تتابع مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، مجريات الواقع في قطاع غزة مع دخول التهدئة المؤقتة يومها الثاني، ما أسهم في تكشف جزئي عن حجب الدمار الهائل الذي خلفته الآلة الحربية الإسرائيلية في المنازل والأعيان المدنية والبنى التحتية، في وقت تستمر التداعيات الإنسانية الكارثية للعدوان والحصار المشدد المفروض منذ 50 يومًا.
وتؤكد مؤسساتنا الثلاثة، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق، أن المشاهد الأولية للأماكن التي تمكنت طواقمنا من زيارتها للأحياء المستهدفة في جنوب وادي غزة، إلى جانب ما أمكن الاطلاع عليه من صور ومقاطع فيديو لجانب من التدمير في محافظة غزة وشمالها، يعكس مستوى غير مسبوق في عمليات التدمير الممنهج التي طالت أيضًا العديد من المعالم التاريخية والتراثية في غزة إلى جانب المؤسسات التعليمية.
وأظهرت مشاهدات في بلدة خزاعة شرق خانيونس على سبيل المثال عمليات تدمير واسعة للمنازل والمساجد والشوارع، وتكرر ذلك في العديد من المناطق حيث اختفت تجمعات سكنية كاملة.
كما أظهرت مقاطع فيديو وثقها مواطنون وصحفيون في مدينة غزة وبلدات محافظة الشمال، بما في ذلك المناطق التي توغلت فيها قوات الاحتلال ولا تزال تتمركز فيها حتى الآن عمليات تدمير واسعة جدًا كان من الواضح أن هدفها التدمير ولم تعبر عن ضرورة متعلقة بالعمليات العسكرية وفق قاعدة الضرورة والتناسب.
وبإمكانيات محدودة يحاول مواطنون وطواقم من الدفاع المدني انتشال جثامين والبحث عن مفقودين/ات تحت الأنقاض، فيما لا يزال ذلك غير ممكن نتيجة تمركز قوات الاحتلال في العديد من أحياء غزة وشمالها، وإعلان تلك المناطق مناطق قتالية "حربية"، وحظرت قوات الاحتلال السكان من الوصول إليها.
وبعد إعلان التهدئة حاول سكان نزحوا سابقا إلى جنوب وادي غزة، العودة في يوم أمس إلى منازلهم في غزة وشمالها ولكن قوات الاحتلال منعتهم وأطلقت النار عليهم ما أدى إلى مقتل فلسطينيين اثنين وإصابة 7 آخرين بجروح.
وأمام هذه الوقائع، تجدد مؤسساتنا مطالبتها بوقف فوري ودائم لإطلاق النار والعدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، وانسحاب قوات الاحتلال الحربية من الأماكن التي تتوغل فيها، وتسهيل عودة السكان إلى منازلهم.
وتحث مؤسساتنا الأمم المتحدة على إيفاد المقررين الخاصين ولجان تحقيق دولية إلى غزة والتحقيق في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي اقترفتها القوات الحربية الإسرائيلية والتي لا تزال تهدد باقتراف المزيد منها بعد انتهاء الهدنة المؤقتة والمحددة بـ 4 أيام.
كما نطالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بزيارة غزة والوقوف على الأوضاع والتحقيق في الجرائم وإنهاء حالة ازدواجية المعايير في التعامل مع الفظائع الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وتؤكد مؤسساتنا، ضرورة عدم رهن الاحتياجات الضرورية للسكان من طعام وشراب وصحة وكهرباء بأي اشتراطات سياسية وأمنية، وتشدد على ضرورة ضمان إيصال المساعدات لجميع السكان وليس فقط للسكان في مراكز الإيواء؛ لأن المحال التجارية نفدت منها جميع البضائع، ولذلك ينبغي فتح المعابر لتدفق البضائع وعودة الحياة للحركة الاقتصادية والتجارية الضرورية للسكان.
