يتجدد الأول من أيار للعام 2021، ليتجدد معه نضال العمال والعاملات حول العالم؛ نضال ارتبطت انطلاقته بثورة العمال عام 1886 الداعية لتخفيض ساعات العمل اليومي لثماني ساعات وتحسين ظروف العمل، ويستمر اليوم من أجل ضمان حياة كريمة، وإمكانية كسب رزق بعمل يختارونه أو يقبلونه بحريه وبشروط وظروف عمل عادلة ومُرضية؛ من أجل حقوق عمالية متساوية وغير تمييزية في ظل سياسات وتشريعات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية تضمن للعمال والعاملات الحريات الأساسية أينما وجدوا/ن.
بهذه المناسبة، تنتهز مؤسسة الحق الفرصة لتعبر عن احترامها وكامل تضامنها وتقديرها المستمر لكافة العمال والعاملات؛ في مختلف القطاعات في فلسطين والعالم. لصمودهم/ن ونضالهم/ن المستمر نحو عمل ملائم يضمن لهم/ن ولأسرهم/ن حياة لائقة، رغم كافة الصعوبات.
بينما تشترك شعوب العالم في نضالها لتحسين ظروف العمل، يخوض الفلسطينيون/ات نضالاً إضافياً آخر، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي تتغلغل سياساته الممنهجة التمييزية القامعة لتقوض حقوقهم/ن وحرياتهم/ن لاسيما حقهم/ن في العمل. فيستمر الاحتلال الإسرائيلي بتقييد حق حرية التنقل داخل الأرض الفلسطينية؛ عبر إقامة المستوطنات الإسرائيلية، ووضع الحواجز العسكرية بين المدن وداخلها منذ عام 1967، وفرض نظام تصاريح دخول إلى مدينة القدس منذ عام 1991،[1] وإقامة جدار الضم والتوسع منذ عام 2002، وفرض الحصار على قطاع غزة منذ عام 2007، وغيرها الكثير من العقوبات الجماعية غير القانونية التي أدت، وما زالت، إلى انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني ومنعه من الوصول لفرص العمل في الأرض الفلسطينية المحتلة.
يفرض الاحتلال الإسرائيلي العديد من السياسات التمييزية في التعامل مع حقوق العمال والعاملات الفلسطينيين/ات وظروف عملهم/ن وسلامتهم/ن سواء داخل الخط الأخضر أو المستوطنات غير الشرعية، فتلغي حقوقهم/ن رغم كونها عالمية، وتتركهم/ن عرضة انتهاكات واسعة أخرى. كما وشهدت أعوام الاحتلال طويل الأمد تعريض الفلسطينيين/ات وكرامتهم/ن وسلامتهم/ن وصحتهم/ن للأذى بل وفقد عشرات منهم/ن لحقهم/ن في الحياة أثناء سعيهم/ن إلى فرص العمل ومحاولة الوصول لأماكن عملهم/ن عبر الحواجز الإسرائيلية، أو من خلال ركوبهم/ن البحر للصيد بهدف الحصول على الرزق في قطاع غزة، وغيرهم/ن تاركين/ات خلفهم/ن أسراً تعاني مرارة الفقد، والفقر، والظلم الذي لم يلقَ – حتى الأول من أيار لهذا العام- نقطة النهاية. كل ذلك إضافة إلى نهب إسرائيل وسيطرتها على الثروات والموارد الطبيعية للشعب الفلسطيني وحرمانه التصرف الحر فيها، في الوقت الذي تشكل الأرض من أبرز أسباب العيش الخاص للفلسطينيين/ات ومصادر عملهم/ن ودخلهم/ن؛ إذ سيطرت إسرائيل على ما تفوق نسبته عن 85% من أرض فلسطين التاريخية منذ العام 1948.[2]
يأتي الأول من أيار لهذا العام باستمرار جائحة الإصابة بفايروس كورونا المستجد (كوفيد_19) وآثارها المدمرة على شعوب بقاع الأرض المختلفة وعمالها وعاملاتها، بينما كشفت تبعاته عن مدى ضعف السلطة الفلسطينية في التعامل مع هذه الجائحة، على المستوى الصحي والاقتصادي، فكشفت الجائحة؛ عن هشاشة الاقتصاد الفلسطيني في ظل الاحتلال، وضعف إدارة الحكومة الفلسطينية لآثار هـذه الجائحة من تردي لسياساتها وخلل إدارة مواردها المتبقية مما خلق فقراء فلسطينيين جُدد؛ من عمال وعاملات القطاع العام والخاص والأهلي؛ بما فيهم عمال المياومة والعقود محددة المدة وغيرهم كُثر.
ما زالت الطبقة العاملة تعاني من ضعف الوصول للعدالة بسبب غياب محاكم عمالية متخصصة، كما أدت ظروف الطوارئ بسبب جائحة كورنا، وإغلاق المحاكم إلى تراجع حصول العمال والعاملات على حقوقهم/ن العمالية جراء النزعات العمالية المنظورة أمام القضاء، فضلاً عن ضعف السياسات الحكومية في مواجهة انهيار قطاعات اقتصادية كبيرة وترك عدد كبير من العمال والعاملات في مواجهة أصحاب العمل دون مساندة، إضافة إلى استمرار ضعف التفتيش في أماكن العمل ليستمر معه بقاء الكثير من العمال والعاملات بالعمل في ظروف تفتقر للحد الأدنى من شروط السلامة والحصول على ما لا يرتق للحد الأدنى للأجور، رغم عدم عدالته آساساً.
