ترجمة لبيان نشر بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2023
رحبت مؤسسة الحق ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بزيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، "كريم خان" لمعبررفح الواقع على الحدود بين غزة ومصر في 29 تشرين الأول/ أكتوبر2023. وتأتي زيارته بعد 22 يومًا متتاليًا من الهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة. كان قد استشهد فيها لغاية يوم الأحد الموافق 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أكثر من 8,005 فلسطينييا/ة، من بينهم 3,324 طفلًا و2,062 امرأة. كما استشهد 113 فلسطينيًا آخرين، من بينهم 35 طفلاً، في الضفة الغربية، بما في ذلك شرقي القدس، على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين. هذا وقد أفادت التقارير أن حوالي 1,700 شخص، من بينهم ما لا يقل عن 940 طفلاً، اعتبروا في عداد المفقودين/ات في غزة أو أنهم محاصرون أو استشهدوا تحت الأنقاض، في حين أصيب أكثر من 20,000 فلسطيني/ة في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وفي بيان بالغ الأهمية، قال المدعي العام خان: “في غزة أردت أن ألتقي بأولئك الذين يعانون من هذا الألم الهائل، للاستماع إلى تجاربهم بشكل مباشر. ومن المهم جدًا أن نعدهم، ونتعهد لهم بأن حقهم الطبيعي هو العدالة. إنهم يملكون العدالة ويستحقون العدالة”. وجاءت زيارة المدعي العام بعد أيام قليلة من إعلان السلطات الإسرائيلية توسيع عدوانها العسكري الانتقامي، الذي يهدف إلى محو غزة وتحويلها إلى "أنقاض". وفي أعقاب زيارته لمعبر رفح، عقد المدعي العام مؤتمراً صحفياً في القاهرة شدد فيه على التزامات الأطراف جميعها بموجب القانون الدولي.
وإننا كمؤسسات حقوق إنسان نشيد بملاحظة المدعي العام خان الصارمة التي مفادها: “إنهم [إسرائيل] لديهم محامون يقدمون المشورة بشأن قرارات الاستهداف، وليس لديهم سوء فهم حول ما يتعلق بالتزاماتهم، أو أنهم يجب أن يكونوا قادرين على المحاسبة عن أفعالهم. وعليهم أن يثبتوا أن أي هجوم، أو أي هجوم يؤثر على المدنيين الأبرياء، أو الأعيان المحمية، يجب أن يتم وفقًا لقوانين وأعراف الحرب، ووفقًا لقوانين النزاع المسلح. وعليهم أن يثبتوا التطبيق السليم لمبدأ التناسب والحماية ومبدأ التمييز. وبينما نرحب بالتأكيد بهذه الملاحظة، فإننا نؤكد أنه نظرًا لنطاقها وكثافتها، بما في ذلك السياسة المستمرة والواضحة المتمثلة في مهاجمة منازل العائلات، فإن الهجمات الإسرائيلية لا تتم فقط في انتهاك صارخ لمبادئ التمييز والتناسب والتدابير الاحترازية، ولكنها جزء من هجوم واسع النطاق وممنهج على السكان المدنيين/ات في غزة.
تشيد مؤسساتنا بتأكيد المدعي العام على خطورة الكارثة الإنسانية التي تتكشف حالياً في غزة، والتي هي من صنع الإنسان ونتيجة لسياسات العقاب الجماعي المتعمدة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على أكثر من مليوني مدني/ة، ونصفهم من الأطفال. وأشار المدعي العام إلى أنه "لا ينبغي أن يكون هناك أي عائق أمام وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى الأطفال والنساء والرجال والمدنيين/ات. إنهم أبرياء. ولهم حقوق بموجب القانون الدولي الإنساني. هذه الحقوق هي جزء من القانون الدولي العرفي، وهذه الحقوق هي جزء من اتفاقيات جنيف، وتؤدي إلى مسؤولية جنائية عندما يتم انتهاك هذه الحقوق بموجب نظام روما الأساسي."
وكانت قد نوهت مؤسساتنا في وقت سابق بأن قرار اسرائيل قطع إمدادات المياه والغذاء والكهرباء والدواء والوقود واستخدام التجويع كوسيلة حربية لمعاقبة السكان المدنيين/ات في غزة بشكل جماعي، هي جرائم دولية واضحة لا نقاش عليها. وقد صدرت أوامر بتنفيذ هذه الجرائم من قبل الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك وزير الدفاع "يوآف غالانت"، ووزير البنية التحتية الوطنية والطاقة والمياه إسرائيل "كانتز".
إن ولاية المدعي العام تسمح لمكتبه بإصدار أوامر اعتقال حتى خلال الأعمال العدائية وأثناء استمرار السلوك المزعوم، وهذا كما كان واضحاً من خلال إصدار مذكرتين من هذا القبيل في سياق التحقيق في أوكرانيا. وفي هذه القضية، حيث في حينه اعتبرت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية أن "الوعي العام بأوامر الاعتقال قد يسهم في منع ارتكاب المزيد من الجرائم". عليه، فإننا ندعو مكتب المدعي العام إلى إصدار أوامر اعتقال فورية بحق السلطات الإسرائيلية والعسكريين، وخاصة الأفراد المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية ضد الأطفال، بما يتوافق مع السياسة الصريحة لمكتب المدعي العام. وإنه لمن المروع أن عدد الأطفال الفلسطينيين/ات الذين قتلوا خلال ثلاثة أسابيع في غزة يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في مناطق الصراع حول العالم لمدة عام كامل.
