الفترة التي يغطيها التقرير:
(12:00 ظهرًا، الثلاثاء، 9 أيار/مايو 2023 - 12:00 ظهرًا، الخميس، 11 أيار/مايو 2023)
التاريخ: 12 أيار/مايو 2023
استشهد 25 فلسطينيًا، بينهم ستة أطفال وأربع نساء، وأصيب 76 آخرون بجروح، منهم 24 طفلًا و13 امرأة، حتى الساعة 12:00 ظهرًا من يوم 11 أيار/مايو 2023، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، وذلك خلال العدوان الإسرائيلي العسكري المتواصل على قطاع غزة، الذي سمّته إسرائيل «عملية السهم والدرع» والذي شرعت في شنّه يوم 9 أيار/مايو 2023. إذ أشار المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن التدمير الكامل طال خمس بنايات كانت تضم 19 وحدة سكنية، وأن الدمار الجزئي لحق بما مجموعه 314 وحدة سكنية، حيث باتت 28 وحدة منها لا تصلح للسكن، فيما تضررت 286 وحدة سكنية أخرى بصورة جزئية.
تعرض قطاعا الزراعة وصيد الأسماك في قطاع غزة للشلل منذ أن شنت إسرائيل عدوانها الأخير عليه. إذ لم يكن بمقدور الصيادين دخول البحر بسبب هذا العدوان، ولحقت الأضرار الفادحة بالأراضي الزراعية التي تعرضت للقصف. وفضلاً عن ذلك، يحول الإغلاق المستمر الذي ما برحت إسرائيل تفرضه على حاجز كرم أبو سالم، الذي يقع في أقصى جنوب شرق قطاع غزة، دون نقل البضائع ودخول اللوازم الطبية والوقود الذي لا يُستغنى عنه لضمان استمرار عمل محطة توليد الكهرباء. وتحذر "الحق" من أن هذا الإغلاق قد تكون له عواقب وخيمة على النظام الصحي وعلى حياة الآلاف من المرضى.
لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تغلق حواجز قطاع غزة لليوم الثالث على التوالي. فحسبما جاء على لسان وزارة الصحة الفلسطينية، حال الإغلاق المتواصل المفروض على حاجز بيت حانون (إيرز)، الواقع في شمال قطاع غزة، دون سفر 432 مريضًا، معظمهم من مرضى الأورام، إلى جانب 27 مريضًا في حالة حرجة ولا يجدون العلاج في مستشفيات القطاع إلى مستشفيات الضفة الغربية بما فيها القدس، ومستشفيات إسرائيل لتلتقي العلاج فيها. وعلى مدى الشهور الثمانية عشر المنصرمة، منعت إسرائيل دخول أجهزة التشخيص الطبي وعطلت توريد الأدوية إلى قطاع غزة. من الجدير ذكره أن الاستمرار في منع دخول المواد الغذائية والأدوية والتجهيزات الطبية إلى مستشفيات قطاع غزة- مما يتسبب بمعاناة شديدة يكابدها مليونا فلسطيني/ة يرزحون تحت الإغلاق الذي تفرضه إسرائيل عليهم منذ 16 سنة- يرقى إلى إجراءات قوامها العقاب الجماعي والأبارتهيد، بصورة مخالفة للقانون الدولي.
1- محافظة شمال غزة
عند نحو الساعة 9:40 من مساء يوم الأربعاء، 10 أيار/مايو 2023، استهدفت طائرة حربية إسرائيلية بصاروخين منزل محمد سعدي سالم المصري، 67 عامًا، في شارع الشيماء ببلدة بيت لاهيا في محافظة شمال غزة. يتكون المنزل المستهدف من طابقين ومقام على مساحة 218 متراً مربعاً ويحتوي على أربع وحدات سكنية تقطنها أربع أسر، قوامها 16 فرداً، منهم أربع نساء وثمانية أطفال. وقد دُمّر المنزل المستهدف بكامله وسُوّي بالأرض، كما تضررت المنازل التي تقع بجواره وتضرر مقر جمعية تطوير بيت لاهيا؛ دون وقوع أية إصابات.
