بالرغم من أن اسرائيل أمرت سكان غزة بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر بإخلاء مناطق شمال غزة والإنتقال إلى رفح وخانيونس ودير البلح إلا أن الإحتلال الاسرائيلي استمر بالقصف العشوائي لمناطق مختلفة من قطاع غزة. كما واستهدفت اسرائيل الفلسطينيين/ات خلال هروبهم وانتقالهم من المناطق الشمالية إلى الجنوب عبر ما اسمته في حينها "الطريق الآمن".
وتوكد المؤسسات الحقوقية الفلسطينية -الحق ومركز الميزان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان- أنه لا يوجد مكان آمن في غزة وأن "أمر الإخلاء" الذي أصدرته إسرائيل كان يهدف بالفعل إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين/ات قسراً ونقلهم إلى أماكن قريبة من الحدود مع مصر. ويجري هذا الترحيل القسري وسط كارثة إنسانية تلوح في الأفق وفق ما يشهده الحال في قطاع غزة، حيث تواصل إسرائيل حرمان أهالي القطاع من الغذاء والماء والكهرباء والوقود والدواء.
وكانت قد حذرت مؤسساتنا بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر من عدم قانونية أمر الإخلاء الإسرائيلي، وبوجه الخصوص سلطنا الضوء على عدم وجود ضمانات للسلامة والعودة، وبالنظر إلى الإطار الزمني الضيق للإخلاء والمتمثل ب 24 ساعة، والعدد الكبير من المدنيين المتضررين (أكثر من مليون شخص) والظروف المحيطة بعملية الإخلاء، فإن تنفيذ هذا الأمر ليس عمليا وغير فعال، ولقد أثبتت الأيام التي تلت الإخلاء ذلك.
وفي ذات الإطار أكدت وحدة التحقيق المعماري التابعة لمؤسسة الحق أنه في نفس اليوم الذي صدر فيه أمر الإخلاء الإسرائيلي، الموافق الجمعة 13 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل ما لا يقل عن 70 فلسطينياً/ة وأصيب آخرون في غارة جوية أصابت قوافل كانت تسير جنوباً على طريق صلاح الدين. هذا الطريق الرئيسي الذي يربط بيت حانون برفح ويمر بكافة مناطق قطاع غزة. كان طريق صلاح الدين أحد الطريقين – الآخر هو الطريق الساحلي – الذي أصدر الجيش الإسرائيلي تعليمات صريحة باستخدامه للإخلاء، هذا وتوصلت صحيفة الغارديان ووحدة التحقيق في قناة "البي بي سي" ومنظمات ووسائل إعلام أخرى إلى نفس النتيجة.
وفي وقت سابق صرح نائب مدير مركز الميزان، – وهو نازح حاليا مع عائلته في جنوب غزة: "أن فكرة إمكانية وجود مناطق آمنة في غزة هي خدعة. منذ صدور "أمر الإخلاء"، واصل الجيش الإسرائيلي استهداف المنازل في محافظات رفح وخانيونس ودير البلح. إنهم يستهدفون منازل العائلات الممتلئة بالسكان بعد نزوحهم من غزة وشمال غزة إلى الجنوب بناءً على الأوامر الإسرائيلية”.
أدى استهدافاً عسكريا اسرائيلياً يوم الأحد الموافق 15 تشرين الأول/أكتوبر، إلى استشهاد 12 من أفراد عائلة حسن حلاسة، الباحث في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان. على الرغم من أنه عائلته كانت قد اتبعت تعليمات الإخلاء، وأخلت منزلها في الشجاعية (مدينة غزة) وانتقلت إلى الزوايدة (منطقة المنطقة الوسطى)، حيث أدى الهجوم الإسرائيلي العشوائي هذا إلى استشهاد زوجة حسن، لينا، وبناته مرح 21 عاما، وبيسان 19 عاما، وابنه عمر 7 أعوام، ووالدته، وسبعة آخرين من أفراد الأسرة.
