكاوى بشأن رفض الأجهزة الامنية طلبات تمويل مقدمة من شركات غير ربحية. وقدمت "الحق" ملاحظات تفصيلية على النظام المذكور وبينت مخالفته لأحكام الأساسي والمعايير الدولية، وأنه يتم تجاوزه في الممارسة العملية، إلاّ أن العمل به لا زال مستمراً لغاية الآن.
تجدر الإشارة، إلى أن المنظمات الأهلية الفلسطينية يمكن أن تُسجل لدى وزارة الداخلية بموجب قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لعام 2000 وتعديلاته، كما ويمكن لها أن تُسجل أيضاً لدى وزارة الاقتصاد الوطني كشركة غير ربحية بموجب نظام الشركات غير الربحية رقم (3) لسنة 2010 الذي جرى تعديله في العام 2015. وذلك لأن الشركات غير الربحية بموجب النظام المذكور؛ هي شركات لا تهدف إلى تحقيق الربح، وإنْ حققت عوائد مالية لا يجوز توزيعها على المساهمين فيها، وإنما يتم استخدامها لتحقيق غايات وأهداف الشركة؛ وهي تقديم خدمات اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو تنموية تسعى إلى تحسين وضع المواطنين على المستوى الاجتماعي أو الصحي أو الفني أو الثقافي أو التربوي، وهي ذات الأهداف التي تسعى لها المنظمات الأهلية. وهذا ما يفسر المحاولات المستمرة من قبل السلطة التنفيذية للسيطرة على المنظمات الأهلية والشركات غير الربحية على حد سواء عبر التضييق على مختلف أنشطتها وبرامجها أو مصادر تمويلها.
محاولات مستمرة للسيطرة على المنظمات الأهلية
في أيار 2015 تم تشكيل لجنة استشارية للرئيس لشؤون الجمعيات الخيرية بمرسوم رئاسي، وكلفت بإعداد "تقرير تفصيلي شامل" عن الجمعيات الخيرية العاملة في فلسطين، على أن تقوم بأي مهام تكلف بها من قبل الرئيس. وقد سبقها صدور مرسوم رئاسي في شهر كانون أول من العام 2012 بإنشاء هيئة شؤون المنظمات الأهلية وتتبع مباشرة للرئيس وتقدم تقاريرها السنوية للرئيس، وكلفت بمهام التنسيق وتنظيم العمل بين كافة المنظمات الأهلية الفلسطينية والأجنبية والجهات الحكومية.
وجرى تعديل هذا المرسوم في شهر تموز من العام 2013 واصبحت هيئة شؤون المنظمات الأهلية مستقلة مالياً وادارياً ولكنها تتبع مباشرة للرئيس، وقد جاء تشكيل هذه الهيئة مخالف لأحكام قانون الجمعيات لعام 2000 وتعديلاته ولائحته التنفيذية وبالتالي مخالف لأحكام القانون الأساسي، وقدمت "الحق" ملاحظات تفصيلية بشأن عدم قانونية تلك الهيئة إلا أنها ما زالت تعمل لغاية الآن.
وفي شهر نيسان من العام 2011 صدر القرار بقانون بشأن تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، واستهدف التعديل المادة (39) من القانون الأصلي الصادر عام 2000 المتعلقة بكيفية التصرف بأموال المنظمات الأهلية بعد صدور قرار بحلها؛ حيث جرى النص في التعديل على أن تؤول أمول المنظمات الأهليةإلى "الخزينة العامة" في المقام الأول وهذا يعد يمثابة مصادرة لتلك الأموال دون حكم قضائي بما يخالف القانون الأساسي الذي أكد على " لا مصادرة إلا بحكم قضائي" والاتفاقيات الدولية وبخاصة المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه دولة فلسطين، وقدمت "الحق" ملاحظاتها على هذا التعديل الذي لا زال سارياً.
وبتاريخ 20/6/2007 صدر مرسوم عن الرئيس خلال مرحلة اعلان حالة الطوارئ منح بموجبه وزير الداخلية صلاحيات واسعة تخوله مراجعة جميع تراخيص الجمعيات والمؤسسات والهيئات الصادرة عن وزير الداخلية أو أية جهة حكومية واتخاذ الإجراءات التي يراها الوزير أو من يفوضه ملائمة إزاء الجمعيات والهيئات الأهلية من إغلاق أو تصويب أوضاع أو غيرها من الإجراءات، وألزم المرسوم الجمعيات والهيئات بالقيام بتصويب أوضاعها خلال أسبوع من تاريخه، وبالاستناد لهذا المرسوم أصدر مجلس الوزراء قراراً بذات التاريخ بتكليف وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات المناسبة بحق الجمعيات والهيئات التي تمارس نشاطات مخلة بالقانون بشكل فوري وتنفيذ ما هو مطلوب لوقف نشاطاتها، وجرى حل ما يزيد عن (100) منظمة أهلية في ذلك الوقت استناداً لتلك المراسيم الرئاسية والوزارية التي صدرت خلال مرحلة إعلان حالة الطوارىْ ولا زالت منحلة لغاية الآن.
هذا بالإضافة إلى الإجراءات التي تتخذها الإدارة العامة للجمعيات في وزارة الداخلية تجاه المنظمات الأهلية خلافاً لأحكام قانون الجمعيات لعام 2000 وتعديلاته ولائحته التنفيذية؛ وذلك من قبيل اشتراط الموافقات المسبقة من قبل وزارة الداخلية على "أية حوالة مالية" ترسلها المنظمات الأهلية للخارج بالتنسيق مع سلطة النقد؛ حتى وإنْ كانت راتباً لموظف يعمل في المنظمة الأهلية أو لشراء كتب لمكتبتها أو نشاطاً تنفذه في الخارج في إطار المناصرة في مجال عملها، وهذا الإجراء الذي تقوم به وزارة الداخلية لا أساس له في قانون الجمعيات ولائحته التنفيذية ومخالفٌ لأحكام القانون الأساسي الذي كفل الحق بتشكيل الجمعيات وحرية عملها ومخالفٌ لأحكام قانون الجمعيات وتعديلاته ولائحته التنفيذية ومخالفٌ للاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان التي كفلت الحق في حرية عمل المنظمات الأهلية وبخاصة المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه دولة فلسطين بدون تحفظات ومخالفٌ المعايير الدولية ذات الصلة.