وصرّح مالك المنزل لمؤسسة الحق بأن اثنين من جيرانه كانا قد تلقيا اتصالات من جهاز المخابرات الإسرائيلية عند نحو الساعة 9:00 من مساء اليوم نفسه، وذلك من رقم مجهول. وقد طلب منهما المتصل إخلاء منزل محمد سعدي المصري والمنازل التي تجاوره تمهيداً لقصفه. وفي الساعة 9:30 مساءً، استهدفت طائرة استطلاع المنزل بصاروخ استطلاعي، يُعرف باسم «صاروخ تحذيري». ثم استهدفت طائرة حربية المنزل بصاروخ واحد، أتى عليه من قواعده وسوّاه بالأرض.
2- محافظة خانيونس
في نحو الساعة 5:15 من مساء يوم الثلاثاء، 9 أيار/مايو 2023، استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية سيارة مدنية شرق بلدة القرارة، على بعد مئات الأمتار من السياج الحدودي، شمال شرق مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة. ووفقًا للمعلومات الأولية التي جمعها الباحث الميداني للحق، فقد أسفر هذا الاستهداف عن تدمير السيارة تدميراً كاملاً واحتراقها، واستشهاد اثنين كانا فيها، وهما وائل محمد صبري الأغا، 34 عاماً، وسائد جواد عبد فراونة، 28 عاماً، وإصابة اثنين آخرين في المكان. إذ نُقلوا جميعاً إلى مستشفى ناصر الحكومي في خانيونس، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة عن ارتقاء الشهيدين. وكانت جثتا الشهيدين متفحمتين وبقيت هويتا صاحبيهما مجهولتين لمدة ثلاث ساعات تقريباً، قبل أن يتم تأكيد هويتهما من قبل ذويهما. وفي أعقاب هذا الهجوم، ادعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أنها استهدفت خلية فلسطينية من مطلقي مضادات الدروع تابعة لسرايا القدس. ومع ذلك، فمن غير الواضح بعد ما إذا كان الشهيدان الفلسطينيان المستهدفان مشاركين مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية في الوقت الذي شُنّ فيه الهجوم عليهما.
في نحو الساعة 11:30 من صباح يوم الأربعاء، 10 أيار/مايو 2023، استهدفت طائرة مسيرة إسرائيلية فلسطينييْن اثنين أثناء تواجدهما في الحقول الزراعية في بلدة عبسان الكبيرة شرق خانيونس، جنوب قطاع غزة. ونُقلا إلى مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس، حيث وصفت إصاباتهما بالحرجة، وفشلت المحاولات التي بذلها الأطباء في سبيل إنعاشهما. وفي نحو الساعة 1:00 ظهراً، أعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد محمد يوسف صالح أبو طعيمة، 23 عامًا (قبل يوم واحد من عيد ميلاده الرابع والعشرين). وفي نحو الساعة 4:00 بعد ظهر اليوم نفسه، أعلنت استشهاد علاء ماهر ياسين أبو طعيمة، 28 عامًا. وكان الاثنان من سكان بلدة عبسان الكبيرة، شرق خانيونس. وبينما تبنت كتائب أبو علي مصطفى، الجناح المسلح للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كلاً من محمد وعلاء، فإنه من غير الواضح بعد ما إذا كانا مشاركين مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية حينما شُن الهجوم عليهما.
في نحو الساعة 8:50 من مساء يوم الأربعاء، 10 أيار/مايو 2023، أطلقت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية صاروخاً على بناية سكنية تتألف من ثلاثة طوابق وتعود ملكيتها لزياد موسى أحمد الأغا، 54 عاماً، ومقامة على مساحة 160 متراً مربعاً على أرض مساحتها ثلاثة دونمات. وتقطن في هذا المنزل أربع أسر قوامها 19 فرداً، من بينهم أربع نساء وعشرة أطفال. وتقع البناية شرق بلدة القرارة شمال شرق خانيونس على مسافة تبعد كيلومتر واحد تقريبًا عن السياج الحدودي. وبعد نحو عشر دقائق، قصفت طائرات «F16» الإسرائيلية المنزل بصاروخين، مما أدى إلى تدميره بكامله دون وقوع أي ضحايا. وقد اتصلت قوات الاحتلال الإسرائيلية بأحد الجيران وطالبته بتأكيد إخلاء المنزل والمنازل التي تجاوره. وكانت الأسرة قد أخلت منزلها منذ بدء العدوان التي شهدها قطاع غزة في فجر يوم الثلاثاء، 9 أيار/مايو 2023، بسبب موقعه القريب من المنطقة الحدودية. ومن الجدير بالملاحظة أن المنزل قُصف من قبلُ خلال العدوان الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة في عام 2014، حيث أسفر القصف في حينه عن وقوع أضرار بالغة به.