ما زالت قضية رفع الحد الأدنى للأجور تتفاعل بين أطراف الإنتاج الثلاثة، وما زال الحد الأدنى للأجور إن جرى الاتفاق على نسبته الجديدة لا يصل لما يزيد عن الحد الأدنى لخط الفقر المدقع المعتمد من قبل الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والبالغ 1974 شكيل[3]، مما يتطلب إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور لجعله منصفاً وعادلاً في ظل استمرار غياب منظومة حماية اجتماعية شاملة بما فيها منظومة ضمان اجتماعي تشمل إعانات البطالة والشيخوخة.
تتجدد ذكرى يوم العمال العالمي لهذا العام لتسلط الضوء على مفاصل واقع العمال والعاملات الفلسطينيين/ات، وارتفاع نسبة البطالة في سوق العمل الفلسطيني، ذلك إذ توقف خلال العام المنصرم 2020 وفي أوج انتشار فايروس كورونا المستجد ما يفوق عن (66) ألف عامل وعاملة فلسطيني/ة عن العمل لتصل البطالة ما نسبته 27.8%، بيمنا وصلت نسبة البطالة في قطاع الشباب ما نسبته 39% لذلك العام.[4]
في هذا اليوم، تجدد مؤسسة الحق تأكيدها ضرورة معالجة كافة الأسباب التي تحول دون تمتع العمال والعاملات الفلسطينيين/ات بفرص عمل وبشكل يكفل كافة حقوقهم/ن، بما فيها العمالية، التي تؤمن لهم/ن بيئة وظروف وشروط وأجور عمل مناسبة؛ تراعي واقعهم وحاجاتهم وقدراتهم وتعمل على تطويرها. ومن هنا تؤكد مؤسسة الحق لما يلي:
- ضرورة مساءلة الاحتلال الإسرائيلي عن كافة انتهاكاته لحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها ذات العلاقة بحق الوصول للعمل اللائق في جميع أماكن عيشه وقطاعات مهنه التي يختارها.
- ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية، وتولي المجلس التشريعي القادم زمام مراجعة كافة التشريعات الفلسطينية النافذة، واستحداث ما يلزم من تشريعات جديدة تكفل موائمة البيئة التشريعية والسياساتية الفلسطينية مع المواثيق الدولية الأساسية لحقوق الإنسان والمعايير الدولية ذات العلاقة؛ بما يضمن احترام وحماية وإعمال جميع حقوق العاملين والعاملات الفلسطينيين/ات؛ بما في ذلك من حيث الفرص والبيئة والأجور والإجازات وغيرها من ظروف العمل الخاصة، كأساس لحقهم/ن بعمل لائق وحياة كريمة لهم/ن ولأسرهم/ن.
- أهمية إعمال حق الفلسطينيين/ات بالضمان الاجتماعي واعتباره أولوية تشريعية ضرورية الترسيخ، واتخاذ كل ما يلزم من تدابير لضمان تثبيت المسؤولية الاجتماعية كترس مشترك مانع لاسيما خلال حالات الطوارئ والظروف العادية.
- اتخاذ الأجهزة الرسمية الفلسطينية كافة ما يلزم لرسم وتنفيذ سياسات واضحة وشاملة وجامعة؛ مراعية لنهج حقوق الإنسان وجدول أعمال التنمية المستدامة للعام 2030، حاضنة لكل فلسطيني وفلسطينية لتمكينه/ا من الممارسة الكاملة للحق بالعمل وتوفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين لضمان عدم تخلف أحد عن الركب؛ بما فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة.
- احترام وكفالة حق العمال والعاملات بالتعبير عن مطالبهم؛ بشكل فردي وجماعي بما في ذلك عبر الانضمام للاتحادات والنقابات وعدم المساس بحق هذه الأجسام في ممارسة أنشطتها، بما في ذلك عبر الإضراب.
- ضمان إنصاف وتعويض كافة العاملين والعاملات الذين انتهكت حقوقهم/ن، بما في ذلك من تم فصلهم/ن تعسفياً تحت مسميات مختلفة وعلى خلفيات متنوعة؛ بما ذلك المعلمين/ات الذين/اللواتي أحيلوا/ن على التقاعد القسري المبكر، والأطباء والمعلمين/ات الذين ألزموا/ن مراراً على وقف إضراباتهم/ن، فلا أمان ولا ثقة على حقوق تصان في التشريع دون الممارسات العملية.
- ضرورة استمرار الصمود والعزيمة التي يتمتع بها العمال والعاملات الفلسطينيين/ات في الدفع قدماً والإصرار دوماً والعمل المستمر نحو واقع وظروف عمل أفضل وحياة أكثر كرامة، فالمستقبل حتماً أفضل بعقول وسواعد وإرادات قوية مما لديهم/ن، وخلق واقع أفضل وبشكل مستمر، عِماده عزيمة عمالنا وعاملاتنا دوماً.
- انتهى-
[1] ناصر القاضي، "نظام التصاريح الإسرائيلي: واقع وتحديات"، معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، 2018، عبر: https://www.arij.org/files/arijadmin/2018/permits1.pdf
[2] "د. عوض، تستعرض الذكرى السنوية 44 ليوم الأرض بالأرقام والإحصائيات"، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عبر:
[3] تعريف خط الفقر المدقع في فلسطين وفق جهاز الإحصاء المركزي، بالإمكان زيارة موقع جهاز الإحصاء المركزي على الرابط التالي، http://www.pcbs.gov.ps/faqsAr.aspx
[4] "معالي د. علا عـوض، رئـيـسة الإحـصـاء الفلـسـطـيـنـي تـسـتـعـرض أداء الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2020، التنبؤات الاقتصادية للعام 2021"، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عبر: http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=3880 .