21 كانون ثاني 2022
في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2021، أرسل أعضاء في مجموعة الاشتراكيين الديموقراطيين (S&D) في البرلمان الأوروبي أسئلةً برلمانيةً تتعلق بقرار تجميد التمويل الذي فرضته المفوضية الأوروبية على مؤسسة الحق، وقد استغلت منظمة "إن جي أو مونيتور"- وهي منظمة تابعة للحكومة الإسرائيلية تعمل على التشهير بالمؤسسات الفلسطينية لعرقلة عملها – الأسئلة المرسلة لإطلاق حملة واسعة لتجفيف التمويل الأوروبي لمؤسسة الحق وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني.
يأتي هذا الهجوم على المؤسسة في إطار حملة مستمرة تقوم عليها منظمة "إن جي أو مونيتور" لدوافع سياسية تنستند إلى معلومات مضلّلة وكاذبة،حيث تزعم الجماعات المؤيدة لهذه المنظمة أنّ المفوضية قد "أوقفت" تمويلها لمؤسسة الحق، إلّا أن هذا غير صحيح. وما حدث في الحقيقة هو إعلان عن تعليق تمويل مرتبط بمشروع فقط ريثما تستكمل المفوضية إجراءات خاصة بها مرتبطة بالمشروع.
تعرب الحق عن أسفها الشديد لاستمرار المفوضية في قرار التعليق ذلك أن القرار في غير مكانه وقدم مادة لمنظمة " أن جي أو مونيتور" لاستغلالها للمضي في حملتها ضد المؤسسة، وفي هجومها الأخير أيضًا . لذا، فإن "الحق" ترغب في توضيح موقفها ما يلي:
إن قرار التجميد هذا ليس قراراً جديداً، فقد فرضته المفوضية في مايو/أيار 2021، عندما علقت تمويل أحد مشاريع الحقّ التي يموّلها الاتحاد الأوروبي، وذلك بناءً على "تقرير أعدّته الحكومة الإسرائيلية تزعم فيه قيام مؤسسات مجتمع مدني فلسطيني بإساءة استخدام التمويل الأوروبي من أجل تمويل أنشطة إرهابية".
إن التقرير المذكور أعلاه ما هو إلا نسخة طبق الأصل عن "تقرير الحكومة الإسرائيلية السرّي" الذي كشفت عنه "مجلة 972+" وغيرها من وسائل الإعلام ، وهو لا يحوي أي دليل يعتد به لإدانة مؤسسة الحق وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني التي صنفتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا على أنها "مؤسسات إرهابية" (انظر/ي المقال الذي نشرته مجلة +972(.
وكانت الحق قد اطلعت على التقرير ودرسته، وخلصت إلى أنّ المعلومات الواردة فيه وتتعلق بمؤسسة الحق فيه هي معلومات سخيفة وغير صحيحة، ذلك أنها تستند لشهادة واحدة لا يعتد بها أدلى بها شخص لم يسبق له وأن تعامل مع المؤسسة، ادّعى فيها أنّ "أي شخص لا ينتمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لا يمكنه أن يعمل في مؤسسة الحق"، وهذا ادعاء سخيف لا يستحق التعليق عليه من طرفنا.
عندما أعلنت المفوضية عن تجميد التمويل كانت قد أعلمت " الحق" أنها ستتحقق مما إذا كان تنفيذ المشروع ذي العلاقة يشكّل "أي إخلال بالالتزامات أو يشكّل مخالفة بأي شكل من الأشكال"، وعليه قامت المفوضية بمراجعة المشروع، وتعاونت " الحق" معها. وفرغت المفوضية من مراجعتها في يوليو/تموز 2021، أي قبل عدة أشهر من التصنيف الإسرائيلي لمؤسسة "الحق" الذي أتى لدوافع سياسية, وخلصت المفوضية بنتيجة مراجعهتا إلى أن المشروع كان ينفذ بشكل مناسب و "لا يوجد أي إخلال بالالتزامات أو أي مخالفات"، ولكن المفوضية لم تعلن عن إلغاء قرار التجميد، ما يثير تساؤلات لدى "الحق" حول دوافع عدم الإعلان عن استنتاجاتها في حينه.
من الجدير ذكره أنّ المفوضية لم توضح الأسباب الحقيقية والقانونية لقرار التجميد ، على الرغم من أننا كنا قد طالبنا بتزويدنا بتوضيحات حول الأمر في مايو/أيار 2021، دون أن نتلقى أي توضيح ، حيث تجاهلت المفوضية بكل بساطة أسئلتنا ومطالباتنا المشروعة في هذا الصدد، ما يحرم المؤسسة من معلومات يمكن أن تستند لها بشكل كبير في الدفاع عن نفسها في وجه الادّعاءات الإسرائيلية المشوّهة، وما يرتبط بهذه الادّعاءات من تدابير يمكن أن يتخذها الاتحاد الأوروبي.