في نحو الساعة 1:19 من فجر يوم الخميس، 11 أيار/مايو 2023، أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية ثلاثة صواريخ على حين غرّة ودون سابق إنذار، مما أسفر عن استشهاد علي حسن محمد غالي، 50 عاماً، أحد قادة سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. وقد استهدفت هذه الصواريخ الشقة رقم (1H) في الطابق الخامس من بناية سكنية تتألف من خمسة طوابق وتضم 20 شقة. وتقع هذه البناية في منطقة مكتظة بالسكان المدنيين في مدينة حمد السكنية في خانيونس. ودُمرت الشقة تدميراً كاملاً ولحقت أضرار فادحة بالشقق والبنايات المجاورة لها. وانتُشلت جثث ثلاث شهداء من المكان، وهي جثث علي حسن محمد غالي، 50 عاماً، وشقيقه محمود حسن محمد غالي، 34 عاماً، وابن شقيقته محمود وليد محمد عبد الجواد، 26 عاماً. وأصيب سبعة فلسطينيين آخرين بجروح طفيفة إلى متوسطة بسبب هذا الهجوم، من بينهم طفل وثلاث نساء إحداهن حامل. وبالنظر إلى شظايا القذائف الصاروخية التي عُثر عليها في المكان، يُرجّح أن الطائرات الحربية قصفت الشقة بثلاث قنابل صاروخية من نوع (GBU-39).
في نحو الساعة 1:50 من فجر يوم الخميس، 11 أيار/مايو 2023، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلاً قديماً وغير مأهول بالسكان (مهجورًا) في بلدة بني سهيلا شرق خانيونس ودمرته تدميراً كاملاً، دون وقوع إصابات
3- محافظة رفح
في نحو الساعة 3:00 من مساء يوم الأربعاء، 10 أيار/مايو 2023، استهدفت طائرة مسيرة إسرائيلية فلسطينييْن اثنين كانا في أرض زراعية مفتوحة في بلدة الشوكة شرق رفح جنوب قطاع غزة. ونُقل الشهيدان، أيمن كرم حسين صيدم، 26 عاماً، وعلم الدين سمير توفيق عبد العزيز، 23 عاماً، وكلاهما من رفح، إلى مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار في المدينة. وبينما تبنت كتائب أبو علي مصطفى، الجناح المسلح للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كلاً من أيمن وعلم الدين، فإنه من غير الواضح بعد ما إذا كانا مشاركين مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية عندما استهدفا في الهجوم الذي شُنّ عليهما. .
التحليل القانوني
1- المشاركة المباشرة في العمليات العدائية
تعزو إسرائيل إقدامها على استهداف أفراد المقاومة الفلسطينية على نحو لا يميز بينهم، حتى في الحالات التي لا يشارك فيها هؤلاء الأفراد في الأعمال العسكرية، إلى مبدأ «الاضطلاع بمهام قتالية مستمرة»، وهو مفهوم تستنبطه من الدليل التفسيري الذي أعدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن مفهوم المشاركة المباشرة في العمليات العدائية. ويوسّع هذا المبدأ، الذي لا يُعَدّ ملزِمًا من الناحية القانونية، مفهوم من هو المقاتل، خارج نطاق أطراف النزاع، وأولئك الذين يشاركون مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، بحيث يشمل الأفراد الذين ينتمون لعضوية الجماعات المسلحة "الذين جندتهم هذه الجماعات ودربتهم وجهزتهم للاشتراك باستمرار وبصورة مباشرة في علميات عدائية باسمها". ويُنظر إلى هؤلاء الأفراد على أنهم "يتولون مهام قتالية مستمرة حتى قبل أن ينفذوا عملية من العمليات العدائية". وبالمثل، قررت محكمة العدل الإسرائيلية العليا أن أفراد الجماعات المسلحة الذين ينفذون "سلسلة من العمليات العدائية، على مدى فترات قصيرة تفصل بينها"، يفقدون حصانتهم ضد الهجمات التي تستهدفهم عندما ينفذون عمليات عدائية وخلال الفترات الفاصلة بينها.1 وعلاوةً على ذلك، يثير مبدأ «الاضطلاع بمهام قتالية مستمرة» مسائل أساسية تتعلق بتصنيف النزاع، وذلك بالنظر إلى أنّ هذا المبدأ لا يسري إلا على النزاعات المسلحة غير الدولية. ومما تجدر الإشارة إليه، في هذا المقام، أن الأرض الفلسطينية التي ترزح تحت نير الاحتلال الحربي تُعدّ إقليماً يسوده نزاع مسلح دولي.2