ذكر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يوم 17 أكتوبر حوالي الساعة الثانية بعد الظهر أن الساعات الأربع والعشرين التي مضت شهدت تكثيفًا لقصف الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة مواقع في محافظتي خانيونس ورفح، مما أدى إلى استشهاد حوالي 80 فلسطينيًا/ة وإصابة العشرات. وفي صباح يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر، استشهد أكثر من 15 فلسطينيا من عائلة اللمداني و21 فلسطينيا/ة من عائلة الجبري في قصف إسرائيلي لمدينة خانيونس. أما في رفح استشهد 28 فلسطينيا/ة من عائلة زعرب جراء القصف الإسرائيلي. وفي اليوم ذاته قرابة الساعة 12:30 ظهرًا، تضرر مدخل المستشفى الأوروبي في خانيونس، جنوب قطاع غزة بقصف اسرائيلي.
أما وزارة الصحة الفلسطينية قد أفادت بتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر، أن حوالي 70% من سكان محافظتي غزة وشمال غزة حرموا من الخدمات الصحية إثر إخلاء الأونروا بإتجاه الجنوب وتوقف خدماتها في الشمال. وقد تلقت مؤسساتنا تقاريرا، بما في ذلك من الزملاء في غزة، عن وجود عائلات كثيرة (من 50 شخص) متواجدين بشكل مكتظ في منزل واحد دون ماء أو طعام أو كهرباء.
وكان زميل من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من بين عشرات الآلاف من الفلسطينيين/ات الذين تركوا منازلهم في مدينة غزة خوفا من القصف وتوجهوا نحو المناطق الجنوبية، بحيث قال: “لا يوجد مكان آمن [في غزة]. استهداف المدنيين والمباني المدنية هو نفسه في الشمال وفي الجنوب. إنها مجرد كذبة! لقد غادرت إلى خانيونس ولكنني قررت العودة [إلى مدينة غزة] لأنني لا أريد أن أرى نكبة ثانية. نريد البقاء في منازلنا، ومقاومة هذا الاحتلال غير القانوني، لن نسمح بحدوث نكبة ثانية مرة أخرى”.
في حين بقي في شمال غزة آلاف الفلسطينيين/ات الذي لم يرغبوا أو لم يتمكنوا من المغادة واتباع أمر الإجلاء الإسرائيلي، حيث أشار العديد إلى الخطر المتمثل في عدم وجود ملاجئ ومرافق كافية في جنوب غزة، وقلة وسائل التنقل للوصول إلى الجنوب، والهجمات التي استهدفت قوافل المدنيين/ات على طريق صلاح الدين، والتي اعتبرت الأسباب الرئيسية وراء قرار السكان البقاء في شمال غزة. والجدير بالذكر أن أمر الإخلاء لا يعفي إسرائيل من التزاماتها ومسؤولياتها بموجب القانون الإنساني الدولي، حيث يقع على عاتقها تحمل التزامات حماية المدنيين/ات والأعيان المدنية من الهجمات العشوائية وغير المتناسبة. وتحمل مؤسساتنا الفلسطينية إسرائيل مسؤولية الالتزام بالقانون الدولي فيما يتعلق بحماية جميع المدنيين الفلسطينيين/ات ممن بقي أو عاد إلى شمال غزة، والذين وفقا للقانون ما زالوا يتمتعون بالحماية من الاستهداف المباشر.
إن أكثر من ثلاثة أرباع سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة هم لاجئون/ات حرمتهم إسرائيل من ممارسة حقهم في العودة منذ عام 1948. وبالرغم من مرور سبعة عقود، لا يزال المجتمع الدولي غير قادر على إعمال وتحقيق حقوق اللاجئين/ات الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وأراضيهم، كما ورد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. إن التطهير العرقي الجماعي الذي يلوح في أفق الفلسطينيين/ات في غزة يتطلب تدخلاً فورياً من قبل المجتمع الدولي لوقف هذا الترحيل القسري، الذي قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
ومع استمرار القصف وبلوغ عدد الشهداء الفلسطينيين/ات أكثر من 3,478 فلسطينيًا/ة استشهدوا لغاية الساعة 3:30 بعد ظهر يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر، وتهجير أكثر من مليون فلسطيني في جميع أنحاء غزة، واستمرار منع دخول وتوفير الخدمات الحيوية لبقاء السكان، تطالب مؤسساتنا المجتمع الدولي، والدول الثالثة على وجه الخصوص، بالضغط الفوري على إسرائيل لإنهاء هجومها العسكري، ووقف جميع االإجراءات التي تشير إلى التطهير العرقي للسكان في غزة، وضمان توفير المياه والغذاء والغاز والوقود والكهرباء ودخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.