في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2021، عقدت منظمات المجتمع المدني الفلسطينية جلسة إحاطة دبلوماسية مشتركة في مقرّ مؤسسة الحق في رام الله، تطرقت فيها لتداعيات الهجمات الإسرائيلية التصعيدية وغير المسبوقة التي اتخذتها بحق منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان والتي بلغت ذروتها في التصنيف الأخير لستّ منظمات مجتمع مدني فلسطينية بأنها "منظمات إرهابية" بموجب قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي لعام 2016.
لقيت جلسة الإحاطة هذه حضوراً كبيراً من مختلف مكاتب الممثليات في فلسطين الذين تفاعلوا مع ممثلي/ممثلات المنظمات الستة المستهدفة وهي: مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان؛ ومؤسسة الحق- القانون من أجل الإنسان؛ ومركز بيسان للبحوث والإنماء؛ والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين؛ واتحاد لجان العمل الزراعي واتحاد لجان المرأة الفلسطينية.
أفاد شعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة الحق، أنّ هذا الهجوم يأتي في إطار الممارسات الممنهجة التي يبذلها الاحتلال الإسرائيلي من أجل إسكات صوت منظمات المجتمع المدني الفلسطينية وتضييق الخناق عليها، قائلاً: "يأتي هذا الهجوم في أعقاب فشل الاحتلال الإسرائيلي في تجفيف موارد منظمات المجتمع المدني الفلسطينية وإغلاقها، لا سيما في ظل الدعم الذي تتلقاه هذه المنظمات من منظمات المجتمع المدني الشريكة".
كما نقل السيد جبارين رسالة قوية من الصمود والثبات لهذه البعثات الدبلوماسية مؤكّداً على أن عمل هذه المنظمات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان ليس مجرد عمل فحسب، بل يمثل قناعةً راسخةً لا يمكن قمعها أو إسكاتها. وقال مضيفاً: "يمكن لسلطات الاحتلال الإسرائيلي أن تجفّف مواردنا وأن تغلق مكاتبنا وأن تجرّمنا في المحاكم وأن تعتقلنا جميعاً؛ لكن لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تسكت أصواتنا، إذ سنفتح مكاتبنا في السجون وسيصدح صوتنا دائماً في سبيل سيادة القانون والعدالة ومحاسبة المسؤولين/ات عن ارتكاب الجرائم بحقنا".
كما ذكّر السيد جبارين أن هذا القرار يعتبر قراراً سياسياً يندرج في إطار سياسات الضمّ التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي من خلال مدّ تطبيق القانون الإسرائيلي الداخلي في الأرض المحتلة. كما يعزز هذا القرار من تقويض شرعية السلطة الفلسطينية بالنظر إلى أن المنظمات الفلسطينية الستة مسّجلة رسمياً بموجب القانون الفلسطيني.
وفي الختام، شدّد جبارين على أهمية الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني الفلسطينية الشريكة، لا سيّما الاتحاد الأوروبي، بصفته الجهة المانحة الأهمّ، مذكّراً الحضور بأن "ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي يعد منافياً للقيم الموجودة في أي مجتمع ديموقراطي"، كما وجّه لهم/ن سؤالاً مهماً: "ما هو المسار الذي تريدون/تردن اتباعه؟ هل تريدون قبول هذا القرار أم الوقوف في وجهه؟ وإذا كنتم/ن تؤمنون/تؤمنّ بالدور المهم الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وكفاحها، فقد حان الوقت لإدانة هذا القرار واتخاذ خطوات جدية وفعلية في هذا الشأن".
أكّدت سحر فرانسيس، المديرة العامة لمؤسسة الضمير، أن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مؤسسة الضمير منذ وقت طويل نظراً لدورها المهم في توفير الدعم القانوني للأسرى/الأسيرات السياسيين/السياسيات الفلسطينيين/الفلسطينيات على مدار ثلاثة عقود، كما شدّدت على أن هذا القرار يأتي بعد فشل الاحتلال الإسرائيلي في تقبّل المعلومات والحقائق والدلائل التي تعمل منظمات المجتمع الفلسطينية على توثيقها وجمعها وإرسالها إلى المنصات الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة.
كما شدّدت على أن المنظمات الفلسطينية الستة المستهدفة لم تكن تعلم مسبقاً وبصورة رسمية عن هذا القرار. وحذّرت الحضور من تداعيات قانون مكافحة الإرهاب الداخلي الإسرائيلي لعام 2016، الذي يتم تطبيقه للمرة الأولى على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مضيفةً أنه يعتبر قانوناً غامضاً في تعريفاته وإجراءاته التي لا تتماشى مع القانون الدولي.