وقد حذر التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الاحتجاجات التي شهدتها الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 2018 من تطبيق مبدأ «الاضطلاع بمهام قتالية مستمرة»، حيث صرحت بقولها إن "الاضطلاع بمهام قتالية مستمرة غير وارد في معاهدات القانون الدولي الإنساني، ولا يزال هذا المفهوم غير مستقر عند تقييمه بوصفه عرفاً. وفي هذه الأحوال، تتبنى اللجنة وجهة النظر التي تقول إنه يتعين عليها أن تختار التفسير الذي تسلّم به أغلبية معتبرة من المجتمع الدولي، ولا سيما فيما يخص القانون الإنساني. فالنُّهُج القانونية التي تقبلها مجموعة ضئيلة من البلدان لا تعد خاطئة بالضرورة، ولكن الأفضل ألا تطبقها اللجنة إلا حينما تحظى بقدر أكبر من القبول لدى المجتمع الدولي".3 وبالنظر إلى غياب أي أساس يستند إليه مبدأ الاضطلاع بمهام قتالية مستمرة في إي معاهدة من المعاهدات أو في القانون العرفي، فإن الاستهداف المشروع الوحيد ينحصر في استهداف أولئك الذين يشاركون مشاركة مباشرة في العمليات العدائية في وقت استهدافهم. ولا يفقد المدنيون الحماية من الهجوم إلا "في أثناء كل عمل محدد يرقى إلى مستوى المشاركة المباشرة في العمليات العدائية. وهذا يشمل أي تحضيرات وعمليات تنطوي على الانتشار في مناطق جغرافية أو الانسحاب منها على نحو تشكل معه جزءاً لا يتجزأ من عمل بعينه من الأعمال العدائية". وبناءً على التقارير الميدانية الأولية، ليس ثمة دليل على أن أولئك الذين استُهدفوا كانوا ينفذون أعمالًا ترقى إلى مستوى المشاركة المباشرة في العمليات العدائية في الوقت الذي شُنت فيه الهجمات عليهم.
2- الطرق على الأسطح كـ«تدبير احتياطي»
في أثناء سير العمليات الحربية، تشترط المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأول على الأطراف أن "تتخذ جميع الاحتياطات المستطاعة عند تخيُّر وسائل وأساليب الهجوم من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الأضرار بالأعيان المدنية، وذلك بصفة عرضية، وعلى أي الأحوال حصر ذلك في أضيق نطاق". وفضلًا عن ذلك، تحذر هذه المادة على وجه الخصوص أنه "لا يجوز تفسير أي من أحكام هذه المادة على أنه يجيز شن أي هجوم ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية". وقد يرقى استخدام قنبلة لغايات «الطرق» على السطح أو صاروخ استطلاعي باعتباره شكلاً من أشكال التواصل، من قبيل الطرق على الباب، إلى مستوى "أعمال العنف أو التهديد بها الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين" وهو يعد بالتالي محظوراً بموجب أحكام المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأول.
ومما له أهميته في هذا المقام أن الصواريخ الاستطلاعية التي تُستخدم لإرسال التحذيرات عن طريق «الطرق على الأسطح» لا تخلو من مخاطر، بل إنها تملك في حالات ليست بالقليلة القدرة على اختراق عدة أسطح في البنايات العالية. وثمة عدد لا يحصى من الحالات الموثقة التي اُستشهد فيها أشخاص في الهجمات بالصواريخ التي أُطلقت لغايات إرسال تحذيرات من خلال «الطرق على الأسطح». ومن الجدير بالذكر أن السكان يخلون المنزل المستهدف والمنازل التي تجاوره لكي تقصفها الطائرات المقاتلة وتدمرها عن بكرة أبيها بسبب هذا النوع من أنواع القصف. ويحدث هذا الأمر، في بعض الحالات، بعد ساعات من إطلاق التحذيرات، ولا يملك سكان المنزل المعني وحتى المنازل التي تقع بجواره القدرة على العودة إلى بيوتهم خوفاً من قصفه مرة أخرى، إلى أن يجري التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وفي هذه الحالة، دُمرت البنايات السكنية التي تضم الوحدات السكنية الأربعة تدميراً كاملاً. ومما يكتسي أهمية حاسمة في هذا السياق أن مبدأ التمييز في النزاع المسلح مبدأ أساسي وملزم وينبغي لإسرائيل أن تميز بين الأعيان المدنية التي لا تشكل أهدافاً عسكرية مشروعة في استهدافها.
