(هذه المادة نشرت باللغة الإنجليزية بتاريخ 9 أكتوبر 2023)
خلال الثماني وأربعين ساعة الماضية، شن الجيش الإسرائيلي سلسلة من الهجمات المتواصلة ضد السكان المدنيين/ات في قطاع غزة، مدمراً عشرات المنازل والمباني السكنية والتجارية فيها - غالبًا دون إصدار تحذيرات احترازية - وقضى على عائلات فلسطينية بأكملها. حيث أن عدد الفلسطينيين/ات الذين قتلوا أو جرحوا وحجم المباني التي دُمرت أو أصيبت بأضرار جراء الهجمات الإسرائيلية مرتفعٌ للغاية، مما يصعب في الوضع الحالي على الباحثين الميدانيين توثيق كافة أرقام وحالات الضحايا.
وفي 9 أكتوبر 2023، صرّح يوآف غالانت، وزير الحرب الإسرائيلي: "لقد أعطيت أمراً: غزة ستكون تحت حصار تام لا كهرباء، لا طعام، لا وقود، كل شيء مغلق. نحن نحارب الهمجيين [الإرهابيين] وسوف نرد وفقاً لذلك". ويبدو هذا البيان الذي يتضمن لغة الإبادة الجماعية، بمثابة اعتراف بنية ارتكاب جرائم حرب وغيرها من الجرائم الدولية الجسيمة ضد السكان المدنيين/ات في قطاع غزة.
يبلغ عدد سكان غزة المدنيين/ات أكثر من مليوني فلسطيني، نصفهم من الأطفال. إن فرض إغلاق كامل على القطاع يرقى إلى عقوبة جماعية على نطاق لم يسبق له مثيل، لا يمكن تبريرها قانونياً أو أخلاقياً. لقد قامت سلطات الاحتلال بإغلاق جميع المعابر بين غزة ودولة الاحتلال منذ يوم الجمعة 6 تشرين الأول/أكتوبر. ومنذ ذلك الحين، لم يدخل أو يغادر أي شخص أو سلعة غزة عبر الحدود مع دولة الاحتلال، بما في ذلك المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة غير متوفرة في غزة.
ومن الجدير ذكره أنه مع مرور ستة عشر عاماً من الإغلاق الإسرائيلي والهجمات العسكرية المتكررة، تدمر نظام الرعاية الاجتماعية في غزة وتراجعت القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، ولا سيما في الخدمات الصحية. نتيجة لذلك، أصبحت غزة تعتمد تدريجياً على المساعدات الإنسانية: ففي يناير 2023، أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن (%58) من سكان قطاع غزة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأن عدداً كبيراً من الأسر تتعرض لظروف قاسية أو كارثية. سبعة وتسعون بالمئة من المياه في غزة غير صالحة للاستهلاك البشري وفق معايير منظمة الصحة العالمية.
هذا ويكاد أن يكون النظام الصحي المعطل في غزة غير قادرٍ على التعامل مع تدفق الأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج نظراً إلى الارتفاع المتزايد لعدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين/ات في الثماني وأربعين ساعة الماضية. وفي ذلك أفاد محمود شلبي، بصفته مسؤول إدارة البرامج في مؤسسة المعونة الطبية للفلسطينيين في غزة: «كان هناك العديد من الجثث في المشرحة ولم يتمكن الطاقم الطبي من التعامل مع التدفق الهائل للضحايا الذين كانوا يصلونهم». وفي الوقت الراهن، فإن المستشفى الوحيد في منطقة بيت حانون خارج عن الخدمة بسبب القصف المتكرر في محيطه مما أعاق وصول سيارات الإسعاف من وإلى المستشفى.
وفق القانون الإنساني الدولي، الحرب الشاملة محظورة تماماً؛ إذ تنص المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 على الحظر المطلق للتجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وتحظر على المقاتلين «مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية». كما تشير القاعدة الدولية العرفية (53) من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني العرفي التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر إلى حظر التجويع كقاعدة عرفية من قواعد القانون الدولي. وهذا وقد يشكل الحرمان من المواد الأساسية اللازمة لبقاء السكان، بما في ذلك الغذاء والمياه النظيفة، جريمة حرب بموجب المادة 8 (2) (ب) '25' وجريمة ضد الإنسانية بموجب المواد 7 (1) (ب) و 7 (2) (ب) و 7 (1) (ك) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
لما سبق، فإن دعوة وزير الحرب الإسرائيلي إلى قطع الغذاء والماء والمواد الأساسية اللازمة لبقاء السكان في منطقة محاصرة قابعة تحت الاحتلال وفي سياق هجمات واسعة النطاق ومنهجية ضد السكان المدنيين/ات، قد يرقى إلى جريمة «الإبادة»، لاسيما عند فرض التجويع كجزء من «عملية قتل جماعي لأفراد مجموعة من السكان المدنيين» وفقاً لأركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية.
كذلك، وبالنظر إلى الدعوات الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي لتحويل غزة إلى «ركام»، فإن مثل هذا الهجوم الواسع النطاق والمنهجي ضد السكان المدنيين/ات قد يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية، ويذكرنا بسياسة «الأرض المحروقة» التي حاكمتها محاكمات نورمبرغ. علاوة على ذلك، فإن اللغة اللاإنسانية لوزير الحرب الإسرائيلي، وهو وزير حكومي في المستويات العليا، في وصفه للشعب الفلسطيني بأنهم «حيوانات بشرية»، هي شكل من أشكال الدعاية التحريضية للتشجيع على ارتكاب جرائم دولية.
يتطلب قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير التدخل الفوري والعاجل من قبل المجتمع الدولي باتخاذ الخطوات اللازمة لإجبار دولة الاحتلال على الوفاء بالتزاماتها القانونية الدولية، وضمان استمرار وحماية الالتزامات الحالية بتخصيص التمويل الإنساني من أجل بقاء السكان المدنيين/ات في غزة. كما ونؤكد على ضرورة تنبه مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لنية دولة الاحتلال في التحريض على ارتكاب أبشع الجرائم الدولية ضد المدنيين/ات.