وتوجهت السيدة فرانسيس للبعثات الدبلوماسية التي حضرت جلسة الإحاطة بأن إعلان تضامنها الرسمي مع منظمات المجتمع المدني ليس كافياً، بل يتوجب عليها أيضاً أن تحثّ وزراءها/وزيراتها الأجانب، لا سيما الداعمين/ات للرواية الإسرائيلية، على اتخاذ إجراءات فعلية وصارمة في وجه هذا القرار، وبناء توجهاتهم/ن بالنظر إلى الحقائق القانونية التي تقدّمها المنظمات الفلسطينية المستهدفة.
قال فؤاد أبو سيف من اتحاد لجان العمل الزراعي أن الاتحاد يتعرض لهجمات الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من عشر سنوات وأن هذا التصعيد الأخير يهدف إلى إيقاف عمل اتحاد لجان العمل الزراعي، الذي يعمل منذ عام 1986 على دعم الآلاف من المزارعين/ات الفلسطينيين/ات خاصة في المناطق المصنفة بأنها مناطق (ج). كما حثّ المجتمع الدبلوماسي على ضرورة دعم المجتمع المدني الفلسطيني مؤكّداً على أهمية أن تكون أصواتهم ومواقفهم أعلى وأوضح من أي وقت مضى. واختتم السيد أبو سيف مداخلته بإعادة التأكيد على ثبات موظفي/ات على موقفهم/ن والتزامهم/ن بمواصلة دعم المزارعين/ات الفلسطينين كما هو منصوص عليه في القوانين المحلية والدولية.
وأضاف أُبيّ العابودي، الرئيس التنفيذي لمركز بيسان للبحوث والإنماء، أنّ سبب الهجوم الذي يشنّه الاحتلال الإسرائيلي على منظمات المجتمع المدني الفلسطينية ما هو إلا لقيام هذه المنظمات بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والعمل في مجال حقوق الإنسان في فلسطين، وهو ما تقوم به بالرجوع إلى القانون الدولي بكل شفافية. وأضاف قائلاً: "إن للهجوم الذي شنّه الاحتلال الإسرائيلي جانبين مهمين: يتمثل الأول في كونه هجوماً على الفكرة البسيطة المتمثلة بوجود مجتمع مدني مستقل ومميّز ينتقد ويقوّم الانتهاكات الإسرائيلية، كما يعد في الوقت نفسه هجوماً عليكم/ن، أي على الدول الأخرى ومنها الاتحاد الأوروبي، فأنتم/ن من تقومون/تقمن بتمويلنا. فهم ببساطة يقولون أن شركاءنا يعملون على تمويل الإرهاب منذ ما يقارب الثلاثين عاماً".
كما شدّد العابودي بدوره على الحاجة لاتخاذ إجراءات فعلية للوقوف في وجه هذا القرار السياسي، لأن عدم اتخاذ هذه الإجراءات في الوقت الراهن يعني "أننا ببساطة في غضون شهرين لن نكون منظمات مجتمع مدني". وأفاد العابودي أن تجريم منظمات المجتمع المدني اليوم يذكّرنا بالإجراءات التي كانت تتخذها حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وهو النهج نفسه الذي تتبعه حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة.
وأوضح خالد قزمار، المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- حيث تم اقتحام مكتب المنظمة في يوليو/تموز الماضي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الذين أصدروا قراراً بإغلاقه- أنّ هذا النظام الإسرائيلي الجائر يحكم على كل محاولة فلسطينية تتحدّاه وتقف في وجهه بالفشل. كما أضاف أن القانون الإسرائيلي لا يلزم السلطات الإسرائيلية بالإفصاح عن المعلومات، الذي بدوره يحول دون تمكّن الفلسطينيين/ات المتضررين/ات من تحدي الادعاءات الإسرائيلية ورفضها. إضافة إلى ذلك، فقد صرّح أنه في ظل الظروف الحالية التي تمر بها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فرع فلسطين، وفي غيرها من المواقف، فإن المحاكم الإسرائيلية تحكم لصالح طلبات المدعي العام العسكري، وهو ما يعد أمراً غير قانوني بموجب أي نظام قضائي في العالم. واختتم السيد قزمار مداخلته بالتشديد على أنه في حال قررت المنظمات الفلسطينية المستهدفة الطعن في قرار التصنيف هذا، فإنه قرار الطعن يدلل على مدى تحيز النظام القضائي الإسرائيلي وافتقاره للعدالة.