وفي تعليقه على زيارة المدعي العام لمعبر رفح، قال "شعوان جبارين"، المدير العام لمؤسسة الحق: "إن زيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لمعبر رفح يساهم في الحفاظ على القليل من الأمل المتبقي لدى الشعب الفلسطيني، ويعطي إشارة قوية بالتزام المدعي العام لاتخاذ اجراءات ونأمل أن تكون سريعة دون أي تأخير إضافي." وقبل الزيارة، كان قد صرح "راجي الصوراني"، مدير عام المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، عن أسفه لتقاعس المدعي العام طويل الأمد بحماية المدنيين/ات الفلسطينيين/ات، وركز على عدم محاسبة إسرائيل على الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة والمستمرة منذ سنوات عديدة. بما في ذلك الفصل العنصري الإسرائيلي، وقمع الشعب الفلسطيني، وإغلاق قطاع غزة.
وبينما يواصل مكتب المدعي العام إجراء التحقيق في الوضع في فلسطين ، بما في ذلك الأحداث التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر وتلك التي تلتها، فإننا نذكر أن هذه ليست حرب دينية. إن مؤسساتنا تعبر عن قلقها العميق إزاء عدم وجود أي ذكر للسياق الأوسع الذي يقع من ضمنه العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة، بما في ذلك احتلال إسرائيل العسكري غير القانوني للأراضي الفلسطينية منذ 56 عاما، والإغلاق والحصار المفروض على غزة منذ 16 عاما – كونه أداة للعقاب الجماعي والاضطهاد لأكثر من 2 مليون شخص. إن أي تحقيق يتجاهل السياق الأوسع الذي تُرتكب فيه الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية لن يحقق العدالة اللازمة للضحايا الفلسطينيين/ات. ويتجلى هذا السياق في نظام الفصل العنصري الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي المستمر منذ 75 عامًا والذي يحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير والعودة. فالتصعيد المستمر للأعمال العدائية الحالية هو تجسيد لفشل المجتمع الدولي في محاسبة السلطات الإسرائيلية على جرائمها الدولية الصارخة وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، ويظهر لنا أنه إن لم تتم معالجة الأسباب الجذرية، فإن دائرة العنف ستستمر على حساب أرواح المدنيين/ات.
ودعت مؤسساتنا المدعي العام منذ افتتاح التحقيق في الوضع في فلسطين في أذار/مارس 2021، لزيارة فلسطين، بما في ذلك غزة، وإنشاء مكتب قطري أو مكتب ميداني إقليمي لتسريع التحقيق. ونكرر أنه اعتبارًا من 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم تعد منظماتنا قادرة على القيام بالعمل الميداني أو توثيق الجرائم المروعة الواضحة التي تُرتكب في غزة. لذلك نحث مكتب المدعي العام على الإصرار للحصول على موافقة لدخول الأراض الفلسطينية المحتلة لإجراء تحقيق مستقل على الأرض في جميع الجرائم الدولية المرتكبة منذ 13 يونيو/حزيران 2014، والتي تقع ضمن ولايته القضائية، بما في ذلك تلك الجرائم المرتكبة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. كما ونؤكد أنه في حال عدم القدرة على الدخول لا ينبغي أن يمنع مكتب المدعي العام من التحقيق في الوضع في فلسطين، وبالتالي، فإننا نحث مكتب المدعي العام على تسريع تحقيقاته في الجرائم المتعلقة بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك شرقي القدس، والجرائم ضد الإنسانية، بما فيها الفصل العنصري والاضطهاد ولوعن بعد.
وأخيراً، ندعو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى:
1. التحقيق في الجرائم الدولية التي ترتكبها السلطات والجيش الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر والتي تم تنسيقها في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، على سبيل الأولوية، ومقاضاة مرتكبيها، بما في ذلك الجرائم المرتكبة ضد الأطفال أو المؤثرة على حالتهم؛
2. زيارة قطاع غزة لتوثيق الجرائم المرتكبة في غزة، ومنع وقوع المزيد من الجرائم، بما في ذلك إصدار بيانات رادعة؛
3. إصدار مذكرات اعتقال فورية في قضايا الجرائم الدولية التي ارتكبتها السلطات الإسرائيلية وأفرادها العسكريون في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة منذ 13 حزيران/يونيو 2014؛
4. فتح مكتب قطري أو مكتب إقليمي لتسريع التحقيق في الوضع في فلسطين، والعمل بموجب الجزء التاسع (9) من نظام روما الأساسي، ودعوة الأردن وفلسطين، كدول أطراف في نظام روما الأساسي، والدول الأخرى غير الدول الأطراف، بما في ذلك مصر، للتعاون مع مكتبكم في هذا الصدد، والعمل على ترتيب زيارة عاجلة إلى فلسطين، وخاصة إلى قطاع غزة؛
5. تذكير جميع الدول بضرورة مواءمة مواقفها بشأن الوضع الحالي مع التزاماتها بموجب القانون الدولي، وخاصة القانون الإنساني الدولي، والامتناع عن المساعدة والتحريض على ارتكاب الجرائم الدولية؛
6. ضمان توفير الموارد الكاملة للتحقيق في الوضع في فلسطين من خلال زيادة مخصصات الميزانية لضمان استمرارية التحقيق؛
7. اتخاذ الإجراءات المناسبة في حدود ممارسة ولاية المدعي العام بموجب نظام روما الأساسي لمنع وردع المسؤولين والقوات الإسرائيلية عن ارتكاب المزيد من الجرائم الفظيعة ضد الشعب الفلسطيني.