3- الإصابات المفرطة أو الآلام التي لا مبرر لها
بناءً على التقارير الميدانية الأولية، قد يشير هجوم الطائرة المسيرة الذي أفضى إلى تدمير السيارة تدميراً كاملًا واحتراق جثتي اثنين من ركابها إلى درجة ما عاد يمكن التعرف عليهما معها إلى استخدام أسلحة وقذائف ومواد وأساليب حربية ذات طبيعة تسبب إصابات مفرطة وآلاماً لا مبرر لها، وهي أفعال يرد حظر محدد عليها بموجب المادة 34 من البروتوكول الإضافي الأول.
وعلاوةً على ما تقدم، ينبغي ألا تكون الأضرار الجانبية التي تصيب الأعيان المدنية بفعل العمليات العسكرية مفرطة بالنسبة للميزة العسكرية المباشرة المتوقعة من هذه العمليات. ومما يلاحظ في هذا السياق أن الهجمات كانت موجهة نحو المناطق السكنية التي تكتظ بالسكان وتتكدس المباني فيها، مما أسفر عن تدمير 19 وحدة سكنية تدميراً كاملاً وإلحاق الأضرار الجزئية بما مجموعه 314 وحدة أخرى، وقد يدل ذلك على رد غير متناسب أفضى إلى تدمير الأعيان المدنية. وعلى وجه أكبر من التحديد، فقد ارتقى قصف البناية السكنية التي يملكها زياد موسى أحمد الأغا، 54 عاماً، وتؤوي أربع أسر، وتدميرها بالكامل، إلى مستوى هجوم مباشر على عين مدنية، وقد يرقى هذا الفعل إلى مرتبة الإخلال بمبدأ التمييز.
4- العقوبات الجماعية التي تطال الفلسطينيين/ات في قطاع غزة
تشترط المادة 43 من لائحة لاهاي، التي تجسّد القانون الدولي العرفي، على القوة القائمة بالاحتلال أن تسعى قدر الإمكان إلى تحقيق الأمن والنظام العام وضمانهما في الإقليم الذي تحتله. وهذا يفرض على القوة القائمة بالاحتلال التي تمارس السيطرة الفعلية عبء ضمان رفاه السكان الذين يرزحون تحت احتلالها، بطرق عدة منها التأكد من أن الفلسطينيين/ات يتمتعون بإمدادات الوقود وبخدمة التزود بالكهرباء. كما يقع على عاتق إسرائيل، بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، التزامات محددة تملي عليها أن "تؤمّن، بغاية ما تملك من إمكانيات وبدون أي تمييز مجحف"، توفير "المدد الجوهري لبقاء سكان الأقاليم المحتلة المدنيين على الحياة".4 وهذا يشمل في جملته ضمان دخول اللوازم الطبية الأساسية إلى قطاع غزة.
وتنص المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة على أن من واجب السلطة القائمة بالاحتلال أن "تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية". وفي الحالات التي لا تبلغ فيها هذه الموارد مبلغ الكفاية، مثلما ثبت بوضوح من الآثار التي يخلّفها الإغلاق المفروض على غزة منذ 16 عاماً، يتعين على دولة الاحتلال "أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية". وثمة المزيد من الالتزامات المحددة التي تفرض ضمان مرور الإمدادات الإنسانية في المناطق التي تخضع للحصار. فعلى سبيل المثال، تضع المادة 17 من اتفاقية جنيف الرابعة شرطاً محدداً يملي على أطراف النزاع أن يقروا ترتيبات لتيسير مرور أفراد الخدمات الطبية والمهمات الطبية إلى المناطق المحاصرة أو المطوقة.