وفي هذه الإطار، تشير مؤسساتنا إلى أن المعاناة الإنسانية الناجمة عن نزوح 1.7 مليون نسمة وتشردهم عن منازلهم لا يزال يشكل كارثة إنسانية مع غياب المساعدات الملائمة وعدم توفر الرعاية الصحية المناسبة، وانعدام مقومات الحياة الأساسية، فضلا عن المخاوف من تجدد الغارات بعد يومين.
كما تطالب مؤسساتنا بضرورة تمكين طواقم الإنقاذ خلال أيام التهدئة وطوال الوقت من إخلاء وانتشال مئات الشهداء من الشوارع والأحياء المستهدفة، جراء الغارات الإسرائيلية خاصة في مدينة غزة وشمال غزة، حيث توقف عمل فرق الإسعاف والدفاع المدني بصورة شبه كلية منذ نحو أسبوعين، إلى جانب تمكينها من البحث عن آلاف المفقودين تحت الأنقاض ومنهم أعداد كبيرة من الأطفال والنساء.
وتدعو مؤسساتنا المجتمع الدولي إلى تسهيل إدخال آليات وفرق إنقاذ ودفاع مدني من خاج قطاع غزة متخصصة في إزالة الركام لمحاولة انتشال الجثامين والبحث عن العالقين تحتها، لا سيما أن الحديث يدور عن حوالي 7 آلاف فلسطيني/ة في عداد الموفقودين/ات، منهم عدة آلاف من الأطفال، وفق الجهات الحكومية في غزة.
وحتى مساء الخميس 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أسفر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر عن أكثر من (14,854) قتيلا/ة، بينهم أكثر من (6,150) طفلاً/ة، وأكثر من (4,000) امرأة، وهذا يعني أن قرابة 69% من الضحايا هم من فئتي الأطفال والنساء، وفق الجهات الحكومية بغزة.
كما بلغ عدد المفقودين قرابة (7,000) مفقود إما تحت الأنقاض أو أن جثامينهم ملقاة في الشوارع والطرقات، أو أن مصيرهم لا يزال مجهول، بينهم أكثر من (4,700) طفلٍ وامرأة.
وبلغ عدد الضحايا من الكوادر الطبية (207) من الأطباء والممرضين/ات والمسعفين، واستشهد (26) من طواقم الدفاع المدني، كما واستشهد (67) من الصحفيين/ات والعاملين في قطاع الصحافة.
وزاد عدد الإصابات عن (36,000) إصابة، أكثر من 75% منهم من الأطفال والنساء.
وبلغ عدد الوحدات السكنية التي تعرضت إلى هدم كلي (46,000) وحدة سكنية، إضافة إلى (234,000) وحدة سكنية تعرضت للهدم الجزئي، وهذا يعني أن أكثر من 60% من الوحدات السكنية في قطاع غزة تأثرت بالعدوان ما بين هدم كلي وغير صالح للسكن وهدم جزئي.
وإزاء كل ذلك، تجدد مؤسساتنا دعوة المجتمع الدولي للتحرك الفوري لوقف إطلاق النار الشامل، وتوفير ممرات آمنة لإدخال المساعدات بوتيرة أعلى وأشمل من الوضع الحالي، وإخلاء الجرحى الذين هم بحاجة لإنقاذ وتدخل طبي عاجل بشكل أكبر نظرًا لانهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة، وخروج جميع المشافي في غزة وشمالها عن العمل.
ونجدد موقفنا بأن هذه الجرائم والفظائع يجب أن تنتهي فوراً وألاّ تتكرر، وأن على المجتمع الدولي ضمان تفكيك نظام الفصل العنصري الاستيطاني الإسرائيلي، وإلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات التمييزية واللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وعلى اسرائيل الانسحاب فوراً ودون قيد أو شروط من الأرض الفلسطينية المحتلة، وذلك بشكل يمكّن الفلسطينيين/ات من أن يمارسوا حقهم/ن غير القابل للتصرف في تقرير المصير بشكل كامل.