ولم ترسل المفوضية أي رد إلا في نهاية عام 2021، بعد أن استعانت "الحق" بخدمات محامٍ، وقد جاء هذا الردّ في أعقاب التصنيفات الإسرائيلية بحق المؤسسات الفلسطينية، لتعود وتؤكّد على أنها لن تلغي قرار تجميد التمويل ريثما "تجري تحقيقات إضافية" للمعلومات التي حصلت عليها من السلطات الإسرائيلية، مُضيفةً أنها "غالباً لن تتخذ قراراً بخصوص التجميد قبل انتهاء الربع الأول من عام 2022"، أي قبل شهر مارس/آذار 2022.
تعرب "الحق" عن استغرابها من سلوك المفوضية ، وخصوصًا أن المفوضية تبنت موقف دول الاتحاد الأوروبي، بهذا الخصوص وأقرّت مرارًا بأنّ إسرائيل لم تقدم حتى الآن أدلّة يعتد بها وموثوقة تدين مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ومنها الحقّ، كما أنها على معرفة ووعي تامين بالتهديدات الجديّة والخطيرة التي تواجهها هذه المؤسسات، على المستويين المؤسساتي والفردي. وعليه، فإننا نستنكر قيام المفوضية بإضعاف موقفنا من خلال استجابتها للتصنيف الإسرائيلي المجحف وتأجيل اتخاذ قرارها لأشهر عدة.
ومما يزيد من استغراب "الحق" وقلقها أن المفوضية تدرك تمامًا الدوافع الحقيقة للحملة الإسرائيلية على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، والمتمثلة في عرقلة عمل هذه المؤسسات، وإسكات صوتها، وخصوصا تلك التي تقوم برصد وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية، التي تصل إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما فيها جريمة الفصل العنصري، وتستخدم توثيقها في جهود المساءلة لمرتكبي هذه الجرائم، حيث تتبع دولة الاحتلال عدة أساليب لتحقيق هذه الغاية ومن بينها التحريض لتجفيف مصادر التمويل.
تجدر الإشارة إلى أنّ المفوضيات السابقة كانت قد إدانت مرارًا مثل هذه الحملات باعتبارها "واهية وغير مقبولة". ففي رسالة رسمية أُرسلت في شهر يوليو/تموز 2017، هاجمت وأدانت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي آنذاك، فديريكا موغيريني، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي الأسبق بسبب "مساهمته في نشر حملات مضللة"، وقد جاءت إدانتها هذه رداً على ادّعاءات غامضة ولا أساس لها من الصحة وذات دوافع سياسية؛ شأنها في ذلك شأن الادّعاءات المبطنة للجهود الإسرائيلية الحالية التي تهدف إلى تجريم المجتمع المدني الفلسطيني وتدميره.
وفي الوقت الذي تعرب فيه الحق عن قلقها واستغرابها من سلوك المفوضية فإنها تعلم هناك الكثير من الأصدقاء والداعمين لها في الاتحاد الأوروبي، سواء في المفوضية أو الدول الأعضاء، وأن هناك عدد غير قليل من المسؤولين داخل المفوضية الحالية الذين يتساوقون ويتعاطون مع أجندة الاحتلال الإسرائيلي على حساب المصالح المشروعة للمجتمع المدني الفلسطيني والحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ككل.
تأمل مؤسسة الحق من الاتحاد الأوروبي أن يعيد علاقاته مع المجتمع المدني الفلسطيني إلى سابق عهدها، حيث كانت العلاقة تقوم على الثقة والقيم الحقوقية المشتركة على مدار سنوات طويلة، ذلك أن العلاقة لا تصب في مصلحة المجتمع المدني الفلسطيني فحسب بل أيضاً في مصلحة الاتحاد الأوروبي نفسه، باعتباره القوة الدولية الرائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون. وما عدا ذلك فإن قرار تجميد التمويل الذي فرضته المفوضية الأوروبية على مؤسسة الحق يسهم في قطع هذه العلاقات بين الطرفين ويؤدي إلى حالة من الجمود. كما تؤكد "الحق" مجددًا أن على كل من يدعم القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان أن يرفض هذا القرار باعتباره غير شرعي ولا أساس له من الصحة، وكما أشرنا أعلاه فإن سلوك المفوضية مع "الحق" يمكن أن يندرج ضمن حالة تغيب فيها الشفافية بشكل يخل بمعايير الحكم الرشيد التي تنادي بها المفوضية.
وفي الختام فإن "الحق" ستتخذ خطوات إضافية لمواجهة قرار التجميد المستمر منذ تسعة أشهر.
لمزيد من المعلومات والتفاصيل المتعلقة بأجندات وأساليب منظمة "إن جي أو مونيتور"، يمكنكم/ن الاطّلاع على التقرير الذي أعدّته مجموعة صنّاع القرار الإسرائيليين، في سبتمبر/أيلول 2018