ويشكل حرمان المدنيين من التنقل لغايات تمكينهم من الحصول على العلاجات الطبية التي تنقذ حياتهم أو تطيل أمدها خارج قطاع غزة انتهاكاً لحرمة الحقوق الواجبة للسكان المدنيين الذين يقبعون تحت نير الاحتلال، والتي تنص عليها المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة. ويرد حظر مطلق على جميع أشكال العقوبات الجماعية بموجب المادة 50 من لائحة لاهاي لسنة 1907 والمادة 33(1) من اتفاقية جنيف الرابعة، كما تشكل هذه العقوبات مخالفة تمس القانون الدولي الإنساني العرفي. وتحظر اتفاقية جنيف الرابعة "أية عقوبات من أي نوع تلحق بأشخاص أو جماعات بأكملها من الأشخاص، في مخالفة للمبادئ الأساسية للإنسانية، جراء أعمال لم يقترفها هؤلاء الأشخاص". وهذا يشمل "الإغلاق الاقتصادي في وجه السكان المدنيين وقطع إمدادات الكهرباء والماء ومنع الإمدادات الطبية".5
الخلاصة
بسبب تخلف المجتمع الدولي وتقصيره في لجم حالات العدوان التي ما فتئت إسرائيل تشنها على قطاع غزة وبحكم ما دأبت عليه الولايات المتحدة من إساءة استخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنه من واجب الدول الأطراف الثالثة أن تتخذ التدابير التي تضمن احترام اتفاقيات جنيف وإلغاء الحوافز الاقتصادية التي تقف وراء الاحتلال الذي طال أمده وتنتفي الصفة القانونية عنه. إذ تدعو مؤسسة الحق الدول الأطراف الثالثة إلى تبني تشريعات تحظر استيراد البضائع والخدمات التي تنتجها المستوطنات إلى الأقاليم التي تخضع لولايتها، وتدعو المؤسسات المالية إلى سحب استثماراتها من مشاريع الأعمال المقامة في هذه المستوطنات، بما يشمل البنوك الإسرائيلية، كما تدعو البلديات والمجالس الإقليمية إلى وضع حد لجميع عمليات الشراء من المشاريع العاملة فيها. ويتعين على المجتمع الدولي أن يعالج الأسباب الجذرية التي تقف وراء تكرار العدوان العسكري الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة، بوصفه عملاً من أعمال العنف التي توظفها في سبيل الإبقاء على نظامها القائم على الاستعمار الاستيطاني والأبارتهيد وإدامته وترسيخ دعائمه. وتدعو مؤسسة الحق الدول الأطراف الثالثة إلى الاعتراف بأن السياسات والممارسة التي تمارسها إسرائيل في عزل غزة كما لو كانت بانتوستاناً معزولاً لا صلة تجمعه بالعالم تشكل أفعالاً لاإنسانية يقدِم عليها نظام يتأسس على الأبارتهيد ويمارس الفصل والتمييز العنصريين. وزيادةً على ذلك، تدعو مؤسسة الحق الدول الأطراف الثالثة إلى تنفيذ تدابير لها جدواها وتتسم بفعاليتها ونجاعتها للتصدي لإفلات إسرائيل من العقاب، بما يشمل فرض العقوبات الاقتصادية عليها وحظر توريد الأسلحة إليها وقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
كما تدعو مؤسسة الحق المحكمة الجنائية الدولية أن تزيد الموازنة التي ترصدها للحالة في دولة فلسطين وإلى المدعي العام للمحكمة لكي ينسق الدخول إلى قطاع غزة من أجل التحقيق في الانتهاكات التي تمس القانون الدولي الإنساني، وترقى إلى مستوى المخالفات الجسيمة التي تقع على اتفاقيات جنيف وتشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضمن نطاق الولاية القضائية التي تملكها المحكمة، بما فيها الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الأبارتهيد والقمع.
محكمة العدل الإسرائيلية، اللجنة العامة لمناهضة التعذيب ضد حكومة إسرائيل، محكمة العدل العليا، القضية 769/02، الحكم، 13 كانون الأول/ديسمبر 2006، الفقرة 39.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الدليل التفسيري بشأن مفهوم المشاركة المباشرة في العمليات العدائية بموجب القانون الدولي الإنساني، ص. 24، الحاشية 6.
تقرير النتائج التفصيلية للجنة التحقيق الدولية المستقلة حول الاحتجاجات في الأرض الفلسطينية المحتلة، الفقرة 105.
المادة 69(1)، البروتوكول الإضافي الأول (1977).
تقرير مقرر الأمم المتحدة الخاص السابق المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، الفقرة 26.