طالبت مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، المجتمع الدولي بالتحرك الجاد للوقف الفوري والشامل للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واتخاذ إجراءات فعالة لضمان المساءلة على جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي الحربية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ويصادف التاسع والعشرون من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وهو يتزامن هذا العام مع دخول العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة يومه الـ 54 على التوالي، وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ، نجمت عن آلاف الغارات التي شنتها إسرائيل وتسببت بتدمير كلي وجزئي لأكثر من 300 ألف وحدة سكنية ومسح مربعات سكنية بالكامل، عدد كبير منها دمرت على رؤوس قاطنيها، مع حصار محكم وحرمان شامل من الوصول للماء والطعام والدواء.
وأدى العدوان حتى الآن إلى استشهاد أكثر من 15 ألف فلسطيني/ة، وإصابة أكثر من 36 ألفًا آخرين بجروح، وأكثر من 70% من الشهداء والمصابين هم من الأطفال والنساء، فضلاً عن نزوح أكثر من 1.8 مليون فلسطيني، أي ما يعادل أكثر من 80 % من السكان هجروا قسرًا من منازلهم، في واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري الجماعية في وقت محدود في التاريخ الحديث.
وتشير مؤسساتنا الثلاثة، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق، إلى أن هذا اليوم يتزامن أيضًا مع اليوم السادس والأخير للتهدئة المؤقتة التي بدأت في 24/11/2023، حيث يشعر 2.3 مليون فلسطيني بالقلق والرعب من استئناف العدوان من جديد.
وفي هذا الصدد، بدأ عشرات الآلاف من الفلسطينيين يتجهزون إلى مغادرة منازلهم شرق القطاع، بنهاية اليوم والعودة مجددًا إلى مراكز الإيواء التي غادروها مع بدء التهدئة لتفقد منازلهم، وسط تهديدات إسرائيلية باستئناف العدوان والتلويح بعملية حربية تستهدف جنوب قطاع غزة التي سبق أن أعلنتها إسرائيل منطقة آمنة، ورغم ذلك استمرت في تنفيذ هجمات حربية فيها، مع وجود جهود دولية لتمديد التهدئة والتوصل لاتفاق شامل لوقف النار، دون أن تتضح نتائج هذه الجهود حتى الآن.
يذكر أنه خلال أيام التهدئة جرى تبادل أسرى للمدنيين من النساء والأطفال، وإدخال مساعدات إنسانية بواقع 200 شاحنة يوميا (في الوضع الطبيعي كان يدخل القطاع أكثر من 500 شاحنة يوميا)، مع توقف الأعمال الحربية التي تخللها خروقات أدت إلى استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة نحو 17 آخرين بجروح برصاص قوات الاحتلال.
وفي هذه المناسبة، تؤكد مؤسساتنا أن التعبير الحقيقي عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في هذا اليوم ينبغي أن يتمثل في تشكيل أكبر حالة ضغط دولي من أجل وقف إطلاق النار والعدوان فورًا في قطاع غزة، باعتبار ذلك أولوية قصوى، يرافق ذلك إدخال المساعدات بكميات أكبر وبلا شروط، مع فتح المعابر لتمكين التجار من الاستيراد وتزويد أسواق غزة باحتياجاتها من البضائع الأساسية التي نفدت جميعها تمامًا من الأسواق.
وتؤكد المؤسسات أن حجم المساعدات وآليات توزيعها الحالي لا تزال قاصرة عن تلبية احتياجات سكان قطاع غزة الذين أصبحوا جميعا بنسبة 100% بحاجة للمساعدة، وفي هذا الإطار نشير إلى أنه في الوقت الذي يتلقى المقيمون في مراكز الإيواء كميات محدودة من المساعدات الغذائية لا تلبي احتياجهم، فإن باقي السكان وهم بمئات الالاف في منازلهم وضمنهم نازحون أيضًا لجؤوا لمنازل بديلة أو أقارب لهم لم يتلقوا أي مساعدات تقريبًا ولا يستطيعون توفير احتياجاتهم لنفادها من الأسواق، فيما تجري عملية توزيع الدقيق التي يفترض أن تشمل الجميع ببطء شديد جدًا، كونها توزع وفق حجم الأسرة وفي فترات وأماكن محدودة.
وتشير المؤسسات إلى أنه لا يزال هناك آلاف المفقودين تحت الأنقاض وفي أماكن التوغل الإسرائيلي، وخلال الأيام الماضية جرى انتشال أكثر من 160 جثة، فيما تواجه طواقم من الدفاع المدني وفرق المتطوعين صعوبات في عمليات الانتشال نظرًا لضعف الإمكانات وعدم توفر الوقود للآليات، ما يستدعي بشكل عاجل تسهيل إدخال آليات وفرق إنقاذ ودفاع مدني من خارج قطاع غزة متخصصة في إزالة الركام لمحاولة انتشال الجثامين والبحث عن العالقين تحتها.
كما تشير مؤسساتنا إلى أن واقع الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة، ليس أحسن حالاً على صعيد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تقترفها القوات الحربية الإسرائيلية. فمنذ 7 أكتوبر الماضي، وسعت تلك القوات علميات القتل دون أي مبرر إلى جانب تنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القانون، ما أدى إلى استشهاد 240 فلسطينيا، بينهم 57 طفلا وسيدة.
وبموازاة ذلك تتصاعد سياسات الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي وهدم المنازل الفلسطينية، وإجراءات العقاب الجامعي، والتي شهدت زيادة لافتة في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل. جدير بالذكر أنه على مدار العقود الماضية عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بشكل غير قانوني على توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي ولم تتوقف إطلاقاً عن المضي في تطبيق هذه السياسات، بما يؤثر في وحدة الأراضي التي تحولت إلى كانتونات منعزلة يستحيل معها إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقبلية.
لذلك، اليوم وبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تجدد مؤسساتنا دعوة المجتمع الدولي للتحرك الفوري لوقف إطلاق النار الشامل، وتوفير ممرات آمنة لإدخال المساعدات بوتيرة أعلى وأشمل من الوضع الحالي، وإخلاء الجرحى الذين هم بحاجة لإنقاذ وتدخل طبي عاجل بشكل أكبر نظرًا لانهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة.
ونجدد موقفنا بأن هذه الجرائم والفظائع يجب أن تنتهي فوراً وألاّ تتكرر، وأن على المجتمع الدولي ضمان إنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري الاستيطاني الإسرائيلي، وإلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات التمييزية واللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وعلى اسرائيل الانسحاب فوراً ودون قيد أو شروط من الأرض الفلسطينية المحتلة.
كما ندعو المجتمع الدولي إلى ضمان تحقيق المساءلة والعدالة فيما يتعلق بجرائم الحرب وجرائم الإبادة في قطاع غزة، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان في مجمل الأرض الفلسطينية المحتلة التي مرت دون مساءلة على مدى الـ 75 عاماً الماضية. كما نذكر المجتمع الدولي بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه لحماية حقوق الفلسطينيين/ات، بما فيها الحق في تقرير المصير، ولضمان احترام القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال تطبيق آليات العدالة الجنائية الدولية.