مرّت ستة أشهر منذ أن أعلن النظام الإسرائيلي القائم على الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري تصنيف ست مؤسسات مجتمع مدني وحقوق إنسان فلسطينية رائدة على أنها "مؤسسات إرهابية" وغير شرعية، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي الداخلي لعام 2016. كما تمّ تمديد تطبيق هذا القرار إلى الأرض الفلسطينية المحتلة بإصدار أمر عسكري في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أعلن فيه أن هذه المؤسسات "غير شرعية".
اتخذت المؤسسات الستّ، ومنذ صدور هذا القرار، ممثلة بمركز عدالة القانوني ومكتبي المحاميين مايكل سفارد وجواد بولس، خطواتٍ رسمية للاعتراض على الأسس التي يقوم عليها هذا الأمر العسكري. وفي السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أرسل الفريق القانوني للمؤسسات رسالة إلى السلطات الإسرائيلية مطالبا بالكشف عن كامل "الأدلة" التي شكّلت أساساً لهذا التصنيف، وفي الثاني من كانون الثاني/ يناير 2021 جاء ردّ المدعي العسكري الإسرائيلي عليها قائلاً: "إن جوهر هذه التصنيفات مبني على معلومات سرية لا يمكن الكشف عنها". وعليه؛ أرسلت المؤسسات اعتراضاً إجرائياً على الأمر العسكري؛ وضحت فيه عدم قانونية هذا القرار وغياب الإجراءات القانونية الواجبة وعدم وجود أي أسس ثبوتية له.
يمكن أن يتجلّى قرار التجريم ونزع الشرعية عن المؤسسات الست من قبل النظام الإسرائيلي القائم على الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري على صورة اقتحام مكاتبنا في أي وقت ومصادرة الممتلكات واعتقال موظفينا وموظفاتنا تعسفياً ومنع مصادر تمويلنا أو أي دعم علني لأي من أنشطتنا. وكما هو وارد في قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي لعام 2016 والذي تم تطبيقه بصورة غير قانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة، فإن المدراء والمديرات وكبار الموظفين/ات في هذه المؤسسات قد يواجهون حكماً بالسجن لمدة تصل إلى 25 سنة وغيرها من الإجراءات التعسفية بحق موظفيها وموظفاتها وكل داعميهم/ن.
إننا وإذ نعي حملات التشهير الممتدة لعقود طويلة والتي يقودها النظام الإسرائيلي القائم على الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والهيئات التابعة لحكومة الاباتهايد الاسرائيلية والجماعات التابعة لها، فإن هذه الحملات تعتبر جزءاً من السياسة الإسرائيلية الممنهجة الرامية إلى إسكات الأصوات المعارضة لنظامها القائم على الفصل العنصري (الاباتهايد) الذي تمارسه على الشعب الفلسطيني ككل. كما يصل هذا التصنيف بحد ذاته إلى شكل من أشكال القمع والفصل العنصري بموجب المادة (2/و) من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها.
وعلى الرغم من كون هذا التصنيف مؤقتاً وتعسفياً؛ إلا أن المؤسسات الست استشعرت بالفعل التداعيات الخطيرة لهذا التصنيف الإسرائيلي، بما فيها:
- قرار الحكومة الهولندية في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2022 وقف تمويلها لاتحاد لجان العمل الزراعي.
- قرار المفوضية الأوروبية تجميد تمويلها التعسفي لأحد مشاريع مؤسسة الحق التي يموّلها الاتحاد الأوروبي.
- إصدار الحاكم العسكري الإسرائيلي في محكمة عوفر العسكرية في الضفة الغربية المحتلة في الثالث عشر من شباط/ فبراير 2022 حكماً بالسجن لمدة 16 شهراً لرئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، السيدة ختام سعافين، كونها مديرة لإحدى المؤسسات المصنّفة، وذلك بعد قضائها 15 شهراً من الاعتقال التعسفي في سجون الاحتلال.
- استمرار المضايقات والقمع الإسرائيلي بحقّ المدافع عن حقوق الإنسان والمحامي في مؤسسة الضمير، صلاح حموري، لا سيما اعتقاله التعسفي في السابع من آذار/ مارس 2022 والحكم عليه إدارياً لمدة ثلاثة أشهر حتى السادس من حزيران/ يونيو 2022، واحتمالية تجديد أمر الاعتقال هذا لأجل غير مسمى.
يمكن للمؤسسات أيضاً أن تلمس الآثار السلبية المترتبة على هذا التصنيف لا سيما أثره في عرقلة عملنا في المناصرة والرامي إلى إنهاء النظام الإسرائيلي القائم على الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني، وتأثيره على الخدمات المهمة التي تقدمها المؤسسات للفئات الأكثر تهميشاً وعرضة للخطر في المجتمع كالنساء والأطفال والعمال الزراعيين والمعتقلين/ات السياسيين/ات.
إنه لمن غير المقبول أن تفشل الدول والأطراف الفاعلة في اتخاذ خطوات فعلية بدلاً من الاكتفاء بالإدانات الشفوية للتجريم الإسرائيلي للمجتمع المدني الفلسطيني، بل إنها وبكل أسف تتخذ قرارات تزيد من تدمير واضطهاد المؤسسات الستّ، دون اتخاذ أي خطوات فعلية لإنهاء النظام الإسرائيلي القائم على الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري ومحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الفلسطينيين/ات.
وبعد مرور ستة أشهر على التصنيف المجحف، فإنه لمن الضروري أن تتخذ الدول والحلفاء موقفاً جدياً وواضحاً في هذا الصدد، وعليه، نحثّكم/ن الآن على اتخاذ خطوات وإجراءات جدية لإلغاء قرار التصنيف التعسفي بحق مؤسساتنا.
بناء على ما تقدم، ندعو المجتمع الدولي؛ لا سيما الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمنظمات الحكومية الدولية إلى:
- اتخاذ خطوات فعلية فورية للوقوف في وجه المضايقات والتجريم المستمرين بحق المدافعين/ات الفلسطينيين/ات عن حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية، من خلال مطالبة ما يسمى بوزير "الدفاع" الإسرائيلي بإلغاء قرار التصنيف بصورة كاملة؛
- الرفض العلني والقاطع لهذا التصنيف والتعهد بتقديم الدعم المستمر للمؤسسات الفلسطينية الستّ، بما يشمل تقديم الدعم المالي اللازم لهذه المؤسسات حال الحاجة لذلك؛
- إنهاء التواطؤ والصمت فيما يتعلق بالنظام الإسرائيلي القائم على الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني.
كما ندعو الأفراد الواعيين/ات من مختلف أنحاء العالم إلى توجيه الانتباه نحو هذا التصنيف الخطير بحق المجتمع المجتمع المدني الفلسطيني وحقوق الإنسان، وإلى التواصل المباشر والعاجل مع مسؤوليهم/اتهم المنتخبين/ات، بالإضافة إلى التأكيد على محاسبة السلطات الإسرائيلية على جرائمها وحماية حقوق الإنسان في فلسطين.